رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مفهوم النعمة "العطية بالنعمة"(رو15:5). أولاً :- عـطـيـة مجـانيـة ثانياً :- عـطـيـة عموميـة ثالثاً :- ليست من أعمال بشرية أولاً:- عطيـة مجانيـة كلمة النعمة في الأصل اليوناني ( x a p i s ) تعنى (عطية مجانية) كإسداء معروف أو إحسان إلى معوز أو محتاج. (The International Bible Encyc Vol. 2. P. 1290). . وهكذا من إحسانات الله علينا نحن الخطاة أنه أنعم لنا بالخلاص لهذا يقول بولس الرسول "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله" (أف8:2) وعن نعمة تبريرنا مجانا قال "متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح" (رو24:3) وقد علق على ذلك القديس أغسطينوس قائلا "بدون نعمة المسيح لا يمكن لصغير أو كبير أن يخلص، وهذه النعمة لا تعطى مقابل أي شئ وإنما هي عطية مجانية" (N. P. Frs 1st. Ser Vol. 5. P. 122). حقيقة يا أخي ما كنت أنا أو أنت نستحق نعمة الخلاص ولكن هنا تظهر هبة الله المجانية، فإذ قد وجدنا معوزين ومحتاجين أحسن إلينا، ومال ليخلصنا، رغم عداوتنا له بسبب خطايانا ولكنه يضمد جراحنا ويخلصنا من الموت، وينقذنا من يدي الاعداء، ويعتنى بنا (لو30:10ـ27). ماذا فعلنا حتى يخلصنا، وماذا قدمنا له حتى ينقذنا؟ لا شئ بالمرة. وما أجمل ما قاله الآباء القديسون "إن كل ما يقدمه بنو البشر هو لا شئ أمامك، حتى أنك حسبت كل ما يعمله الإنسان كخرقة نجسة، فلا تبطئ أنت يا سيد بمعونتك لأن نعمتك تخلصنا مجاناً، وماء الحياة أنت تقدمه للعطاش إليك بلا ثمن". (كتاب السبع طلبات لمشاهير قديس الكنيسة ص198 طبع دير السريان). وقال القديس مار أفرام السرياني: " آثرت أن تخلصنا مجاناً نحن الخطاة، والذين لم يعرفوك أعطيتهم نور المعرفة". (المرجع السابق ص 102). أخي إن كنت تريد أن تخلص من عقوبة خطاياك، وتتبرر من آثامك، وتحصل على بر المسيح، أقبل إلى يسوع وهو يعطيك مجاناً. قصــة: مر غني على بائع أسماك ودفع له ثمن كل ما معه من سمك، وقال له "إني قد دفعت لك ثمن السمك حتى توزعه على فقراء هذا الحي" ولم يعترض الرجل على ذلك لأنه تسلم ثمن السمك كاملاً. فسار في الحي منادياً (ببلاش السمك. سمك ببلاش) بدلاً من قوله (العال السمك) وللأسف لم يصدقه أحد، إلى أن وصل إلى بيت امرأة عجوز فدعته وأخذت منه أكبر سمكه، ثم سألته عن ثمنها لكي تدفعه. فقال لها الرجل كلا يا سيدتي فقد أخذت الثمن فسألته عن الذي دفعه. فأشار لها إلى الغنى الذي كان لا يزال واقفاً، فذهبت إليه وشكرته. ولما رأى سكان الحي ذلك أسرعوا هم أيضاً وأخذوا سمكاً مجاناً وقدموا الشكر لمن دفع الثمن. أخي أن ربنا يسوع المسيح قد دفع لله الآب ثمن تبريرنا، في حياته وفي مماته. ولأجل ذلك فالله يبررنا مجاناً لأجل خاطر المسيح. "فتعال وتبرر مجاناً بنعمته". لا تفكر يا أخي فيما تقدمه للمسيح مقابل تبريره لك، فانك بهذا تنقص من قيمة النعمة الإلهية، وبهذا تكسر قلب الله. وكيف تحصل إذن على السلام الذي قال عنه بولس الرسول "إذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو1:5). ومتى حاولت أن تقدم شيئاً للمسيح لكي يبررك، يكون اعتمادك على هذا الشيء لا على نعمة