رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
إرادة إلهية وإرادة بشرية
كيرلس السكندري "وهذه هي مشيئة الآب الذي ارسلني، أن كل ما أ عطاني لا أتلف منه شيئًا، بل أقيمه في اليوم الأخير". إذن يعطينا المسيح بتلك الكلمات نوعًا ما من البرهان، ويعلق مؤكدًا ان من يقبل اليه لن يخرجه خارجًا. لأنه (يقول) لهذا السبب "قد نزلت من السماء" أي، صرت إنسانًا حسب مسرة الله الآب الصالحة، ورفضت ان أنخرط في أعمال غير موافقة لمشيئة الله، حتى أحقق لهم – أولئك الذين يؤمنون بي – الحياة الأبدية والقيامة من الأموات، محطمًا قوة الموت. واحتمل التحقير من اليهود والشتائم والسباب والإهانات والجلدات والبصاق، والأدهى من ذلك، الشهادة الزور، وآخر الكل، موت الجسد. تلك الأمور قد اجتازها المسيح بإرادته لأجلنا، لكنه لو كان ممكنًا ان يتمم لنا رغبته دون معاناة تلك الأمور، لما كان قد تألم. لكن لما كان اليهود عازمين يقينًا وحتمًا إثارة الأمور ضده فإنه يقبل الألم، ويجعل ما أراده ليس ارادته هو، ولأجل ما لآلامه من قيمة، واتفاق مع الله الآب، وموافقته معه على انه سوف يحتمل فورًا كل شيء، وذلك لأجل خلاص الجميع. هنا نرى بوجه خاص الصلاح الوفير الذي للطبيعة الإلهية، في انها لم ترفض ان يكون اختيارها لأجلنا لما هو مرفوض ومزدرى به. لكنكم سوف تفهمون لماذا لم يكن المسيح مخلصنا يريد الآلام التي على الصليب، ومع ذلك أرادها لأجلنا ولأجل مسرة الله الآب الصالحة، لأنه حين كان على وشك الخروج (للآلام) أيضا، جعل حديثه الى الله (الآب) قائلًا ما قاله في صيغة صلاة: "يا ابتاه، ان أمكن فلتعبر عني هذه الكأس، ولكن ليس كما أريد أنا، بل كما تريد أن ت" (مت٣٩:٢٦ ). لأنه وهو الله الكلمة، الغير المائت، والغير الفاسد، والحياة ذاتها بالطبيعة، لم يقدر ان يرتعد أمام الموت، وإني اعتقد ان ذلك واضح للجميع: إذ وهو في الجسد قد جعل الجسد يعاني الأشياء اللائقة به، وأن يسمح له ان يرتعد أمام الموت، حين كان على مشارفه، لكي يُظهر انه بالحقيقة انسان، لهذا يقول "إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس". (وكأنه يقول) إن كان ممكنًا، من دون معاناة ألم الموت، أن أهب الحياة للذين سقطوا، و إن كان الموت يموت من دون موتي أنا، بالجسد، أي (كما يقول) فلتعبر عني هذه الكأس، لكن (على حد قوله) ما دام ذلك لن يحدث، فليكن الأمر إذن، لا كما أريد "أنا" بل كما تريد "أنت". أنت ترى كم هو مقدار عجز الطبيعة البشرية، حتى في المسيح نفسه، بقدر ما يتعلق بها الأمر. لكن باتحادها بالكلمة قد ُأعيدت الى ما يليق بالله من إقدام واستعيدت الى غرض شريف، أعني ان الطبيعة البشرية لم تقترف ما يبدو صالحًا لإرادتها هي الذاتية بل بالحري تتبع القصد الإلهي، مهيأة على الفور للركض الى مهما يدعوها اليه ناموس خالقها. وحتى يكون قولنا قول الحق، يمكن لكم ان تتعلموا ذلك مما يلي أيضًا. (إذ يقول) إن الروح نشيط، أما الجسد فضعيف. لأن المسيح لم يكن يجهل انه لو بدا كأنه مغلوب من الموت ويجزع منه، فهذا شيء أدنى كثيرًا من أن يليق بكرامة الله، لهذا الحق بما كان قد قاله أقوى دفاع قائلًا، إن الجسد كان ضعيفًا، بسبب ما يلائم (طبيعته)، لكن الروح نشيط، عالمًا أنه يحتمل ما قد يجلب الضرر. أرأيتم كيف ان المسيح لم يكن يريد الموت، بسبب الجسد، ولا هوان التألم، ومع هذا أراده، حتى يتمم به مقاصد مسرة الآب الصالحة لأجل العالم أجمع، أي، خلاص وحياة الجميع؟ ألم يشر هو بالحق والصواب الى شيء من هذا القبيل، حين يقول ان هذه هي إرادة الآب، أنه من بين الذين أتى بهم اليه لن يهلك أحد، بل سيقيمه في اليوم الأخير؟ لأنه كما سبق وعلمنا، ان الله الآب في محبته للإنسان يحضر للمسيح، الحياة والمخلص، ذاك الذي يحتاج الحياة والخلاص. المرجع: تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الاسكندري، ترجمة د. نصحي عبد الشهيد إصدار مركز دراسات الآباء. |
|