رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
15 يناير 2012 من الإعواز ... بقلم قداسة البابا شنوده الثالث وفي هذا الموضوع أود أن أتأمَّل معكم شخصية مَن يُعطي من إعوازه، سواء من جهة المال، أو إعوازه من جهة الوقت، أو من جهة الراحة والصحة. ??هناك مَثَل عظيم للذي أعطى من إعوازه من جهة الأبناء إنه إبراهيم أبو الآباء والأنبياء الذي أعطاه اللَّه ابناً في شيخوخته ثم أمره أن يُقدِّم هذا الابن محرقة على الجبل. فأطاع ومضى به ليذبحه حسب أمر اللَّه. لذلك باركه اللَّه بركة عظيمة وبارك نسله. مثال آخر هو حنه أم صموئيل النبي وكانت عاقراً. وصلَّت ونذرت إن اللَّه إذا أعطاها نسلاً تُكرِّسه لخدمته. وفعلاً عندما منحها اللَّه ابنها صموئيل، قدَّمته لخدمة الرب منذ أن استطاع السير على قدميه. ويؤسفنا في هذه الأيام أن كثيراً من النساء يبخلن على اللَّه في الموافقة على تقديم الزوج أو الابن لخدمة الرب. ??مَثَل آخر مِمَّن يعطي من إعوازه. هو مثال مَن يُعطي نفسه لخدمة الرب. إذ يكون ناجحاً جداً في خدمة العالم. ولكنه يُفضِّل خدمة الرب وتكريس نفسه لذلك. فيُعطيه ذاته التي لا يملك غيرها. ويترك كل شيء من أجله. إنه بلا شكّ أعظم بكثير من الذي يُعطي المال من الإعواز. لا شكَّ أن الذي عنده مال كثير ويُعطي منه لخدمة المحتاجين. ولكن عطاءه لا يكون له عُمق مثل الذي يُعطي وهو محتاج إلى ما يعطيه. كإنسان يقول: إن مُرتَّبي كله لا يكفيني، فكيف أدفع العشور للَّه؟! حقاً إنك ستُعطي من إعوازك. لذلك سيُبارك لك اللَّه الباقي من مالك. فيكون أكثر من المُرتَّب كاملاً. ??هناك وصية أخرى من أيام موسى النبي هى وصية البكور. إذ كان الشخص عليه أن يُعطي أبكار " أو أوائل " كل ما يأتيه من الخير سواء من النبات أو الحيوان. فالشجرة حينما تطرح ثمراً، يُعطي أول ثمارها للَّه. وكذلك إذا بهيمة أو شاه وَلَدَتْ له، فيُعطي أول نسلها للَّه. حالياً توجد أزمة بطالة للخريجين. فإذا حدث ونال أحدهم وظيفة مُعيَّنة طالما كان ينتظر. ولكن حسب وصية البكور، فإن أوَّل مُرتَّب يصل إليه من المفروض أن يُقدِّمه للرب لخدمة الفقراء. ويعتبر هذا المُرتَّب هو بكور إيراداته، وفي نفس الوقت عطاءً من الإعواز. وبالمثل أوَّل عملية جراحية يقوم بها طبيب، أو أوَّل كشف أو علاج، عليه أن يُقدِّمه للرب. وبالمثل على كل مهندس أو مُدرِّس أو محاسب أو محامٍ أو صاحب أيَّة مهنة، يُقدِّم أوَّل مكسب له للَّه. إنه تنفيذ لوصية البكور. وفي نفس الوقت هو عطاء من الإعواز. ??إن الأمر باختصار يدل على مدى محبة الإنسان للمال، أو إرتفاعه عن مستوى ذلك. بذلك فإن مال الفقير الذي يُقدِّمه للَّه، هو أكثر قيمة من مال الغني الموسر. أتذكَّر بهذه المناسبة قصة أولوجيوس قاطع الأحجار، الذي كان يكسب في اليوم درهماً واحداً. فيمضي في الغروب إلى مدخل المدينة، ليرى أي غريب قد جاء إليها. فيستضيفه من درهمه هذا الواحد. وأتذكَّر بهذه المناسبة قصة كاهن في الإسكندرية كان أقدام خدام الكنيسة الكبرى. وقابله في الطريق إنسان محتاج يطلب منه صدقة. ولم يكن في جيبه أي شيء من المال ليعطيه لهذا المحتاج. فاضطر أن يقترض من صاحب محل قريب. وما اقترضه أعطاه لذلك المُحتاج. لكي يُنفِّذ وصية " مَن سألك فأعْطِهِ ". ومن الأمثلة الأخرى الأب الفقير الذي يُعلِّم أولاده من إعوازه. أو ذلك الأب المريض الذي يُفضِّل عدم شراء الدواء اللازم له، ويُقدِّم ثمن ذلك الدواء ليُغطِّي احتياجات أبنائه. فهل يذكر الأبناء عطايا آباءهم، التي أعطوها لهم من احتياجاتهم. ??نقطة أخرى هى العطاء من إعواز الوقت: أنت ترجع إلى بيتك، وأنت في غاية التعب. ولسان حالك يقول: " ثِقَل النهار وحره لم أحتمل بسبب ضعف بشريتي "، وتريد أن تنام وتستريح. ولكن ماذا عن الصلاة؟ تقول ليس لديَّ أي وقت لها. أو قُلْ بصراحة ليس لديَّ اهتمام بها أو أنك لا تريد أن تُعطي من إعوازك من جهة الراحة ... إعطِ إذن من إعواز وقتك، سواء لعمل الصلاة، أو التأمُّل، أو القراءة الروحية. وإعطِ من قلبك أيضاً. واعلم أن اللَّه سوف لا ينسى لك تعبك وأنه سيقويك. أقول ذلك أيضاً من جهة الخدمة. فلا تحاول أن تعتذر عنها مُبرِّراً ذلك بأنه ليس لديك وقت. بل إعطِ الخدمة من إعوازك في الوقت أيضاً. لا تحاول أن تُبرِّر نفسك بضيق الوقت مثلاً وتذكَّر تلك العبارة الهامة التي تقول: " إن طريق جهنم مفروش بالمُبرِّرات ". اعرف أن عبارة ليس لديَّ وقت، ربما يكون تفسيرها: ليس عندي اهتمام بذلك. فلا شكَّ أن الشيء الذي تعطيه اهتماماً، سوف توجد له وقتاً. ??أيضاً من جهة التربية المنزلية: الأب والأم مسئولان عن تربية ابنهما روحياً وليس فقط من جهة الصحة والتغذية والملابس والتعليم. فهل يعتبر كل منهما أنه لابد أن يكون لديه وقت يقضيه في جلسة روحية مع أولاده يعلمهم طريق الخير والبِرّ إنني في حضوري العيد الألفي لبناء الكنيسة في روسيا، شكرت الكنيسة على حفظها للإيمان خلال سبعين سنة من الشيوعية، وشكرت أيضاً الأمهات والجدات اللائي اهتممنَ بالأطفال وعلمنهم الإيمان وإعدادهم لذلك. قدِّموا إذا وقتاً ولو من إعوازكم لتربية أولادكم. |
|