الله المجانية، وبهذا لا تشعر بفضل المسيح عليك ويكون المسيح قد مات بلا سبب. لهذا يقول بولس الرسول "لست أبطل نعمة الله. لأنه إن كان بالناموس بر فالمسيح إذا قام بلا سبب" (غل21:2). يسوع إذن مات من أجل الخطاة الذين لا حول لهم ولا قوة ولم ينتظر منهم شيئاً بالمرة. ثم ماذا تستطيع أن تقدمه للمسيح في مقابل هذا العمل العجيب الذي صنعه. إن أموال العالم كله لا تساوى شيئاً في مقابل هذا الخلاص العجيب. قصــة: تقدم خادم من خدام الله إلى أحد صيادي اللآلئ ليخبره عن نعمة الله المخلصة. فتساءل الصياد عن ثمن هذه البركة، وحاول الخادم عبثا أن يقنعه بأنها عطية مجانية يهبها الرب لمن يطلبها. وذهب الخادم إلى بيت الصياد وهناك وقع نظره لؤلؤة صغيرة موضوعة في مكان ظاهر. فأعجب بها الخادم وطلب أن يشتريها. فقال له الصياد إن هذه اللؤلؤة وإن كانت صغيرة الحجم ولا تمتاز عن بقية اللآلئ إلا أنه لا يقدر ثمنها بمال، فان أردت أن تأخذها فاقبلها منى هدية. فاندهش الخادم للغاية وتساءل عن السر في ذلك. فأجاب الصياد قائلا: إن ثمن هذه اللؤلؤة يساوي حياة ابني وحيدي الذي بمجرد صعوده من أعماق المحيط قابضاً عليها بيده أسلم الروح. وهنا لمع وجه الخادم وتساقطت الدموع من عينيه وقال للصياد إن قصة اللؤلؤة هي قصة الخلاص الذي كلف الله دم ابنه الوحيد، إذ نزل إلى أقسام الأرض السفلي وصنع خلاصاً في وسط الأرض كلها عندما صعد على الصليب وأسلم الروح … هذه هي النعمة المخلصة التي لا تقدر بمال. فان شئت أن تأخذها اقبلها من يد الله كهدية. وبهذا استطاع الصياد أن يقدر قيمة هذه العطية المجانية، وقبل نعمة الله المخلصة، وفرح قلبه بهذه الهدية الفائقة الثمن. ليتك يا أخي تقبل من اليد المثـقوبة هذه العطية المخلصة. ثانياً:- عطيـة عموميـة يوضح معلمنا بولس الرسول عمومية هذه العطية، أي النعمة بقوله: "إن كان بخطية واحد (وهو آدم) مات كثيرون فبالأولى كثيراً نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين.. فإذن كما بخطية واحدة (أي خطية آدم)، صار الحكم إلى جميع الناس للدينونة. هكذا يبر واحد (وهو المسيح) صارت الهبة إلى جميع الناس لتبرير الحياة." (رو15:5-21). فبولس الرسول يوضح أنه بخطية آدم حكم عليه بالموت وورث الجنس البشرى كله هذا الحكم.. فبالقياس نرى أن بر المسيح قد برر الجنس البشرى كله "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس." (تى11:2). فلا تقل في نفسك أن الله لم يعطني هذه النعمة، فنعمة الخلاص معروضة على جميع الناس، الأغنياء والفقراء، العلماء والجهلاء، الشرفاء والأدنياء. ويذكر لنا الكتاب عينات كثيرة من هؤلاء وأولئك الذين تمتعوا بالنعمة. 1- فمن الأغنياء: يذكر يوسف الرامي إذ يقول "جاء رجل غني من الرامه اسمه يوسف وكان هو أيضاً تلميذاً ليسوع." (مر57:27). وبرنابا الذي باع حقله (أع37:4) وآخرين قال عنهم الكتاب المقدس: "كل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل." (أع34:4). وتاريخ الكنيسة يذكر الكثيرين من الأغنياء الذين تركوا مقتنياتهم بعد أن تمتعوا بنعمة الله مثل القديس الأنباء أنطونيوس الذي ورث 3000 فدان وحسبها نفاية ليربح المسيح. ولم يكن الأغنياء فحسب هم الطبقة التي حظيت بالنعمة ولكننا نجد: 2- فقراء: كثيرون من الفقراء تمتعوا بهذه النعمة أيضا فالله لا يفرق بين غنى وفقير، فما كان التلاميذ سوى جماعة من صيادي السمك الفقراء، وتاريخ الكنيسة حافل بالقديسين الفقراء كالأنبا إنيانوس أول بطاركة الإسكندرية بعد مار مرقس الكاروز، فقد كان إسكافياً بسيطا. 