المسألة التفسيرية في الكنيسة القديمة:
في هذا المجال وافق القديس فكنديوس كلياً التقليد القائم في الكنيسة. فعبارة القديس إيلاريون واتيه الرائعة التي تقول : “إن الكتاب ليس في قراءته، بل في فهمه” (إلى كونستانس، 2، 9، مجموعة الآباء اللاتين، مين 10، 570) كرَّرها القديس إيرونيموس “جيروم” (الحوار ضد لوكيفاروس، 28، مجموعة الآباء اللاتين مين 23، 190-191). ولقد ظلّت مشكلة التفسير الصحيح للكتاب المقدس حادّة حتى القرن الرابع أثناء صراع الكنيسة مع الآريوسيين، وما خفَّت حدَّتها عماّ كانت عليه في القرن الثاني أثناء مقاومة العرفانيين والصباليوسيين والمونتانيين. فكلّ أطراف النزاع احتكمت إلى الكتاب، حتى إن الهراطقة والعرافايين والمانويين استشهدوا بفصوله وآياته واحتكموا إلى سلطانه. وكان التفسير في تلك الفترة أهمّ منهج لاهوتي ولعلَّه كان المنهج الأوحد، وكان سلطان الكتاب مطلقاً وسامياً. وكان الأرثوذكسيون يتّجهون إلى طرح السؤال التفسيري الحاسم: ما هو مبدأ تفسير الكتاب؟ لكنَّ لفظة “الكتاب المقدس” أشارت في القرن الثاني بصورة أساسية إلى العهد القديم، ولذلك اعترض مركيون (مرقيون) بقوة على سلطان أسفار العهد القديم رفض الاعتراف بها. بناء عليه أصبح برهان وحدة العهدين ضرورية. ما هو أساس الفهم المسيحي والخريستولوجي “للنبوءة”، أي للعهد القديم وما هو مبرِّره؟ ففي تلك الحقبة أُثير أولاً سلطان التقليد. فالكتاب ينتمي إلى الكنيسة ولذلك يُفهم بشكل وافٍ ويُفسَّر بشكل صحيح فيها وضمن جماعة الإيمان القويم فقط. أمَّا الهراطقة، أي الذين خارج الكنيسة، فلم يملكوا مفتاح فكر الكتاب، لأنه لم يكن الاستشهاد بكلام الكتاب كافياً إذ يجب على الإنسان أن يَشرح معنى الكتاب الحقيقي والقصد منه بشكل كليّ وأن يُدرك مسبقاً نموذج الإِعلان الكتابي ومخطط عناية الله المخلِّصة. وهذا لن يتحقَّق إلاَّ بالرؤية الإيمانية. فبالإيمان كان “الإقرار بالمسيح” (Christiuszeugniss) في العهد القديم مفهوماً.