الكذب عند الأطفال الاسباب والأنواع والوقاية منه
أعداد د. عجايبى لطفى
يمكن تعريف الكذب بأنه : ذكر شيء غير حقيقي ، مع معرفة أنه كذلك ، بِنِيَّةِ خداع الآخر ، للحصول على مكاسب ، أو تجنب خسائر .
الصدق سمة أساسية للحياة ، وهو ركيزة أولى لشعور الفرد بالمسئولية ، سواء كانت مسئولية دينية أو عملية أو اجتماعية . ولأن الكذب سلوك ، فإن كثرة تكراره يسبب تعود النفس عليه ، واستهانتها به ، حتى يصبح عادة ملازمة لها . ورغم مركزية الصدق في بناء شخصية الإنسان ، إلا أننا نجد أن الكذب سلوك شائع في مرحلة الطفولة ، وكثيراً ما ينظر الآباء إلى السلوك بقلق شديد دون النظر إلى أسبابه ودوافعه ، رغم أن القاعدة الأساسية للتعامل مع سلوك الكذب عند الطفل : أن نعرف
1- أسبابه ودوافعه .
2- ثم نحدد أشكاله .
3- قبل أن نبدأ علاجه .
4- وليتسنى لنا الوقاية منه .
أسباب الكذب :
ينبغي أن يكون واضحاً للوالدين أن أي سلوك يسلكه طفلهم يخضع للقاعدة السلوكية العامة : أن كل سلوك سواء كان سوياً أو شاذاً إنما يحدث بقصد تجنب العقاب أو الحصول على المكاسب. والنظرة إلى الطفل باعتباره طفلاً كاذباً ، لا يجدي معه إلا العقاب الشديد ، نظرة بالغة الضرر ، لأنك حين تصنف ابنك باعتباره " كذاباً " تنمي لديه مفهوماً سالباً عن ذاته ، وهو حين يرى نفسه " كاذباً " يستمر في كذبه ، ويبحث عن الآخرين الذي ينظر إليهم الناس باعتبارهم كاذبين . وهذا مثال على " تحقق النبوءة الذاتية " حيث تؤدي توقعاتنا عن الطفل إلى تحريك عوامل نفسية فيه تحول التوقعات إلى واقع
وأبرز أسباب الكذب :
1- الدفاع عن النفس : ويظهر هذا السبب بكثرة في الأسر التي تستخدم العقاب كثيراً في تعاملها مع أبنائها ، ويتحول فيها الأب من شخص متفهم لمشكلات طفله إلى محقق بوليسي ، فيلجأ الطفل إلى الكذب ليدفع عن نفسه التهمة ، حتى لو ألصقها بالآخرين.
2- الإنكار : ويلجأ إليه الطفل لتجنب الذكريات المؤلمة ، والمشاعر السلبية .
3- التقليد : وهو من أهم أسباب الكذب ، إذ يمثل أسلوب التعلم من خلال تقليد النموذج وسيلة رئيسية للتعلم في سنوات الطفولة المبكرة ، وحين يمارس الراشدون أمام الطفل سلوك الكذب فإنه ينظر إليه باعتباره سلوكاً مرغوباً ( أمثلة : حين يتهرب الوالد من ضيف ثقيل بأن يطلب من الطفل إخباره أنه خارج البيت ، أو حين يسمع الطفل من أبيه مبالغات في الحديث عن حياته وممتلكاته أمام الناس رغم معرفة الطفل بحقيقة الأمر. حين يقول الوالدن للطفل إنه خارج لنزهة ، ثم يأخذانه إلى الطبيب ، أو يعدانه بهدية إذا قام بسلوك ما ثم لا يمنحانه إياها ). ويزيد الأمر تعقيداً حين يكون الأب نفسه ما يزال يمارس سلوك الكذب في بعض جوانب حياته ؛ رغم أنه يطالب الطفل بالصدق الصارم .
4- التفاخر : وذلك للحصول على إعجاب الآخرين واهتمامهم ، والطفل هنا يخفي شعوره بالنقص أمام الآخر ، ويحاول أن يحشو هذا الفراغ النفسي في أعماقه بالكذب محاولاً تعظيم الذات وإعلاء شأنها.
5- التقرب من الآخرين : بادعاء الطفل قيامه بأعمال يحبونها ، فيزيد ذلك من اهتمامهم به .