3- أما عن العلماء: الذين خضعوا لنعمة الله المخلصة فيذكر لنا الكتاب الكثيرين، منهم القديس بولس الرسول فيلسوف المسيحية، والقديس لوقا الطبيب البشير. كما يذكر تاريخ الكنيسة شخصيات كثيرة من العلماء مثل القديس أغسطينوس فيلسوف أوروبا في العصر الوسط، والقديس جيروم والقديس يوحنا ذهبي الفم والأنبا أرسانيوس معلم أولاد الملوك، والعالم الفلكي ديوناسيوس الأريوباغي. 4- أما الجهلاء: الذين قبلوا فيض النعمة فالكتاب يرينا بكل وضوح أن "الله اختار جهال العالم ليخزى الحكماء" (1كو27:1). فما كان تلاميذ مخلصنا الذين فاضت فيهم النعمة سوى جماعة من صيادي الجليل البسطاء. ويعوزنا الوقت لو تحدثنا عن قديسين بسطاء في تاريخ الكنيسة كان لهم نصيب في نعمة المخلص أمثال القديس بولس البسيط تلميذ القديس أنطونيوس، الذي كانت له دالة قوية على الله حتى كان بنعمته يجرى المعجزات ويخرج الأرواح الشريرة. والأنبا ديمتريوس بابا الإسكندرية، ما كان إلا فلاحاً في الكروم، ولذلك فقد عرف في التاريخ بالأنبا ديمتريوس الكرام. هذا الكرام وهبته النعمة حكمة حتى وضع التقويم القبطي المعروف بتقويم الكرمة. 5- ومن الشرفاء: الذين قبلوا نعمة الله يذكر الكتاب كرنيليوس قائد المئة (أع1:10ـ48) وسجان فيلبى (أع25:16ـ34) وتاريخ الكنيسة ملئ بمثل هذه الشخصيات كالملكة هيلانه والملك قسطنطين، ومكسيموس ودوماديوس، والقديسة دميانه ابنة والى البرلس، والقائد الروماني مار جرجس.. 6- أما عن الأدنياء: الذين تفاضلت نعمة الله عليهم حتى انطبق عليهم قول بولس الرسول "اختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود" (1كو28:1). فقد ذكر الكتاب أمثلة كثيرة منها اللص اليمين الذي قضى كل أيامه في الإجرام وفي الجرام ولكنه عزما قبل النعمة المخلصة دخل فردوس النعيم (لو40:23-43). وأنسميس الذي كان عبداً للقديس فليمون وسرق أمواله فعندما قبل النعمة تغير إلى شخص آخر حتى قال عنه بولس الرسول: "أطلب إليك لأجل أبني أنسيمس الذي ولدته في قيودي. الذي كان قبلا غير نافع لك. ولكنه الآن نافع لك ولى" (رسالة فليمون11:10). ويذكر الكتاب أيضاً مريم المجدلية والمرأة الخاطئة والتي أمسكت في زنا. ويذكر تاريخ الكنيسة الكثيرين والكثيرات أمثال القديس موسى الأسود الذي كان قاطعاً للطريق، ومريم المصرية التي باعت نفسها للاثم وعندما تلامست معها النعمة تغيرت إلى قديسة فاضلة. من هذا يتضح لك يا أخي أن نعمة الله معروضة على الجميع كما يقول الرسول "قد صارت الهبة إلى جميع الناس" (رو18:5). فليتك يا عزيزي تقبل نعمة الله المجانية لتختبر محبة الله الفائقة. حذار من أن ترفض هذه النعمة ! فان قصد الله من وراء ذلك هو مصلحتك ومصلحتك الشخصية. إن الله لا يريد أن يأخذ منك شيئاً بالمرة وإنما يريد أن يعطيك ومجاناً هذه العطية المباركة. وكم