المــــوت والحيــاة أيضًا وأيضًا
يقول القدّيس يوحنّا الدّمشقيّ: “لقد سمح الله بالموت لكي لا يكون الشّرّ عديم الزّوال”. الإنسان يتوق إلى الأزليّة. نحن لم نُخلَق للموت بل للحياة. يقول في سفر الحكمة: “ليس الموت من صنع الله… خلق الله الجميع للبقاء. فإنّ الله خلق الإنسان خالدًا وصنعه على صورة ذاته، لكن بجسد إبليس دخل الموتُ إلى العالم” (راجع سفر الحكمة 1: 13 و2: 23). في المسيح القيامة موجودة فينا بالقوّة. هي قوّة الرّوح القدس، عربون الحياة الأبديّة، نأخذه في كلّ الأسرار المقدّسة منذ المعموديّة وفي المناولة، الأفخارستيّة، سرّ الشكر… يقول القدّيس مكسيموس المعترف: “الإنسان واحد من نفس وجسد. الإنفصال بين الجسد والنّفس في الموت يناقِض الطّبيعة الأصليّة. كما أنّ الموت يناقض، هو أيضًا، مشيئة الله في الخلق”. إيماننا بالرّبّ يسوع، القائم من بين الأموات، يعطينا الإمكانيّة أن نعيش الفرح الأزليّ منذ الآن كعربون للحياة الأبديّة.
لماذا التّفجّع عند الموت؟!. صحيح إنّه من الطّبيعيّ أن يحزن الإنسان عند فراق أحبّائه بشريًّا، ويبكي عليهم كما بكى يسوع على فراق صديقه لعازر، لكنّ الرّسول بولس يقول في رسالته إلى أهل تسالونيكي:
“لا تحزنوا كباقي النّاس الّذين لا رجاء لهم” (1 تسالونيكي 4: 13). ألا تعلمون أنّ الموت هو معبرٌ من الأرض إلى السّماء، من هذه الحياة العابرة إلى الحياة الأبديّة. ألا يقول الرّبّ في إنجيله: “الحقّ الحقّ أقول لكم: من يسمع كلامي ويؤمن بالّذي أرسلني فله حياة أبديّة ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة” (يوحنّا 5: 24). الّذي يقتني في قلبه ذكر الرّبّ يسوع الدّائم يبقى هادئًا عند ساعة موته أو ساعة موت أحبّائه. إنّه يعيش هذه الطِّلبة الواردة في خدمنا الكنسيّة: “أن نتمِّمَ بقيَّة زمان حياتنا بسلام وتوبة”. لا تلتصِقْ يا أخي كلِّيًّا بهذه الدّنيا الوقتيّة وملذّاتها، التصق بالرّبّ يسوع وحده حتّى يبقى فكرك دائمًا في العلاء، في الفردوس، بينما أقدامك تكون على الأرض، شاهِدًا، كربّك وحده، من خلال أعمالك الصّالحة.
يقول المثل الرّهبانيّ المعروف: “إن مات الإنسان قبل أن يموت (أي إن مات عن أنانيّته) فلن يموت عندما يموت”. هذا يعني أنّ كلّ من يضحّي بنفسه وبمصلحته محبّةً بالمسيح القائم، ومحبّةً بإخوته، هذا يذوق طعم القيامة مسبقًا في أيّ وقت من حياته، وبخاصّة ساعة انتقاله إلى الحياة الأبديّة.
+ أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما