العجل الذهبي
(1) عندما صعد موسى إلى جبل سيناء، ليأخذ الشريعة من الله، وأبطأ في النزول، اجتمع الشعب على هارون، وطلبوا منه أن يصنع لهم آلهة تسير أمامهم، لأنهم لا يعلمون ماذا أصاب موسى. ولا يذكر الكتاب أن هارون احتج أو قاوم، بل طلب منهم أن ينزعوا أقراط الذهب التي في آذانهم، و"أخذ الذهب من أيديهم، وصورْ بالأزميل وصنعه عجلًا مسبوكًا. فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر. فلما رأى هارون ذلك، بنى مذبحًا أمامه. ونادى هارون وقال: غدًا عيد للرب (يهوه) " وسرعان ما انقلب الاحتفال به إلى رقص ولهو وصخب وعربدة (خر 32:1-8، 18-35، تث 9:15- 21، نح 9: 18، مز 106:19و20، أع 7:41).
عبادة العجل الذهبى. خروج 32: 1-35. - لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. خروج 20: 3.
وعندما نزل موسى- ومعه يشوع – من الجبل، ورأى هذا المنظر الفاجر، اشتعل غضبه، وألقى بلوحي الشريعة من يديه وكسرهما. ثم أحرق العجل بالنار وطحنه ناعمًا وذراه على وجه الماء وسقى الشعب. وأمر موسى بني لاوي، فقتلوا زعماء الذين تورطوا في هذا الشر، فوقع من الشعب نحو ثلاثة آلاف رجل، كما ضرب الرب الشعب بوبأ لم يحدد نوعه (خر 32:35).
ويرى البعض أن بني إسرائيل، كانوا – في هذا العمل – يقلدون المصريين في عبادة العجل أبيس في منف، أو العجل سرابيس في عين شمس، ولكن هاتين المنطقتين كانتا بعيدتين عن أرض جاسان حيث كان يقيم بنو إسرائيل في مصر، ولكن كانت هناك عبادات كثيرة مشابهة في شرق الدلتا، التي كانت أقرب إلى أرض جاسان، وهو ما قلدوه في سيناء. وإلى الجنوب الغربي من جاسان (وادي طميلات) في المحافظة العاشرة من مصر السفلى – وكانت تسمى " العجل الأسود "- كانوا يجمعون في عبادتهم بين حورس والعجل. وإلى الشمال الغربي من جاسان نفسها في المحافظة الحادية عشرة من مصر السفلى، كانت تنتشر عبادة العجل مختلطة بعبادة حورس أيضًا. وكان العجل – عند المصريين – رمزًا للخصوبة والقوة الجسمانية.
وكان العجل – عند الكنعانيين – هو الحيوان الذي يمتطيه الإله " بعل أو هدد " إله العاصفة والخصوبة والنمو. وإذ نذكر أن الاتصال كان وثيقًا بين كنعان وشرقي الدلتا، ووجود عدد كبير من الأسيويين في تلك المنطقة بجانب الإسرائيليين، فمن المحتمل أن يكون بنو إسرائيل قد نهجوا في ذلك نهج المصريين والكنعانيين. وعلى أي حال، فإنهم بذلك نزلوا بمنزلة " يهوه " إله إسرائيل (بقولهم: عيد للرب " يهوه ". خر 32:5)، إلى مستوى أوثان الأمم المجاورة، وجمعوا بينه وبين البعل أو غيره من الأوثان. ولكن الله أعلن غضبه على ذلك، وقال لموسى: "قد فسد شعبك 0زاغوا سريعًا عن الطريق الذي أوصيتهم به. صنعوا لهم عجلًا مسبوكًا وسجدوا له، وذبحوا له ". وأوشك أن يفنيهم، لولا أن تضرع موسى أمام الرب (خر 32:7-14).
وجيد أن نذكر على الدوام الوصيتين الأولى والثانية من الوصايا العشر: "لا يكن لك آلهة أخرى أمامي. لا تصنع لك تمثالًا منحوتًا، ولا صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن. لأني أنا الرب إلهك، إله غيور 000" (خر 20:3-5).
(2) بعد انقسام مملكة سليمان، أقام يربعام – أول ملوك إسرائيل (المملكة الشمالية) عجلي ذهب "ووضع واحدًا في بيت إيل، وجعل الآخر في دان " ليكونا مركزي عبادة للشعب، وذلك خشية أن يرجع الشعب بقلوبهم إلى رحبعام بن سليمان، ملك يهوذا، إذا ذهبوا ليقربوا ذبائح في بيت الرب في أورشليم (1 مل12: 28-33، 2مل 17:16، 2أخ 11: 14 و15،13: 8).
كما نقرأ أيضًا أن يُربعام " أقام لنفسه كهنة للمرتفعات وللتيوس والعجول التي عمل" (2أخ 11:15). وكان لعمل يربعام نفس التأثير المأساوي الذي كان للعجل الذهبي الذي صنعه هارون، وهو النزول بمكانة "يهوه" إلى مستوى أوثان الأمم، مما سهَّل على بني إسرائيل عبادة البعليم، آلهة الكنعانيين. ومع هذه العبارات الوثنية، هبطت معاييرهم الأخلاقية، وانحدرت إلى الفجور المستند إلى ممارسات دينية، ففقدوا تمامًا إدراكهم لمسئوليتهم كشعب الله المختار ليكونوا رسالته في وسط عالم مظلم.
ومع أن ياهو بن يهوشافاط بن نمشي، ملك إسرائيل، أباد عبدة البعل وكسَّر تمثال البعل وهدم بيته، واستأصل عبادة البعل من إسرائيل، إلا أنه لم يحد عن خطايا يربعام بن ناباط الذي جعل إسرائيل يخطيء، فأبقى على عجول الذهب التي في بيت إيل، والتي في دان (2 مل10:18-29). ولكن هوشع النبي تنبأ عن نهاية هذه العبادة (هو8: 5 و6،13:2و3).