6- العداء : بادعاء قيام طفل آخر يكرهه بأعمال مشينة ليعاقب عليها ، وكثيراً ما يلجأ إلى ذلك الأطفال الذين يشعرون بعدوانية مكبوتة لا يمكنهم تفريغها ؛ إما لعجزهم الجسدي ، أو لتقييد الأنظمة الأسرية أو المدرسية لهم ، فهو هنا يسعى إلى أن يقوم المعلمون والوالدان بما كان يريد أن يفعله هو من عقوبة الطفل الآخر ، فكأنما يتلاعب مع النظام الصارم بأسلوبه !!
7- الولاء : للدفاع عن مجموعات الرفاق ، أو لتضليل الراشدين حتى لا يعاقبوا صديقاً من اصدقائه .
8- عدم الثقة : يكون الطفل قد اعتاد على أن الوالدين لا يثقان في كلامه عندما يخبرهما بالحقيقية .
9- صورة الذات : يكون قد قيل له مراراً " إنه كاذب " حتى أصبح مقتنعاً بذلك ، ونظر إلى ذاته باعتباره كاذباً .
10- المكسب الشخصي : للحصول على أي مكسب خاص يتصور أنه لا يمكنه الوصول إليه من خلال ذكر الحقيقة .
أشكال الكذب :
يمكن أن يتخذ الكذب أشكالاً متعددة ، من أهمها :
1- قلب الحقيقة البسيط : يدعي الطفل قيامه بواجباته كلها ، بينما يكون قد ترك نصفها .
2- المبالغة : يزيد على الواقع حين يصف والده بالقوة والثروة في حديثه أمام أقرانه .
3- الاختلاق : يروي لأصحابه تفاصيل رحلة لم يقم بها أبداً .
4- التسامر : حين يروي لأصحابه موقفاً فيزيد فيها ليجعله أكثر تشويقاً (بهارات الحديث !!) . وبهذا نرى أن الكذب يترواح بين : قلب الحقيقة ، وذكر جزء منها والزيادة عليه ، أو الاختلاق الكامل .
أنواع الكذب :
وهذه الأنواع تابعة لأسباب الكذب ، ومبنية عليها ، وأهمها :
- الكذب الخيالي :
وهو شكل من أشكال زيادة القدرات الإبداعية عند الطفل ، ومعيشته في عالم الصور والأحلام ، وهو يمارسه باعتباره لعبة ، كالطفل الذي يحكي حكايات عجيبة أسطورية ، ويصور نفسه باعتباره بطلاً لقصصه ، ولا قلق من ذلك ، إذ ينمي الطلاقة اللغوية ، والقدرة على التصوير ، والاستخدام المجازي الاستعاري للغة ، على أن يُشعِر الوالدان الطفل بأن هذا عالم آخر مفارق للواقع . ( مثال : اعتادت إحدى الطفلات على أن تقص على والديها قصصاً عجيبة ، وتدعي أنها حقيقية ، وكان تسترسل في القص بصورة مشوقة جذابة ، فتخوف والداها وذهبا بها إلى عيادة نفسية شهيرة في لندن ، وحين درس المختص حالتها وجد أنها على مقدار عظيم من الذكاء ، وروعة الخيال ، وطلاقة اللسان ، فاقترح على والديها أن يفسحا لها مجال التأليف والتمثيل .. وبعد فترة نبغت في التمثيل والأدب نبوغاً ظاهراً .. فالفت عدداً من الروايات وقامت بإخراجها
على مسرح المدرسة ) .
-الكذب الالتباسي :
نوع بريء سببه عدم تمكن الطفل من التمييز بين ما يراه حقيقة وما يدركه واضحاً في مخيلته ، إذ يسمع الطفل حكاية خرافية أو قصة واقعية ، وسرعان ما نسمعه في اليوم التالي بعد أن تُعايشها مشاعره ويتوحد بها ؛ يتحدث عنها وكأنها وقعت له بالفعل . وقد يرى حلماً فيتوهمه حقيقة . ويزول هذا النوع عادة من تلقاء نفسه مع نمو الطفل ونضجه وتوصله إلى إدراك الفرق بين الحقيقة والخيال . وينبغي على الوالدين مساعدة الطفل بروية وهدوء في التفريق بين الحقيقة والخيال
-الكذب الادعائي :
حين يجعل الطفل من نفسه محط إعجاب الآخرين بالحديث عما يملك أو ما جرى له ، ويكون ذلك كله محض خيال لا حقيقة له . وينشا عادة من شعور الطفل بنقصه ، إذ تعظيم الذات محاولة للتعويض عن الشعور بالدونية . وهو يحدث نتيجة وجود الطفل في بيئة أعلى من مستواه ، أو تمنيه للأفضل أمام زملائه والتوحد فيما تمناه .
