رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النقاط فوق الحروف.. كي يطمئن الأقباط تتعرض مصداقية جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة السياسية المهيمنة على المشهد السياسى المصرى للاختبار، بشأن مدى تماسكها بدعم روح الوحدة الوطنية وترسيخ ثقافة المواطنة واستعدادها لتطبيق ذلك وإنهاء حالة الخوف والرعب الموجودة لدى المصريين الأقباط، والتى دفعتهم لاتخاذ موقف معين فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة . وقد كان هذا الموقف مبنياً على خوف ورعب، رصدته وسائل الإعلام العالمية، وآخرها مقال للكاتبة الإسبانية، «أنى آراثا بال» لصحيفة «ديا»، قالت فيه: إن الكلمة التى أصبحت تتردد بين الأقباط هى الخوف، لخشيتهم من سيطرة الإخوان على السلطة التنفيذية فى مصر، وتوضح أنها تعلم جيداً موقف الأقباط منهم، خاصة أنهم تعهدوا بأشياء لن يفعلوها، مشيرة إلى أن مبدأ جماعة الإخوان هو تطبيق الدولة الدينية، وهو أحد الأهداف الرئيسية التى يسعى إليها الإخوان، فبمجرد حصولهم على الرئاسة سيقومون بتغيير ما تعهدوا به للأقباط رغم أن الأقباط كانوا من المنادين، إبان عهد النظام السابق بضرورة منح جميع الحقوق السياسية للإخوان وعدم إقصائهم وتهميشهم، باعتبارهم فصيلاً من الشعب المصرى، ظلمهم النظام السابق. وبهذه الروح الطيبة غير الطائفية شاركت طوائف المجتمع المصرى، ومنهم بالطبع المصريون الأقباط، الذين شاركوا المواطنين المسلمين ثورة 25 يناير المجيدة، وظهرت روح الوحدة فى ميدان التحرير وفى اللجان الشعبية، التى توحد فيها المصريون، المسلمون والأقباط، وكان هذا التماسك الشديد فى الأيام الأولى للثورة يمثل آمالاً تصورنا أنه من الممكن أن يقضى على أعوام من الفرقة والتناحر التى صنعها النظام السابق، تحت شعار «فرق.. تسد»، فكان تنحى مبارك بعد 18 يوماً من الصمود فى ميدان التحرير بمثابة رسالة بانتهاء التفرقة الدينية والطائفية بين أبناء الوطن الواحد، وكذلك فشل فزاعة الخوف من صعود الإسلام السياسى. ورغم أن أصواتاً عديدة خرجت تطالب المصريين الأقباط بأن يحافظوا على روح الوحدة التى أظهروها فى ميدان التحرير، إلا أن صدور بعض التصريحات والأقوال من قبل جماعة الإخوان المسلمين والمتحالفين معهم من التيارات الإسلامية جددت مخاوف الأقباط، مثل الحديث عن التمكين فى الأرض، والجزية، وأهل الذمة، وحق الولاية العظمى «رفض ترشيح قبطى للرئاسة»، وكذلك استمرار جماعة الإخوان فى ترديد الشعارات الرنانة نفسها، التى كان يرددها النظام السابق حول النسيج الواحد بين عنصرى الأمة، مما جعل المصريين الأقباط يراجعون الكثير من مواقفهم بشأن جماعة الإخوان، حتى أخذت العلاقة بين الجانبين تزداد سوءاً بسبب اختلاف موقف الجماعة المظلومة قبل الثورة وتراجعها عن تعهداتها، عندما أصبحت أغلبية، فلم تقم بالواجب نحو حماية المصريين الأقباط وضمان حقوقهم وترسيخ دولة المواطنة رغم أن تعهدات مرشح الجماعة للرئاسة الدكتور محمد مرسى فى برنامجه المعلن والمنشور «بتحقيق مبدأ المواطنة، وإلغاء كل أشكال التمييز، والمشاركة الكاملة فى الحقوق والواجبات، مع خصوصية قانون الأحوال الشخصية، كل حسب شريعته». وهى تعهدات ظهرت كرد فعل ووعود انتخابية ولم يشعر الأقباط بأن هناك جدية فى تطبيق هذه الوعود فى صورة تشريعات عندما كانت الأغلبية الإخوانية تسيطر على السلطة التشريعية للدولة «مجلسى الشعب والشورى». ذلك أن العالم يدرك أن حصول أى حزب سياسى على أغلبية الأصوات فى الانتخابات، لا يعنى بالضرورة أن هذا الحزب هو الأكثر قوة وتنظيماً، وإنما هو الحزب الأكثر قدرة على التعبير عن آمال الناس وطموحاتهم والحرص على الدفاع عن حقوقهم، والأغلبية معناها الدفاع عن الأقلية، سواء كانت دينية أو سياسية مهما قل عددهم والاعتقاد والإيمان الراسخ بأن الأقلية هى جزء من الشعب، له حقوق وعليه واجبات. لكن الأكثرية مارست عكس ذلك واستمرت على نهج النظام السابق فى حالة التخويف والتهميش والإقصاء الذى حدث فى البرلمان والجمعية التأسيسية للدستور ورفض وثيقة الأزهر الشريف، التى شرفت بالمشاركة فى صياغتها، بدعوة من الإمام الأكبر، شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، وعبرت عن مفهوم حقيقى وتوافقى لمدنية الدولة. كما حرم الأقباط من الترشح لمختلف الأدوار السياسية الفعالة بعد الثورة. فأدرك المصريون الأقباط أن قواعد اللعبة لم تتغير وأن الأمل فى تحقيق مطالب وطنية مشروعة وحقوق ستكون مصونة أكثر تحت حكم الإخوان الرشيد لم تتحقق، بل زادت مخاوف الأقباط من قيام دولة دينية تحت لواء جماعة الإخوان، تهدر ثقافة المواطنة والتسامح وقبول الآخر، تعلى من شأن الفرقة والتناحر، بدلاً من الحث على المصالحة الوطنية التى نادت بها سلسلة من المقالات فى المكان نفسه. وبدون وجود جهود حقيقية من جماعة الإخوان فى سبيل المصالحة الوطنية والاعتراف بحق الآخر فى المشاركة السياسية والمجتمعية ستستمر حالة فقدان الثقة والتوتر بين المصريين الأقباط من جهة وبين جماعة الإخوان من جهة أخرى، وهو الأمر الذى لا نريد أن يستمر طويلا فى تلك المرحلة الدقيقة والحساسة التى تمر بها البلاد والتى تحتاج فيها الأغلبية لكسب ثقة جميع المصريين بمختلف طوائفهم السياسية، وأن تسود لغة الاحترام المتبادل بين شركاء الوطن الواحد. وفى الختام أرى أنه ما لم تبادر الأغلبية للحفاظ على مدنية الدولة، المبنية على مبدأ المواطنة وعدم التمييز واحترام سيادة القانون والتعهد بالحفاظ على حرية الفكر والمعتقد وحقوق الإنسان، فإن الأكثرية من جماعة الإخوان ستكون معرضة لفقد مصداقيتها السياسية والأخلاقية، وقد تأخذ وقتا طويلا حتى تعود الثقة التى هى فى مزيد من الحاجة إليها لتحقيق الإصلاح الذى ننشده جميعا واستمرار الثورة فى مسيرتها، بدلا من انتكاسها وتراجعها إذا حاول فصيل الهيمنة على فصيل آخر والإمساك بكل مفاصل الدولة المصرية. فهل سندخل عهداً جديداً حقاً؟! المصرى اليوم |
|