القديس برنردينس السياني المعترف
ولد القديس برنردينس المعترف المجيد والواعظ الفصيح الذي من رهبنة مار فرنسيس في مدينة سيانيا سنة 1380م من أبوين شريفين الأصل. وأعطاهما الله القديس برنردينس ليكون تعزية لهما وفخراً لإيطاليا كلها
وعندما صار عمره 3 سنين ماتت أمه, ولما صار عمره 6 سنين مات والده أيضاً وبقي يتيماً. فأخذته خالة له اسمها سيانة وأحسنت تربيته
وكان هذا الطفل ذا رأفة علي الفقراء وميل إلي زيارة الكنائس وتزيين المذابح واستماع القداديس والمواعظ ومحاكاة الواعظين الذي كان يستمعهم. فكان يجمع رفاقه ويعظ عليهم بصوت وحركات تحاكي الواعظين الذين كان يستمعهم
وضع في المدرسة ليتعلم أوائل القراءة والكتابة. ولما صار عمره ثلاث عشرة سنة شرع يقرأ العلوم علي واحد من أمهر المعلمين فنجح جيداً. وكان معلمه يقول إني لم يكن لي قط تلميذ ذو قريحة جوادة مثل برنردينس . وقد كان محتشماً ضابطاً لسانه من الأقاويل الباطلة الغير المفيدة ولا يسمح لأحد أن يتكلم كلاماً باطلاً أمامه.
وإذ كان القديس منصور الفراري يكرز ذات يوم قال للسامعين: بينكم صبياً سيُحكم بقداسته قبلي. وكان هذا الصبي هو القديس برنردينس السياني الذي صحت فيه نبوة القديس منصور لأنه حقاً حُكم بقداسته قبله.
وذات يوم صار عيد محتفل في المدينة وامتلأت الكنيسة من الناس بحيث لم تكن تسعهم وبقي كثيرون منهم بالخارج. فلما رأي برنردينس ذلك امتلأ قلبه من محبة الله ومن حرارة الروح القدس فصعد علي كرسي كان هناك وشرع يكرز عليهم وقلبه متقد بالتقوي والعبادة والعلم. فتعجب جميع الحاضرين من نجابة هذا الصبي ومن سمو أقواله التي بينت لهم ما صار منه بعد ذلك.
وكان له ابنة خالة راهبة من الرهبنة الثالثة لمار فرنسيس فهذه كانت تزوره دائماً وترشده بمشوراتها الصالحة. فذات يوم قال لها: اني مغرم بعذراء جميلة للغاية ولذلك كل يوم انطلق عندها وازورها, فتعجبت ابنة خالته من كلامه خائفة أن يكون قلبه تعلق باحدي الجواري.
فشرعت تترقبه لتعلم إلي أين ينطلق كل يوم. وأخيراً علمت أنه يذهب كل يوم إلي مكان به صورة جميلة لمريم العذراء وكان يجثو أمامها مصلياً وهي كانت حبيبته.
كان لهذا القديس عبادة حارة لحبيبته مريم العذراء فكان يطلب إليها أن تحفظه من أخطار الدنيا التي تحيق خصوصاً بالشباب وأن تصون عفته من كل ما يمكن أن يمسها. وقبل دخوله الرهبنة كان يصوم كل يوم سبت إكراماً لمريم العذراء. ولما صار واعظاً كان يحب أن يكرز دائماً في أعياد مريم العذراء لكي يذيع عظائمها, وذات يوم قال في خطبته: إني وُلدت يوم عيد ميلاد العذراء وفي هذا اليوم لبست ثياب الرهبنة وفيه تجددت الرهبنة وفيه نذرت نذري وفيه قدست أول مرة أيضاً, وأرجو فيه أن يقبل فيه ربنا يسوع المسيح روحي في ملكوته السماوي.
ولما صار عمره سبع عشرة سنة وتعلم الفلسفة شرع يدرس في الأسفار الإلهية. وكان يقمع جسده بالأصوام والتقشف ولبس المسح والنوم علي الحضيض وقلة الأكل.