هنا ينبغي أن ننظر إلى الدافع لا إلى السلوك ، لأننا لو نظرنا إلى السلوك "الكذب " لعنفنا الطفل على شيء يفعله ليقوي ذاته ، ويستكمل نقصها ، ولكن .. ينبغي ان نخبره أن كل إنسان لديه ما ينقصه ، ونعزز ثقته بنفسه .
أمثلة :
o الطفل الذي يدعي المرض أو الظلم للحصول على قدر أكبر من العطف والرعاية.
o طفل يذهب مع أمه إلى بيت ليس فيه أطفال من سنه ، أو يشعر بتقييد حركته فيه ، فيدعي أنه جائع ، رغم انه ليس كذلك ، وحين يعرض عليه الطعام يتأبى ، ثم يطلب الذهاب للحمام ، وحين يتاح له يخرج منه ، والدافع لهذا الكذب الادعائى رغبته فى العودة للمنزل بسرعه لممارسة اللعب
-الكذب الغرضي أو الأناني :
والغرض منه : تحقيق رغبة شخصية ، كأن يطلب الطفل من أبيه مالاً لأمه بينما يريده لنفسه . ولعل سبب ذلك : فقدان ثقة الطفل في بيئته المحيطة ، فلو علم حرصهم على تحقيق رغباته لما افتعل هذا الأسلوب للحصول عليها .
الكذب الانتقامي :
يكذب فيه الطفل ليتهم طفلاً آخر حتى نعاقبه أو ننتقم منه أو نسيء إلى سمعته . ودافع ذلك عادة : الغيرة أو الإحساس بالتمايز بينه وبين الآخر.
أمثلة :
o عريف الفصل حين يشي بطالب نال درجة أعلى منه في الامتحان .
o الفتاة التي تشي بفتى أنه تعرض لها ، لأنه لم يبادلها مشاعرها .
-الكذب الدفاعي :
نجده كثيراً عند الطفل الذي يحمي نفسه من الوقوع في عقوبة ، وسببه : إما المعاملة المتجاوزة للحد في العقوبة إزاء بعض الأخطاء ، فيلجأ إلى الكذب لحماية النفس من السلطة الجائرة . أوالاحتفاظ بامتياز خاص ، لأن الصدق يفقده إياه ، أو حماية الأخ والصديق من العقوبة ، وقد يسمى " كذب الإخلاص والوفاء " .. وقد يكون نوعاً من الولاء للجماعة " كذب الاطفال في الصف على المدرس لحمايته من بعض اصدقائه "
-الكذب العنادي :
وهو شكل من أشكال تحدي الطفل للسلطة وتمرده عليها .
طرق الوقاية من الكذب : 1- تجنب دور المحقق حين تسأل أبناءك عن سلوك ما . لأنهم حين يضطرون للاعتراف بالخطأ سيحرفونه قدر الإمكان ( تذكر حين تمر أنت بهذا الموقف أمام رئيسك في العمل ، او في موقف محرج .. ألا تحاول تغطية شيء من الحقيقة تجنباً للحرج ؟! ) . وحاول جمع الحقائق من أطراف أخرى ، ثم واجهه بها بتفهم ومحبة وتقدير له ، وثناء عليه .
مثال : رسب ابنك في الامتحان ، وعرفت أنت . بدلاً من أن تقول له : هل نجحت في امتحانك ؟ فيكذب عليك . قل له : لقد اتصل أستاذك ليخبرنا أنك لم تنجح في امتحانك ، وأنا قلق لما جرى ، فما الذي تحتاج إليه لكي تعوض هذه الخسارة ؟
2- التزم بمعايير الصدق التي تضعها لطفلك ، واجعل سلوكك متوافقاً مع معاييرك .
3- تحدث كثيراً مع أسرتك عن الأخلاق ، ونم فيهم الشعور الديني ، واذكر لأطفالك كثيراً من النماذج الصادقة وذلك بوسائل : الأشرطة ، أو الفيديو ، أو اسطوانات الكمبيوتر ، أو حتى بحكاياتك الشفهية معهم .
4- تجنب استخدام العقاب الشديد المتكرر الذي يضطر الطفل معه إلى الكذب لينجو منه ، لأنه ليس هناك عمل يستحق أن تحول ابنك إلى كذاب من أجله !!
