رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سلسلة موضوع: المسيحية حياة فعل وعمل (الجزء الثاني) فأجاب وقال لهم: أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمـــــــــــة الله ويعملـــــــون بها – لوقا 8: 21 _____ _____ تابع 1 - مقدمـــــــة: * الكتاب المقدس، في حقيقته، هوَّ كلمة الله النابضة بالحياة الأبدية، التي تخرج من فم الله الحي الذي هو اللوغوس ابن الله الحي القائم من الأموات، لذلك نحن نجتاز ألفاظ الكتاب المقدس ومعانيه الحرفية والحسية، بعملية عبور من المنظور الظاهر أمامنا للغير منظور السري!! فالمنظور هوَّ الكلام المكتوب أمامي على الورق، والغير منظور في هذه السطور المكتوبة أي هيَّ هيَّ التي أراها وأقرئها الآن، هوَّ شخص الكلمة المتجسد القائم من الموت يسوع المسيح، أي الرب بشخصه، أي هو بذاته حاضر بملء حياته الإلهية في كلمته الخاصة.فالله هوَّ الذي يُكلمني كما كلم إبراهيم، ويواجهني كما واجه اسحق وآباء العهد القديم، بل والرسل وجميع القديسين عبر الدهور كلها، فهو بذاته وبشخصه يعلن مشيئته ويُكلمني من خلال سطور الكتاب المقدس المكتوبة بحبر على ورق، ولننتبه أن كلمة الله هيَّ نطق الله بذاته، أي تحمل قوته وتُعبِّر عن شخصيته وتحمل حياته فيها، وليست مجرد كلمات كتبت أو موضوع نقرأ فيه، بل شخص نلتقيه: "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه" (عبرانيين 1: 2) عموماً، هذا العبور أي العبور من الكلمة المكتوبة والخروج من اللفظ المنطوق، إلى شخص الله الكلمة، لهُ شرط أو مطلب؟ فشرط بل ومطلب العبور، أي بلوغ حقيقة الكلمة في عمقها، والتطلع إلى الله والنظر إليه من خلال الكلمة، هوَّ الإيمان. فالكتاب المقدس يُلزمنا بالإيمان لكي نرى فيه ما لا يُرى: "أما الإيمان فهوَّ الثقة بما يُرجى والإيقان بأمور لا تُرى" (عبرانيين 11: 1) فبدون الإيمان لن نرى شيئاً قط، وسيظل الكتاب المقدس بالنسبة لنا، مجرد كلمات للحفظ العقلي والاستذكار، أو موضوع مطروح للمناقشة والتأويل والتأمل الخاص حسب رأي كل واحد فينا وما يرتاح إليه وقد نتفق أو نختلف عليه، أو مجرد بَركة بمعناها السطحي للكلمة، أو ربما تتطور الأمور لتصل لحد النزاع على رأي خاص أو فكره، كما نرى في هذه الأيام الصعبة، حتى أنه صار أراء شخصية كثيرة صنعت خصومات وانشقاقات مالها حصر ما بين مؤيد ومُعارض، وبين منحاز ومن هو متفق مع آخرين، وصارت كل مجموعة تقاوم الأخرى بحجة الحق التي تعرفه وتحيا به. فنطقي وقولي: أنا أؤمن بالله وأؤمن بالإنجيل، وأحاول جاهداً أن أصنع ما يُثبت ذلك بالحجج والبراهين والإثباتات العقلية وغير العقلية، هذه لن تخرج عن كونها فلسفة فقط وهي بطبيعتها زائلة غير ثابتة لأنها تزول بزوال المؤثر ولن تدخلني في سرّ كلمة الله الحية. أو ربما أتأثر بعظة فأنفعل وأُقرر أن أقرأ الكتاب المقدس، ولكن الصدمة الكبرى هيَّ حينما يزول المؤثر وينتهي انفعالي الوقتي بالعظة أو بما قرأت، فأجد نفسي قد نسيت ما قررت وانتهى كل شيء، ولم يعد في إمكاني أن أقرأ الكتاب المقدس ولا أجد دافع لقراءته!!