أخشى أن ترفض الآن أخذ هذه النعمة فتندم أخيراً حيث لا ينفع الندم. قصــة: قرأت قصة عن أحد خدام الله.. أنه ذهب يوماً ما لزيارة امرأة فقيرة كان يعرف احتياجاتها. وحثه الرب أن يقدم لها مساعدة تكفي لسد هذه الاحتياجات. وعندما قرع الباب لمدة طويلة ولم يفتح أحد، انصرف ظانا أنها غير موجودة. وفي اليوم التالي تقابل معها في الكنيسة وأخبرها عن زيارته لها وغرضه من ذلك. فتأسفت المرأة جداً وقالت له "آه يا سيدي لقد كنت في المنزل وسمعت قرعاتك ولم افتح الباب. لقد ظننت أنك صاحب المنزل قد أتيت لتطالبني بالأجرة أخي الحبيب.. يسوع يقرع على باب قلبك ليعطيك النعمة فهل تفتح ؟. ثالثاً:- ليست من أعمال بشرية إذ قد وضحنا أن النعمة هي عطية مجانية، فمعنى ذلك أنها ليست من أعمال بشرية. ويؤيد هذه الحقيقة كثير من الآيات الكتابية وأقوال الآباء القديسين. فبولس الرسول يقول "فإن كان بالنعمة فليس بعد بالأعمال وإلا فليست النعمة بعد نعمة" (رو6:11). ويعود أيضاً ليزيد الأمر إيضاحاً فيقول: "لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا … حتى إذا تبررنا بنعمته نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية." (تى5:3-7). ويوضح الرسول السر في هذا، وهو منع الافتخار. لأن الإنسان إن كان يخلص بأعماله فيحق له أن يفتخر لأن ذراعه قد خلصته ولكن الرسول يقول في صراحة لا تحتمل التأويل "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان. وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد"(أف8:2،9). ويقول بولس الرسول أيضاً: "ليس لي برى الذي من الناموس بل الذي بإيمان المسيح البر الذي من الله بالإيمان." (فى9:3). ويعود فيقول: "إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس بل بإيمان يسوع المسيح آمنا نحن أيضاً بيسوع المسيح لنتبرر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس. لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما." (غل16:2). أخشى يا أخي أن تكون وأنت مسيحي تعيش كما كان اليهود يعيشون. فتعتمد على مجرد تأديتك لبعض فرائض العبادة دون أن تكون لك العلاقة الشخصية المبنية على بر المسيح ودون أن يكون لك الاتكال الفعلي على عمل النعمة المجاني فالرسول يقول "القوا رجاءكم بالتمام على النعمة التي يؤتى بها إليكم". (1بط13:1). اسمع ما قاله الآباء في هذا الصدد وليت الرب يعطيك نعمة لتفهم وتختبر ما اعتبروه: v .. كانوا أشراراً ومستعبدين لكنهم تحرروا ليس بمجهوداتهم الشخصية ولكن بالنعمة.. لم تكن توجد أي قوة بشرية تستطيع أن تحررنا من شرورنا لكن شكراً لله الذي أراد واستطاع أن ينجز هذا العمل الجليل. (يوحنا ذهبي الفم) (N. & P. Fathers 1st Ser, Vol. X1 P. 412). v "إن لم تشرق علىَّ رأفتك يا الله سريعاً فليس لي من أعمالي ولا رجاء واحد للخلاص" (مار افرام السرياني). [كتاب السبع طلبات لمشاهير قدسي الكنيسة ص46 طبع دير السرياني] v "وبأعمالي ليس لي خلاص … فلهذا أسأل بعين رحيمة يأرب أنظر إلى ضعفي وزلي ومسكنتي. [الأجبية صلاة نصف الليل] v "ويصبح الإنسان لابساً لله … وحينئذ تنفتح عينا قلبه وينظر النور الحقاني ويفهم أن يقول "إني بالنعمة