![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لكي نعرف ما هي الحياة الأبدية على مستوى الاختبار اليومي، يلزم أن نعرف أولاً الفرق بين الحياة الأرضية التي تنتهي بالموت، وبين الحياة الأبدية التي لا يوجد فيها موتٌ. فالحياة المائتة كلها متغيَّرات؛ فالفرح المعروف فيها قابلٌ للتغيير وينقلب إلى حزن، والسلام ينقلب إلى قَلَقٍ واضطراب، والحب ينقلب إلى بُغضة وكراهية، والأمل والرجاء إلى يأسٍ وقنوط. أما طبيعة الحياة الأبدية، فكلُّ صفاتها وأحوالها دائمة، غير قابلة للتغيير للضد، بل إلى الأفضل دائماً. والأن، فإن كلَّ مؤمن بالمسيح لابد وأن يكون قد جاز فترة من فترات الفرح الروحي المبُهْج، وحمل آثارها في نفسه، يذكرها فتنتعش روحه، سواء كان ذلك على أثر سماع عظة أو قراءة كتاب روحي أو فصل من الإنجيل أو أثناء الصلاة. تلك اللحظات التي لا زالت منطبعة في نفسه وروحه، هي لحظة من لحظات الحياة الأبدية، ومَذَاقُها فوق الطبيعة، وهي كافية أن تعزَّي الإنسان أثناء مصادماته لتجارب الحياة. ولكن يوجد مؤمنون جازوا فترات أطْوَل، من هذا النوع من الفرح أو السلام أو الغبطة الروحية، حيث صارت لهم مجالاً دائماً يلوذون به في مواجهة العواصف وزعازع الحياة الأرضية. وما يُقَالُ عن الفرح، يقال عن السلام الروحي، وكل تذوُّقات نِعَمِ الحياة الأبدية الأخرى التي تطفح على النفس، فتملأها هدوءاً وطمأنينة ورجاءً وعفَّة وقداسة وتمجيداً دائماً والتصاقاً حاراً بالرب. وهؤلاء الذين يذوقون هذه، يختبرون الصلاة بالروح، والسجود بالروح، والتسبيح بالروح، ببهجة تفوق العقل. هذه هي الحياة الأبدية، وهذا هو سَبْقُ مذاقها. وأوضح صفاتها، أن أثرها لا يزول على مدى عمر الإنسان كله، وهي تجعله يَسْخَر من تقلُّبات الأيام والسنين، وتبقى حصناً أميناً للنفس. هذه هي الحياة الأبدية المبهجة التي سوف نحيا مِلْئها فوق. هذه هي الحياة الأبدية التي هي عينها الحضرة الإلهية، وهي نفسها تذوُّق العِشْرةَ مع المسيح، بل هي حياة المسيح والآب. لذلك يقول القديس يوحا، أنه لما أُظهرت الحياة الأبدية في شخص يسوع المسيح، والتي كانت مخفية في الله، ورآها في شخصه، وشاهدها بروحه في تعاليمه، ولمسها بقلبه وروحه لّمْسَ اليد، صارت له شركة مع الأب ومع ابنه يسوع المسيح (أقرأ 1يو1: 1 – 4)؛ أي أن معرفة الآب وابنه يسوع المسيح، بالاستعلان، هي عينها الحياة الأبدية، وهي عينها الشركة مع الآب والمسيح! بل والإخبارُ بها يعطي نفس الشركة: "الذي رأيناه وسمعناه، نخبركم به، لكي يكون لكم أيضاً شركة معنا." (1يو1: 3). |
|