، وإن قرأت فلا نتيجة أي لا تغيير، ويبقى الحال كما هوَّ عليه، لكن ربما أخرج منه بمعلومات، وهدفي ليس سليم ولا نقي، فقد يكون من أجل تحضير درس سأتكلم به، أو من أجل بحث سأعرضه أو من اجل الرد على الناس ومقاومتهم، أو هناك غرض آخر غير إني أتغير والتقي بالله الحي لدخول في حياة شركة تقوى مقدسة، وبالتالي أخسر سرّ إعلان الإنجيل كله، وأحيا في حالة فلس من الكنز السماوي ومن ذخيرة كلمة الله المُحيية. عموماً الإيمان ليس لفظة تُنطق، وليس إقراراً نظرياً بحقيقة باردة. فالله الذي أعرفه – بحسب منطقي أنا – هوَّ إله الكون وإله ألفاظ الكتاب المقدس، هذا إله فلسفي صُنع العقل وحده، فإذا كان هذا الإله الفلسفي إله الكون واللفظ جامد جمود الهندسة والعلوم الأكاديمية وحبيس الألفاظ الغير مفهومة والتي يتعثر فيها العقل، أو هوَّ حبيس ألفاظ قائم عليها صراع بين مؤيد ومُعارض؛ هذا إله غريب لا أستطيع أن أعرفه إله حي بل سأعرفه عن طريق الناس وفلسفتهم وعن طريق معتنقي العقائد التي قد تضارب مع بعضها البعض في خلافات لا حصر لها، لأن الله الحي الحقيقي ينبغي أن يتحرك نحوي وأتحرك نحوه بجذبه الخاص ليُصبح إلهي أنا. لأنه ينبغي أن يحب ويميل نحوي ليتصل بي ولأتصل أنا به، أي يكون لي معه شركة كإله حي وحضور مُحيي!! فالإله العقلي يُصبح الإله الحي إذا خاطبني أنا، أي تحدث إليَّ وتحدثت أنا إليه. فالله الحي ليس جامد، وليس هوَّ إله التفلسف أو اللفظ الجامد، بل هوَّ إله إبراهيم الذي يأتي إلى إبراهيم بشخصه ويدعوه دعوه خاصة، هو إله الآباء الذي يكشف لهم نفسه، ويُقيم بينه وبين من يُخاطب حواراً، ويُقيم علاقة حقيقية في واقعه العملي المُعاش.وبناء على ذلك، فلغة الإنجيل هيَّ لغة حوار بين طرفين، أي بين شخصين، الطرف الأول أو الشخص الأول هوَّ الله والطرف الثاني هوَّ الإنسان أي أنا على المستوى الشخصي. وكما يقول القديس تيخون من زادونسك: [كلما تقرأ الإنجيل فالمسيح نفسه هوَّ الذي يُكلمك. وبينما أنت تقرأ، أنت تصلي وتتحدث معه]. فأي حوار عموماً يتطلب طرفين، أي شخصين، وحوار الله حوار مُلزم، أي يُعطي ويأخذ: فالله يعطي كلمته للإنسان، ودور الإنسان أن يتجاوب مع كلمة الله المعطاة لهُ. ففي لغة الحوار بين الله والإنسان: الله يتكلم والإنسان يسمع أولاً ثم يُجيب، وأيضاً الإنسان يتكلم والله يسمع ويُجيب؟؟ وأي جواب يطلب الله، سوى جواب الإيمان!! فبدون إيمان لا يُمكن إرضاؤه، بل يستحيل على الإطلاق إرضاؤه. (عبرانيين 11: 6) وأي جواب يطلب الإنسان، إلا استجابة الله لصلاته، وبدون إيمان أيضاً، تستحيل استجابة الصلاة مهما كانت حسب قصد الله في نظرنا. __________ يتبع __________ |
|