إنهم دوَّنوا سيرة حياته وسردوا أعماله ليقدِّموا لنا صورته التاريخية والإلهية بوقت واحد. فهذه الصورة لم تكن صورةً لملامح جسده، بل أيقونة تاريخية للإله المتجسد. الإيمان لا يخلق قيماً جديدة، بل يكشف عن قِيَمٍ موجودة. إنه نوع من الرؤيا “وتصديق ما لا نراه” (عبرانيين 11: 1). (يفسِّر الذهبي الفم لفظة elenchos “التصديق” أو “الإيقان” مثلما يفسِّر لفظة opsis “وجه”). فما “لا يُرى” لا يقلّ واقعية عمّا “يُرى” ولعلّه أكثر واقعية. “لا يقدر أحد أن يقول إن يسوع رب إلاّ بإلهام من الروح القدس” (1 كور 12: 3). أي إننا لا نقدر أن نستوعب عمق المعاني الإنجيلية إلا عن طريق الخبرة الروحية. وما يكشفه الإيمان يُعطى بحقّ. ولأن الأناجيل كُتبت في الكنيسة فهي شهادة الكنيسة ومدوّنات خبرتها وإيمانها، كما أنها سرد لأحداث تاريخية وشهادة لوقائع حدثت فعلاً في مكان معيَّن وزمن محدَّد. وإذا كنَّا نكتشف “بالإيمان” أكثر ممّا نكتشف “بالحواس” فهذا دليل واضح على عدم كفاية الحواس في معرفة الأمور الروحية، خصوصاً أن ما حدث كان عملاً جبَّاراً قام به إلهنا المنقذ، وتدخلاً إلهياً في مجرى الأحداث التاريخية. لكن يجب ألاَّ نفصل بين “الحدث” و”معناه” لأنهما يقدِّمان لنا الحقيقة.