رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفهوم المحبة في الكتاب المقدس كما قصدها الرب يسوع المسيح [أغابي Agape] ليست هي الحب العاطفي أو جاذبية جسدية حسية الواحد نحو الآخر، لأن هذا يزول مع الوقت والزمن التي قد يطول أو يقصر، لأن المحبة العاطفية النفسية متقلبة من حال لحال لأنها تعتمد على الحالة المزاجية بالنسبة للإنسان، وتعتمد دائماً على مدى إعجابي الشخصي بالآخر وذلك حسب ميولي النفسية والفكرية وارتياحي للشخص الذي أقيم معه علاقة صداقة حلوة نتبادل فيها المديح والشكر والمجاملات الاجتماعية، أو الاتفاق في الرأي، ونَقبل بعضنا البعض كوننا قريبين نفسياً أو اجتماعياً ونتأثر عاطفياً بالكلام المتبادل أو العلاقة المتبادلة. ولكن هذه المحبة العاطفية المبنية على القرب النفسي أو حتى الفكري بأي شكل أو صورة لا تلتزم بشيء تجاه الآخر، بل عادةً تلتزم فقط بالشكل والكلام، وقد تتبدل مع الوقت عند بعض التعارض او تضارب المصلحة، أو تغيير المزاج أو الظنون الردية أو حتى الظنون الصالحة، لأن كل واحد أحياناً كثيرة يظن ما ليس في الآخر لأنه يضفي عليه اسقاطاته النفسية والمزاجية. ولكن المحبة كما طلبها الرب يسوع، هي الإحساس القلبي العميق بحب الله نحو الآخر، كل آخر وأي آخر، حتى الأعداء أنفسهم، فهذه المحبة هي محبة ملتزمة بالعطاء والبذل والخروج عن الذات، مثلما تضحي الأم بنفسها من أجل سلامة طفلها غير مهتمة بالأخطار لأنها تحبه حب عميق لا يتبدل مهما ما كانت المشكلة التي تواجهها من أجله، ومع كل هذه التضحية فأن المحبة واعية تعلم ماذا تفعل على وجه التحديد لأنها ليست مُغيبة أو في غفلة من أمرها، لأن احياناً الأم تقسو على طفلها في سبيل نجاته وإنقاذه، مثلما ترضى ان تحرق جرحه بمطهر قوي - فيبكي ويصرخ من الوجع - وذلك لكي لا يُصاب بما يقتله أو يتسبب مع الوقت ببتر أعضاء جسده.فإن أردنا أن نعرف المحبة الحقيقية، لا بُدَّ من أن نتيقن أن الله وحده هو الذي يُعطينا أن نفهم القريب بحاسة وبصيرة مستنيرين بالروح القدس: الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا رومية 5: 8؛ حينئذٍ – فقط – يُمكننا أن نكتشف في الآخر كياناً شخصياً متميزاً لا يتبدل فيما وراء الملامح المنظورة مهما كانت حلوة أو مرفوضة حسب ميولي النفسية، ولا تتوقف على الأخطاء أو الهفوات المرتكبة التي اراها واضحة على ميزان وصية الله، بل سنتجاوز كل شيء وأي شيء يعطل محبتنا نحوه بسهولة، بالرغم من امتناعنا القاطع من أن نشترك في أي عمل شرير أو نتوافق مع روح الشر والفساد الذي يعمل فيه باختياره أو حتى عن ضعف فيه، فنحن نحب كل آخر بسبب حقيققته الجوهرية وهي أنه على صورة الله، وليس على صورتنا الشخصية أو لأننا نرى فيه ملامح تتفق مع ملامحنا الداخلية ومزاجية. عموماً هذا هو الفرق بين المحبة القائمة على الحس الجسدي والنفسي العاطفي المتقلب، وبين المحبة التي قصدها الله ووهبها لنا بالروح القدس.