وفي سنة 1400 أراد الله أن يعاقب أهلي إيطاليا فضربهم بوبأ قاتل أهلك كثيراً منهم. ودخل في مدينة سيانيا ومات الكثير من سكانها. فظهرت رحمة برنردينس في هذه الشدة بالاهتمام بالمهملين والفقراء. واستعان ببعض رفاقه في هذه الخدمة فكانوا يخدمون معه المصابين بالوبأ من الغرباء والمهملين والمحتاجين
وكان للقديس برنردينس شوق عظيم إلي أن يهجر العالم ويخصص نفسه لله في احدي الرهبانيات لكي يصون نفسه بذلك من آفات كثيرة كانت محدقة به من كل جانب وهو في العالم. وقبل أن يباشر هذا العمل العظيم اختلي في مكان منفرد وجعل يصوم ويصلي طالباً من الله أن يعلمه الطريق التي يجب عليه أن يسلك فيها. فالهمه الله أن يدخل رهبنة القديس فرنسيس ويحتمي تحت لواء هذا القديس تلميذ يسوع المصلوب
فانطلق عند أحد رهبان القديس فرنسيس وكشف له أمره, فأشار عليه أن يبيع جميع ما له ويوزعه علي الفقراء ويدخل الرهبنة. فامتثل برنردينس لهذه المشورة. وبعد أن قسم كل ما كان يملك علي الفقراء دخل ديراً للقديس فرنسيس في مدينة سيانيا ولبس الثياب الرهبانية وكان عمره إذ ذاك 22 سنة. وقضي زمان ابتدائه في دير آخر يدعي كلمبارة. ثم نذر نذوره الاحتفالية في يوم عيد ميلاد العذراء ايضاً.
وبعد سنة رسم كاهناً وقدس قداسه الأول ووعظ أول مرة وكان ذلك في يوم عيد ميلاد العذراء أيضاً. وكان يكرز في سيانيا وفلورنسا وفي أماكن كثيرة في إيطاليا كلها. وكان بأمثاله الصالحة يثبت ما يقوله في عظاته وشاع صيته في كل تلك البلاد.
فكان الناس يتقاطرون أفواجاً أفواجاً إلي استماع عظاته, وبما أن الكنائس لم تكن تسع الناس الذين كانوا يأتون كان يكرز في البرية أو في الأماكن الواسعة المشتهرة. ورجع بوعظه كثيراً من الخطاة إلي التوبة. وأصبح كأنه رسول إيطاليا والواعظ الأول فيها بالإنجيل والبستاني الماهر الذي نقي منها جميع الأشواك وربي نصباتها وسقاها بمياه الحياة المسيحية
ولما رأي الشيطان نجاح أعمال هذا القديس شرع في محاربته بأنواع كثيرة مختلفة مريداً أن يتلف عفته
وماذا أقول عن طاعة برنردينس وتدققه في حفظ القوانين وحبه للفقر وتواضعه الذي جعله أن يأبي قبول الأسقفية مرات عديدة حتي أن البابا بنفسه وضع تاج الأسقفية يوماً علي رأسه فخلعه متوسلاً إليه أن لا يكلفه درجة عالية كالأسقفية لأنه أحب إليه أن يكون فقيراً ويكرز بكلام الله في كل مكان من أن يكون أسقفاً علي كنيسة ما
وفي السنين الأولي التي قضاها في الرهبنة إذ كان ينطلق ليستعطي مع رفيق له كانت الصبيان تجري وراءهما وتهزأ بهما وترميهما بالحجارة في أرجلهما الحافية وتجرحها. فكان رفيقه أحياناً يغضب فيقول له برنردينس : يا أخي دعهم فأنهم يعلموننا أن نستحق ملكوت الله بفضلة الصبر
وبعدها أضاء القديس برنردينس بأقواله وأمثاله وأعماله الصالحة لمعظم مدن إيطاليا وقراها وقد شاخ في السن عزم أن ينطلق أيضاً إلي مملكة نابلي. ولكنه وقع مريضاً في الطريق بقرب مدينة اكويلا. وهناك ظهر له القديس بطرس كلستينس شفيع هذه المدينة وأعلمه بأنه سيموت عما قليل.
ففرح القديس برنردينس بهذه البشري السماوية وتأهب للموت بأخذه أسرار البيعة المقدسة وأضجع علي الأرض وسلم نفسه إلي الله خالقه. وكان ذلك ليلة عيد الصعود في اليوم العشرين من شهر مايو سنة 1444
ودفن جسده في دير للقديس فرنسيس
بلغ القديس برنردينس من العمر 63 سنة و8 أشهر منها اثنتان وعشرون سنة قضاها في العالم والباقي في الرهبنة. ورفع الله قدره بالمعجزات التي اجترها في حياته وبعد موته. فأنه شفي كثيراً من السقماء وأقام موتي وفك كثيرين من مسك الشيطان
تذكاره 20 مايو