تخلصت بالرب يسوع المسيح" (القديس برصنوفيوس بستان الرهبان ص 181.) v إن الإنسان لا يتبرر بمظاهر حياة القداسة وإنما بالإيمان بالرب يسوع، أي ليس بالأعمال بل بالإيمان، وليس بالأعمال الصالحة بل بالنعمة المجانية." (القديس أغسطينوس) (N. P. Frs 1st. ser. Vol.5 P. 92) v "لا تشك إذن فالخلاص بالإيمان وليس بالأعمال". (القديس يوحنا ذهبي الفم) (NP. Frs 1st. ser. Vol. X1 P. 378) ولكن ليس معنى هذا أن الذي يخلص بالنعمة لا يهتم بالأعمال الصالحة. فبولس الرسول إذ قال: "لا بأعمال في بر عملناها نحن بل بمقتضى رحمته خلصنا" (تي5:3). أكمل حديثه قائلاً: "وأريد أن تقرر هذه الأمور لكي يهتم الذين آمنوا بالله أن يمارسوا أعمالا حسنة" (تي8:3). بل علي العكس فإن من يخلص بالنعمة يخلق خليقة جديدة فيترك أعماله الشريرة ويسلك في أعمال صالحة. لهذا فقد حرص بولس الرسول أيضاً بعد قوله:"بالنعمة أنتم مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد". (أف8:2،7) ... أكمل قائلا "لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها." (أف10:2). ومن أجمل ما قاله بولس الرسول: "لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس معلمة إيانا أن نكرر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبر والتقوى في العالم الحاضر." (تى11:2،12). فغاية ما نريد أن نوضحه أن الخلاص لا يكون بواسطة أعمالك فأعمالنا لا تستطيع أن توفي عذل الله وذلك لأنه: إذ أخطأنا إلى الله غير المحدود صارت خطيتنا غير محدودة والخطيـة غيـر المحــدودة تستلزم عقوبة غير محدودة والعقـوبة غيـر المحــدودة تحتاج لكفارة غير محدودة وأعمالنا الصالحة مهما كانت فهي محدودة. لهذا فهي لا تستطيع أن تكفر عن خطيتنا غير المحدودة. فمن ذلك نستخلص أنه لا توجد كفارة لخطايانا سوى المسيح غير المحدود الذي يخلصنا من عقوبة خطايانا الغير محدودة "ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغي أن نخلص." (أع12:4). هذا ولا يمكن أن تكون هناك مغفرة للخطايا بدون سفك دم كما يقول الكتاب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عب22:9). والأعمال البشرية ليس فيها سفك دم! حتى وإن سفك الإنسان دماً،كأن يقدم ذبيحة حيوانية، فهذا أيضا لا يصلح لمغفرة الخطايا إذ يقول بولس الرسول "لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عب4:10). أما الذبائح الحيوانية قديماً فكانت رمزاً لذبيحة المسيح علي الصليب، فماعدا الذبائح الحيوانية في العهد القديم قيمة في غفران الخطايا. فمن هذا يتضح لنا أن الأعمال البشرية مهما عظمت لا تستطيع أن تكفر عن أية خطية مهما صغرت. فلا يوجد سوى "وسيط واحد بين الله والناس، الإنسان يسوع المسيح الذي بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1تى5:2،6). فشكراً لله الذي إذ وجد أن أمر خلاصنا يتطلب سفك دمه، بذل ابنه الوحيد ليتمم لنا هذا العمل الجليل. كان هذا عن استحالة الخلاص من قصاص الخطية بواسطة أية أعمال بشرية. أما بخصوص الخلاص من سلطان الخطية وقوتها، التي كثيراً ما يشكو منها الجميع فنقول أيضاً أن الأعمال البشرية لا تستطيع أن تخلص منها. كثيرون يقولون