يقول الأب ديادوخوس: [عندما نبدأ في الإحساس بملء محبة الله، نبدأ أيضاً في أن نحب القريب (كل وأي إنسان) من خلال الروح القدس الذي نستشعر عمله فينا، هذه هي المحبة التي توصينا بها الكتب المقدسة (وبالأكثر في العهد الجديد). لأن المودة بحسب الجسد تتفكك سريعاً لأقل عذر وأدنى سبب، لأنها ليست مربوطة بوثاق الروح القدس. فالإنسان المضطرم بنار الحب الإلهي، يُقبل بغاية الفرح على ممارسة محبة القريب، بل ويكون على أتم الاستعداد أن يتحمل في سبيله أية خسارة أو إهانة. لأن حرارة حلاوة محبة الله كفيلة في الواقع أن تُلاشي تماماً مرارة العداوة] ونُلاحظ في القرون الأولى أن معيار المحبة ارتفع فوق كل توقع وقدرة البشر العادية، فكما نعلم أنه كان اضطهاد شديد ومنشور رسمي بقتل المسيحيين، فكانوا يعيشون في مغاير وسراديب تحت الأرض وفي الجبال، وتفشى مرض الطاعون في بعض من أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وكان الوثنيون يلقون آبائهم وأمهاتهم وأولادهم وبناتهم – بلا شفقة – المصابون بالمرض وذلك لا يُصيب كل من في البيت، فيتركونه يصارع المرض وحده ملقياً في الشارع بدون طعام أو شراب، فخرج المسيحيين من السراديب والمغاير ليخدموا هؤلاء التعساء، يعطوهم طعام ويخففوا من شدة حرارة الجسم بالماء حتى أنهم أُصيبوا بنفس ذات المرض بسبب خدمتهم، وكثيرين ماتوا بالعدوى أكثر من الذين أُخذوا بالسيف... أليست هذه هي المحبة التي قصدها الرب يسوع نفسه!!!فالحب الحقيقي حسب الكتاب المقدس وفي المفهوم الأبائي الأصيل، يتوق ويحقق – بقدر الإمكان – من أن يستبدل حياته بحياة آخر، فعندما يكون هذا الآخر مُصاباً بمرض خطير يفتك بالجسد ببطء ويجعل صاحبه منبوذاً بقسوة من المجتمع، لا يخشى المحب الحقيقي بأن يُصاب بكل ما بُلي به صاحب المرض، مثلما نرى الأب أو الأم حينما يخدمون طفلهم في أبشع أنواع المرض الذي قد يصيبهم ويهلكهم. ولنلاحظ قول الأب أغاثون للرهبان عندما تحدث إليهم عن معيار المحبة، فتكلم عن مرضى الجُذام المرفوضين من المجتمع قائلاً: [لو أمكنني أن ألتقي بمجذوم فأعطيه جسدي وآخذ جسده، لكنت في غاية السعادة، هذا هو في الواقع (معيار) الحب الحقيقي] ويقول القديس ثيئوذور الفرمي الذي يقول: [ليست هناك فضيلة أخرى تساوي فضيلة عدم الازدراء بخليقة الله] ويقول مار إسحق السرياني الذي يرد على سؤال لأحد الإخوة [سؤال: وكيف يعرف الإنسان أن قلبه قد بلغ إلى حد النقاوة؟ الجواب: عندما يعتبر أن كل الناس صالحون، وعندما لا يبدو في نظره أي إنسان ما غير نقي أو نجساً، وعندئذ يكون بالحقيقة نقي القلب] مع ملحوظة أن المحبة منفتحة الوعي وليست مُغيبة ولا ساذجة، فهي لا تُصدق كل شيء من الناس بل من الله، تقبل كل الناس ولكنها تُميز ما بين الخير والشر والصالح والطالح، ولا تصنع شركة مع الظلمة بل مع القديسين في النور، بالرغم من انها تقبل الكل بلا استثناء وممكن أن تموت وتبذل من أجل كل واحد بلا ثمن أو تفريق بين صالح وطالح، لكنها لا تتورط في أعمال ظلمة ولا تشترك في حياة فساد ولا شرّ ولا تعليم خاطئ أو مُشتت، بل ولا تصدق بسذاجة كل الناس بل تفحص كل شيء في نور نعمة الله بقوة الإفراز والتمييز التي تحملها في داخلها، بل وأحياناً تتخذ مواقف قطاعة من لابعض من جهة الشركة أو التوبيخ من أجل الصالح والحفاظ على ما نالته من الله.. الخ، لكنها لا تحمل البغضة أو الضغينة لأحد قط وهذا ما نراه في توبيخ يوحنا المعمدان للناس وبولس الرسول حينما وبخ بطرس الرسول.. الخ، مع انهم يحملون قوة محبة الله للجميع. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ما هو مفهوم الشَّريعَةَ في الكتاب المقدس؟ |
ما هو مفهوم الضمير في ضوء الكتاب المقدس؟ |
مفهوم النبوة في الكتاب المقدس |
مفهوم المحبة في الكتاب المقدس كما قصدها يسوع |
مفهوم الزواج في الكتاب المقدس |