روى تادرس الرهاوي عن حبيس عانى كثيرًا بسبب إنشغاله بأعمال بعيدة عن رهبنته سبّبت له ضيقًا وحزنًا سنين طويلة، قال الحبيس: "وفي صبيحة الأحد، أشرق على قلبي نورٌ حلو، قشع عني غَمامَ الآلام، وبقيتُ مبتهلاً بقلبٍ خاشعٍ مُنَدَّى بدموعٍ ذاتِ عزاءٍ، وفيما أنا ملازمٌ للصلاةِ قال لي الملاكُ: السلامُ لك من الربِّ، والخلاص. فتعزَّى قلبي".
زيارات النعمة هي العطية المجانية المهداة لنا من الله، نفحة منه بين وقت وآخر، عندما تجدب الأرض وينفذ ماء البئر، وحين تشتد الضيقات، وحين يحتاج الأمر إلى تدخل شخصي من الله، حيث لا تؤثر القراءات، وحيث لا تجدي كلمات التعزية من الناس. إنها شيء لا يمكن تفسيره، شعور مفاجئ بالراحة والفرح والتعزية، إنها الإشراقة العجيبة بالنور في القلب، فيصفو القلب صفاءً عجيبًا. هي لحظات يشعر فيها الإنسان أنه زهد كل شيء، لحظات وقد انقشعت فيها غمامة الحقد من القلب، مع تلك الزيارة يستخف الإنسان بالنوم، والطعام، والكلام، والشهوة، يغفر لأعدائه، يرى الناس فجأة أتقياء قديسين، تلك التعزية التي تغنيه عن كل شيء وعن كل أحد، مع الله. ربما كانت هذه هي مشاعر داود النبي حين قال «ومعك لا أريد شيئًا في الأرض» (مزمزر ٧٣).
هذه الزيارات ترفع مشاعر الإنسان إلى السماء وكأنه صار كأحد السمائيين، تُجدَّد قوته وتُفتَح شهيته من جديد لمعية الله، فينظر إلى كل الأشياء وهي كلا شيء، وإلى كل الأشخاص فلا عليهم شيء له ولا عليه هو كذلك. يود الإنسان في مثل هذه الدقائق أن يصرخ بأعلى صوته معلنًا أنه يحب الله ويحب الناس ويحب الكون، وأنه لم يعد يريد شيئًا مع الله...
هذه هي زيارة النعمة...
وهي بالطبع تختلف عن ما يُسمّى بالدهش أو اختطاف العقل، حيث يؤخذ الانسان قليلًا عمن وعما حوله لساعات أو لبعض الساعة، بعد انصهار في الصلاة والتأمل في الإلهيات، ومع ذلك فهي زيارة نعمة ولكن بتحرك من الإنسان باتجاه الله ...
انبا مكاريوس
19 - 11 - 2016, 05:16 PM
العرض الشجري