إننا نؤمن أن المسيح غفر خطايانا، وأنه مستعد أن يغفر كل زلاتنا، ولكن ما يحزننا هو عدم استطاعتنا السلوك بالقداسة. فكلما حاولنا أن ننتصر نجد أنفسنا ساقطين تحت سلطان الخطية تماماً كما قال بولس الرسول "الإرادة حاضرة عندي وإما أن أفعل الحسنى فلست أجد" (رو18:7). وهذا هو ما يفشلنا من الحياة مع المسيح. أقول لك يا أخي إن محاولة تهذيب نفسك بالوسائل المختلفة، لا يجدي نفعاً مع طبيعتنا الفاسدة الساقطة، إذ سرعان ما تعود النفس إلى قيئها. يتضح ذلك من القصة الآتية التي قرأتها في بستان الروح. القصة تقول: ذكر عن أب راهب كان ساكناً في دير، مداوماً على الصمت، لكنه كان يغضب في بعض الأحيان أثناء اتصالاته ببعض الاخوة. فقال في نفسه "أمضى واسكن وحدي في مغارة وحيث لا يكون هناك أحد ساكناً معي فسوف أهدأ ويخف عني وجع الغضب". فخرج وسكن وحده في مغارة. وفي إحد الأيام ملأ (القلة) ماء ووضعها على الأرض، ولوقتها تدحرجت وانسكب ما فيها. فأخذها وملأها ثانية ووضعها. فانسكبت كذلك، وهكذا مرة ثالثة. فغضب وأمسكها وضربها على الأرض فتحطمت. فلما هدأ ورجع إلى ذاته … وقال لنفسه "هوذا قد انغلبت وأنا في الوحدة كذلك. فلأذهب إلى الدير لأنه في كل موضع يحتاج الإنسان إلى معونة من الله." [بستان الروح الجزء الأول ص 368- تأليف الراهب القمص شنوده السرياني.] من هذه القصة يتضح لنا حقيقة النفس البشرية فلقد حاول الراهب أن يهذب نفسه بالصمت والابتعاد عن الناس وعاش في وحدة، ورغم ذلك فلا زالت طبيعته في الداخل كما هي، لم تتغير. فتحقق أخيراً أنه محتاج إلى معونة الله أي إلى النعمة المخلصة. فالنعمة تقوم بتغيير القلب من الداخل حتى تصدر منه الصالحات، كما قال رب المجد "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصالحات"(لو45:6). ولهذا فقد وضح أيضاً الرب حقيقة في غاية الأهمية بخصوص هذا الموضوع إذ قال "لا تقدر شجرة ردية أن تصنع أثمار جيدة" (مت18:7). لهذا فمن العبث أن نطلب من القلب الردئ أن يصنع أثماراً جيدة، إذ يلزم تغييره أولا ومن أجل ذلك قال رب المجد "اجعلوا الشجرة جيدة (لتكون) ثمرها جيداً" (مت22:12). وهنا يعترضنا سؤال جوهري: فكيف يمكن تغيير هذا القلب؟ حقاً إنها مشكلة عويصة! فلا يمكن أن يتغير القلب إلا بمعجزة إلهية! نعم الأمر يحتاج إلى معجزة ينزع بها الرب القلب القديم ويضع عوضاً عنه قلباً جديداً. هذا العمل هو الذي وضحه بقوله "أعطيكم قلباً جديداً وأجعل روحاً جديدة في داخلكم. وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. وأجعل روحي في داخلكم" (حز26:36). هذا العمل لازم لكل نفس تريد أن تسلك في وصايا الله وتحيا بالقداسة. وإذ قد عرف هذا الأمر داود النبي نراه يصرخ للرب طالباً إجراء هذه العملية المعجزية فيقول "قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيما جدد في داخلي" (مز10:51). ولا ولابد أن داود قد سمع بما حدث مع شاول الملك عندما دعاه الرب إذ قال له على لسان صموئيل النبي "يحل عليك روح الرب … وتتحول إلى رجل آخر" (1صم6:10). ويسجل الكتاب إجراء هذه العملية له فيقول "وكان عندما أدار كتفه لكي يذهب من عند صموئيل أن الله أعطاه قلباً آخر" (صم9:10) ولكن كيف تجرى هذه العملية؟ يوضح الكتاب الطريقة التي بها تتم في معرض حديثه عن الجماعة التي تبعت شاول الملك بعد التغيير فيقول "وذهب معه الجماعة التي مس الله قلبها" (1صم26:10). آه يا أخي ليت الله يمس قلبك الآن فتتحول إلى رجل آخر!! قصــة: هناك أسطورة تقول إن أحد الملوك اصطحب وزيره في نزهة خلوية فمرا على بركة بها خنازير تتمرغ في الوحل وتأكل الرمم. فقال الوزير للملك هل تستطيع يا جلالة الملك أن تغير طبع الخنزيرة حتى تبغض الوحل وتكره الرمم. فأجاب الملك بأن ذلك أمر هين، فإذا تعودت الخنزيرة على النظافة تهذب طبعها وأبغضت القاذورات. فطلب الوزير من الملك أن يجرى هذه التجربة. فأرسل الملك واستحضر خنزيره، وأمر بأن تطعم من أطايب الملك ومن طيب مشروبه، وأن تغسل بالماء والصابون يومياً، وتكسى بأفخر الثياب. وبعد مدة من الزمن ظن الملك أن الخنزيرة قد تغيرت طبيعتها، وتعودت النظافة، فصحب الوزير وأخذا الخنزيرة إلى البركة، وما أن اقتربت الخنزيرة من البركة حتى اندفعت بكل قوتها لتتمرغ في الطين والوحل الذي حرمت منه هذه المدة الطويلة. فاندهش الملك وطلب من الوزير أن يجرى تجربة على الخنزيرة نفسها … وفي اليوم المعين توجه الملك مع الوزير وأخذا الخنزيرة بعد أن قضت في بيت الوزير أياماً قليلة. اقتربوا من البركة وأبت الخنزيرة النزول. أمر الملك بدفعها إلى الوحل فقاومت الخنزيرة وأسرعت إلى الشاطئ لتنفض عن جسمها ما لحق بها من الطين. فتعجب الملك وسأل من الوزير عن سر ذلك. فأجاب الوزير بأنه قد أجرى عملية جراحية للخنزيرة واستأصل قلبها الفاسد ووضع محله قلب حمل وديع. وبهذا تغيرت الخنزيرة وأبغضت القذارة. أخي.. لعلك تدرك أنه لا فائدة من تهذيب القلب القديم الفاسد بل الحاجة ماسة إلى إجراء عملية لاستئصاله وزرع قلب جديد. لهذا حرص آباء الكنيسة على وضع هذه الطلبة في بداية كل صلاة من صلوات النهار السبعة عندما يصلى المؤمن المزمور الخمسين (51 في طبعة بيروت) فيطلب قائلا "قلباً نقياً اخلق في يا الله وروحاً مستقيماً جدد في داخلي". فليتك تطلب من الرب إجراء هذه العملية لقلبك وهو مستعد أن يعطيك كل ما تطلب. ومتى حصلت على هذا القلب الجديد ستتغير ميولك وأهدافك، وتصرفاتك ستحب المسيح بكل قلبك. وستبغض الخطية وتتجنبها وتبتعد عنها. ستقاوم إبليس وتغلبه بقوة المسيح وإن تعثرت تقوم في الحال ولا تستسلم للسقوط بل يكون شعارك "لا تشمتي بي يا عدوتي (الخطية) إذا سقط أقوم" (مى8:7). هذا القلب الجديد سيحب الله والمسيح ويتعلق به، ولن يشبع من الحديث معه وسماع صوته ومجالسته. هذا القلب الجديد سيحب الناس ويشتاق إلى خلاص نفوسهم، لن توجد بين هذا القلب وبين الناس خصومات، بل يسعى إلى خلاصهم والتفاني في خدمتهم. آه يا أخي ليتك تختبر هذا الأمر العجيب. ونصيحتي لك أن تصارع مع الرب كما صارع يعقوب لأخذ البركة ولا بد أن يعطيك الرب. |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
ارمي نفسك علي النعمة .. و النعمة تشيلك |
النعمة غير المحدودة، النعمة المنقطعة النظير |
هل النعمة تلغي الأعمال والأعمال تلغي النعمة |
هل ذقت ماء النعمة وزيت النعمة ؟ بقلمي |
الدين يكره النعمة لأن النعمة تضع |