5- تجنب المراوغة مع ابنك ، فلا تحاول إخفاء عيوبك عنه بالكذب ، أو تعده بما لا تنجزه ، أو تزيف أمامه الحقائق ( كأن تقول له : إن إبرة الطبيب غير مؤلمة .. رغم أنه بعد دقيقتين سيشعر أنها بالغة الألم بالنسبة له !!) . وحاول أن تصبح أكثر وعياً بمبالغاتك في حديثك ، أو كذبك أمام طفلك تهرباً من موقف محرج .
عـلاج الكذب :
1- محاولة حل مشكلات كثيرة في الوقت نفسه يمكن أن يقود إلى الفشل ، والأسلوب الأمثل أن نختار سلوكاً سيئاً محدداً لمعالجته في الوقت الواحد.
2- ينبغي أن تشارك بفعالية في تغيير سلوك ابنك السيء ، وأن لا تدعه للزمن ، أو لتدخل آخرين .
3- لا تنظر إلى السلوك فقط ، إنما انظر إلى دوافعه وأسبابه ، واهتم بمعالجتها هي أولاً . وتبين حالة الكذب ونوعه ودرجة تكراره ودوافعه ، وكما ذكرنا سابقاً أسباب الكذب ، نذكر علاجها
o الحصول على الثناء أو الانتباه ، الحل : أن تعطيه المزيد من الثناء والتقدير ، فلا يضطر إلى أن يكذب لكي يحصل عليها .
o تجنب العقاب ، الحل : كن أقل قسوة ، وحدد جزاء معقولاً للكذب ، واجعل الصدق أكثر إثابة .
o كذب التقليد : الحل : قدم نماذج أفضل له .
o الخوف من الفشل : الحل : لا تتوقع الكثير من الطفل في وقت قليل.
o الحصول على شيء ما : الحل : ساعد الطفل في استكشاف طرق أخرى للحصول على الأشياء المرغوبة .
o كي يقلل من شأن الآخرين : الحل : ناقش مبدأ الإنصاف ، والحب.
o الكذب من أجل حماية رفاقه : الحل : اجمع الحقائق من مصادر أخرى .
4- ركز على الأساليب الإيجابية التي تهدف إلى زيادة السلوك المقبول ، باستخدام الثناء والمكافآت ، فعن طريق تقوية السلوك الصحيح (وهو الصدق) يقل احتمال ظهور السلوك الخاطئ ( وهو الكذب) .
5- استخدم الجزاءات : وضح للطفل أنك تعرف أنه لم يقل الحقيقة في كل مرة يصدر منه ذلك ، لأن نجاحه في الكذب وعدم كشفه له ، يشعره بلذة وسرور يعززان عودته إليه ثانية . ثم علم أطفالك أن كذبهم لن ينجح ، وأنه لن يحقق لهم مصالحهم ، ولن يخفض العقوبة عنهم . وكرر عليهم أنهم لو قالوا الصدق فستعمل كل ما في استطاعتك لمساعدتهم والتخفيف عنهم ، وأشعرهم انك في صفهم . وينبغي أن تكون صادقاً في ذلك ، وإلا كان لسلوكك هذا نتيجة سلبية.
6- علم أطفالك القيم الخلقية والدينية : لا تتهاون مع سلوك الكذب ، وحاول أن تغرس في أطفالك أن الصدق ركيزة رئيسية في معاييرك أنت ومعايير أسرتك ، وأكثر من ذكر النماذج الصادقة أمامه.
7- اتبع أسلوب التفاهم والمحبة في النقاش لا السلطة المعاقبة .
8- قم بعدد من الرحلات والأنشطة ودع الأطفال يصفونها بحيث يتسنى لهم رؤية
الحقائق والحديث عنها ، مما يكسبهم الدقة في وصف أنشطة الحياة.
9- شجع من له قدرة خيالية واسعة على قراءة الشعر والقصة ومحاولة التأليف الإبداعي .
10- حاول إجراء بعض التجارب أمام الأطفال ووصفها بدقة ليتعزز لديهم الدقة في الإدراك والتعبير .
أما المعلمون فينبغي أن يراعوا – مع ما ذكرناه – أن :
- العقوبات المدرسية تدفع إلى الكذب .
- الواجبات المرهقة تدفع الطفل إلى تكليف الآخرين بالقيام بها ثم ادعاء فعلها.
- ضغط الامتحانات يدفع الطالب إلى الغش .
- اللوحات المدرسية التي يكتب فيها " عمل الطالب " وهو لم يعمل شيئاً نموذجسيء لادعائه القيام بما لم يقم به ، وهي خطوة أولى في تعويده على الاتكالية والكذب