عذراء وعذراء
بقلم إيريناوس أسقف ليون (قرن 2)
وحسب هذا التدبير، من أجل خلاص جنس البشر، قالت مريم "ليكن لي كقولك". وبذلك أطاعت. أما حواء فلم تُطِع رغم أنها كانت لا تزال عذراء. وكان آدم زوجاً لحواء رغم كونها عذراء، إلا أنه بالمعصية هو أيضاُ صار سبباً للموت لنفسه ولحواء ولكل الجنس البشري، ولكن مريم تعيَّن لها زوجاً حسب اختيار الله وعمله السابق، ولكنها ظلت عذراء. وعندما التزمت بالطاعة صارت لنفسها ولكل الجنس البشري سبباً للخلاص. وحسب الناموس المرأة المخطوبة لرجل تدعى زوجةً له رغم أنها تظل عذراء. وهذا بلا شك يشير إلى العلاقة بين حواء ومريم. والأشياء مرتبطة ببعضها ولا يمكن فصلها ... وحواء لن تحصل على حريتها إلاّ إذا قبلت الأخيرة أن يأتي منها المسيح.
وهكذا صار الأول الأخير، والأخير الأول (مت 30:19). وهو ما شرحه النبي بقوله أيضاً "عوض آبائك يكون بنوك" (مز 45). وتم هذا عندما وُلد الرب ثم صار البكر من بين الأموات. وأخذ في حضنه الآباء الأولون وولدهم إلى حياة الله نفسه عندما صار بداية الجنس البشري الحي، بينما صار آدم بداية الجنس البشري الميت (1 كو 15: 20-22). هذا جعل لوقا يبدأ سلسلة الأنساب من الرب أولاً حتى آدم، لكي يؤكد أنه وَلَدَ هؤلاء الآباء من جديد، وليس هم الذين ولدوه إلى الحياة حسب الإنجيل. وكذلك لعنة حواء ومعصيتها، رفعتها مريم بطاعتها، لأن حواء العذراء الأولى رُبطَت بعدم إيمانها، وكذلك مريم العذراء حلَّت رباط حواء بطاعتها.
جاء الرب إلى خاصته ورفع المعصية التي جاءت عن طريق الشجرة (شجرة المعرفة) بطاعته التي أظهرها على الشجرة (الصليب). كذلك الغواية انتهت، لأن حواء التي اُختير لها زوجاً قد أغويت بالشر، ولكن في البشارة المفرحة نجد العذراء مريم وهي مرتبطة بزوح قد سمعت البشارة من الملاك. ومن هذا يظهر أنه كما أن حواء أُغويت بكملة ملاك ساقط وهربت من الله بعد أن نفذت كلمته، هكذا مريم بكلمة الملاك نالت البشارة المفرحة لكي تلد الله وتطيع كلمته. الأولى عصت، لكن الثانية أطاعت الله، لكي تصبح العذراء المحامية عن العذراء حواء. وكما أن الجنس البشري قد رُبِطَ بالموت بعذراء، فإنه خَلُصَ بعذراء. وبذلك تم تعادل معصية العذراء (حواء) بطاعة العذراء، ومكر الحية غُلب ببساطة الحمامة
المرجع: ضد الهرطقات (3: 22، 34- 5: 19) ... منقول عن كتاب "العذراء في التسبحة" للدكتور جورج بباوي