لكن أي منصب يظل قائم أمام الموت خاصة لأغلى الناس على قلب الإنسان!
رئيس مجمع تعني شخص ذو منصب ومكانة عالية، ولكن أي منصب يظل قائم أمام الموت خاصة لأغلى الناس على قلب الإنسان.
جاء يايرس صاحب المكانة اليهودية ليسوع النجار يتوسل إليه ليشفي ابنته المُشرفة على الموت، لم يُبالي يايرس بمكانته الرفيعة المستوى أمام أصدقائه، لقد كسر الحواجز وأسقط كل ثمين في مقابل مالا يُقدر بمستوى مادي. نعم، أمام المحبة ينسى الإنسان من هو، ينسى حقيقة واقعه كما يقول بولس في (كورنثوس الأولى 1:13-3) أن امتلك كل الأمور التي تجعله إنسان لا مثل له بدون محبة، لصار كلا شيء، فالمحبة الحقيقية تُسقط كل زيف وتُدخِل الإنسان إلى عمق الحق.
لم تأتي قصة المرأة النازفة في قلب أحداث قصة ابنة يايرس هباءاً، لا، لأن القصد منها مُقاطعة يايرس في حماسه الشديد الذي أنساه الجموع من حوله، لذا ربما كان الغرض منها تثبيت إيمان يايرس، إن الله لا ينسى أمور أولاده مهما أحاطت به مشاغل للآخرين، لكنه يتذكر الإنسان وكأنه الوحيد في العالم. “ابنتك ماتت” كلمة كالسيف تخترق قلب الأباء، فكم وكم قلب الأب الأعظم “الله” عندما يرى أولاده أمواتًا بالذنوب والخطايا (أفسس1:2) وهو قد أخلى نفسه من مجده (فيلبي7:2)، وبذل ذاته لأجلهم لينقذهم من هذا العالم الشرير (غلاطية4:1).
ضحك مُعزون يايرس عندما أعلن يسوع بنوم الصبية ولم يتذكروا ما فعله من آيات وعجائب، ولكن بالفعل تحول بيت يايروس من الحزن والنواح والعويل، إلى الفرح والابتهاج عندما قامت الصبية من موتها. يقول بولس أننا أحياناً كثيرة يرانا الناس وكأننا أموات لكثرة ما نلاقيه في الحياة من شقاء (2كورنثوس9:6)، حتى أننا نقتنع بذلك ونعيش في الأرض كالأموات.
مثلما حدث مع يوسف ظُلم من إخوته، وظُلم من سيده، وسُجن ظلماً 10سنوات، ترجى من الآخرين أن يُنقذوه، هل من مُجيب لدعواه؟ لا، لقد نسيه الكل، لكنه ظل مُتمسك برجائه في إلهه، كما تمسك يايرس برجائه في المسيح رغم هول الخبر بموت ابنته، وكما تمسك حبقوق بإيمانه رغم الظلام والخراب الذي حل بشعبه (حبقوق16:3-19). لكن الله هو العارف بالأوقات والأزمنة، ويُسرع في الوقت المُعين لتنفيذ مشيئته في حياة الإنسان (أشعياء22:60)، ويعوض عن السنين التي أكلها الجراد (يوئيل25:2). كما أحيا الله ابنة يايرس، أقام الله يوسف على عرش مصر (تكوين41:41)، ووسط يأس بولس من النجاة سلم الأمر بيد إلهه فحمله إلى بر الأمان. لقد حول الله موت يوسف في السجن إلى رحب لا حصر له (أيوب16:36). بالحق أتم يسوع ما قاله إشعياء عنه “أن الله أرسله ليُعزي الحزانى، ويجبر القلوب المكسورة، ويبدل النوح لفرح”، خوف يايرس قابله يسوع بسلام، حزن يايرس حوله يسوع لفرح، بكاء يايرس حوله يسوع لضحك (إشعياء1:61-3).