القديس البار بولس لاتروس الجديد
نشأ في آسيا الصغرى في بلدة قريبة من برغاموس. والدته أفدوكيا كانت قريبة القديس يوانيكيوس الكبير(4 تشرين الثاني). له أخ اسمه باسيليوس زوجه ذووه عنوة ففر إلى جبل الأوليمبوس وصار راهباً. رقد أبواه وهو شاب صغير. بات وحيداً في الدنيا وفي أسوأ حال. بعث أخوه فأخذه إليه ثم سلمه إلى بطرس، رئيس دير كاريا في جبل لاتروس، ليهتم به راهباً.
كان بولس ممتلئاً غيرة إلهية وسعى إلى الاقتداء بمعلمه في كل أمر. حتى لباسه كان اللباس المستعمل لأبيه الروحي. عامله أبوه بصرامة لأنه أراد أن يدربه على النسك بعدما رأى فيه إناء مختاراً لله. أكد، بصورة خاصة، الجهاد ضد النوم. مرة لاحظه معلمه نعساً مطبق العينيين فصفعه صفعة قوية. من ذلك اليوم خلص من استبداد النوم. ولكي يتعلم أن يكون خادماً للإخوة جعله أبوه في المطبخ. كان كلما أشعل الفرن لإعداد الطعام يأخذ في البكاء ذاكراً نار جهنم. اعتاد أن يخرج إلى البرية ويصعد على شجرة ليصلي. كانت محبة المسيح تلتهمه التهاماً. وكان يطفح نوراً. كثيراً ما بدا جسده مشتعلاً وأصابعه كمشاعل مضيئة.
بعدما رقد الشيخ أبوه خرج ورفيق له في الجهاد اسمه ديمتري إلى البرية جنوبي لاتروس. هناك انتشر عدد من النساك وفدوا من سيناء ورايثو هرباً من البدو. أقام في مغارة لا عزاء فيها. تركه رفيقه بعد حين وحيداً وانصرف بسبب قسوة المكان. جاهد هناك جهاداً بطولياً، صلاة متواصلة وصوماً وسهراً وسجدات. قاومته الأبالسة بضراوة لا بالأفكار والخيالات وحسب بل بالظهورات المرعية والضجيج وإلقاء الحجارة. ثماني سنوات قضاها القديس في جهاد لا هوادة فيه عاد بعدها إلى دير كاريا لفترة وجيزة، طاعة لرئيس الدير. خرج إلى البرية من جديد ليستقر على قمة صخرية تشبه العمود الطبيعي. في مغارة لا يُصعد إليها إلا بالسلم. بات معلقاً بين السماء والأرض. كان راع يأتيه من وقت لآخر ببعض الطعام وكاهن بالقدسات. نال حظوة عند الله. ذاع صيته بفضائله وعجائب الله التي أخذت تجري علي يديه. أخذ طلاب الحياة الملائكية يتقاطرون عليه. كانوا يقيمون عند أسفل الصخر ويتبعون مثاله. كل على قدر طاقته وإيمانه. بعضهم انتظم في حياة الشركة وبعضهم انصرف إلى النسك. الفقر الكامل كان سمة الجميع وكذلك الطاعة الكاملة. اهتم بولس بحاجاتهم المادية والروحية وانكبوا هم على تحقيق قصد الله فيهم.
مع تنامي الشركة وتدفق الزوار أخذ المكان يفقد بعض من هدوئه. نزل بولس من عموده وطلب أمكنة عالية أكثر عزلة. كان قد أمضى اثني عشر عاماً على العمود لم ينزل فيها عنه مرة واحدة. بقي يتردد على تلاميذه ليفتقدهم. ملاكه الحارس كان يتراءى له بشكل منظور ويهتم بقضاء حاجاته. لم يتوقف سيل الزوار عليه فخرج إلى حزيرة ساموص وأقام في مغارة معزولة. صار له، هناك أيضاً، تلاميذ. ذاع صيته في كل مكان حتى بلغ كريت وبلغاريا وإيطاليا. الإمبراطور البيزنطي قسطنطين السابع البرفيري (913 -959م) راسله.
بعدما امتلأ القديس من نعمة الله وتكمل في الوداعة والفرح صار مجرد حضوره أدواء النفس والجسد ويطرد الشياطين ويعزي المكروبين. عرف بقرب نهاية رحلته على الأرض سلفاً. حرر لتلاميذه قواعد الرهبانية. رقد بسلام في الرب في 15 كانون الأول سنة 855م بعدما وعد تلاميذه بأن يصلي لهم على الدوام. شاهد بعض تلاميذه من بعيد ملائكة تحمل روحه وتتجه بها نحو العرش الإلهي. وكانت أيضاً، ساعة موته، علامات وعجائب تأكيداً لقداسته وحسن شفاعته.