لَوْمُ النَّفْسِ
سُئِلَ شيخٌ: “ما الأعظمُ في طريقِ الفضيلة؟” أجاب: “أَنْ نعودَ باللَّوْمِ على أنفسِنا في كلِّ شيء”.
رُبَّ واحِدٍ يضطرِبُ لكلمةٍ مزعجة يوجِّهُهَا إليه أحدُ الإخوةِ، ورُبَّ آخَرَ يسمعُ كلمةً جارِحَةً ويَعْبُرُ عنها دون اضطرابٍ. تُرَى ما هو سببُ هذا الفارِق؟
إنَّ سببَ كلِّ اضطرابٍ، إِنْ بَحَثْنَا بدقَّةٍ، هو، دائِمًا، أنَّنَا لا نلومُ أنفُسَنَا.
واحِدٌ يقول: “لقد أغاظني أخٌ، ففحصتُ نفسي، ولم أَجِدْ ما الَّذي فعلتُه له حتَّى يقوم بإزعاجي، فكيف يمكنني إذ ذاك أَنْ ألومَ نفسي؟”.
في الواقِع، إِنْ فَحَصَ كُلُّ واحِدٍ منَّا نفسَه بدقَّةٍ سوف يجِدُ حَتْمًا أَنَّه قد أعطى مبرِّرًا، إِنْ بِعَمَلٍ أو بكلمةٍ، لإزعاجِ أخيه.
هكذا، إِنْ فَحَصْنَا ضميرَنا بمخافةِ اللهِ فسوف نجِدُ أنفسَنا مسؤولين في كلِّ الأحوال.
* * *
أيضًا، هناك من يعتقِدُ أَنَّه في سلامٍ. مع ذلك، يضطربُ لكلمةٍ مزعِجَةٍ سَمِعَهَا من آخَر، فيقول في نفسِه لو لم يأتِ هذا الإنسانُ ويزعجْني لما كنتُ اضطرَبْتُ بهذا الشَّكل!. إنَّ هذا التَّفكيرَ خاطِئٌ، لأنَّه هل يمكن للآخَرِ أن يُدْخِلَ، هكذا، هذا الهوى في قلبِكَ بكلمةٍ واحِدَة؟ إنَّ هذا الإنسانَ كان يَظُنُّ أَنَّه في سلامٍ بينما كان فيه هوًى (passion) دفينٌ يجهلُه. كلمةُ واحِدَةٌ كانت تكفي لينكَشِفُ هذا الضُّعفُ الكامِنُ في القلب.
إنْ أرادَ المغفِرَة فَلْيَتُبْ وينتَفِعْ.
عندئذ، يجِدُ أنَّ عليه أنْ يشكُرَ من أغاظَهُ بكلمةٍ لأنَّه كان سبَبًا لشفائِه من مرضِه.
لنفترِضْ أنَّ أحدًا مِنَّا احتاجَ إلى شيءٍ ولم يحصَلْ عليه. عندها لنَقُلْ لأنفسِنا: “أللهُ يعرِفُ أكثر منِّي ما أنا بحاجة إليه، وهو سوف يوفِّرُ لي ذلك في الوقت المناسِب”.لو كان ذلك الغرضُ مناسِبًا لي، في هذه اللحظة، لَتوفَّرَ لَدَيَّ على كلِّ حال. لِنَقُلْ في أنفسِنَا: “إنْ حصلَ لنا خيرٌ فهذا من رحمةِ الله، وإنْ حصلَ لنا شَرٌّ فهذا يعود لخطايانا. فلا نَتَّهِمَنَّ القريبَ بل لنُرْجِعْ كثيراً من آلامِنا إلى خطايانا.
* * *
أيُّها الأحِبَّاء!
إنَّنا، في أكثر الأحيان، نحاوِلُ أَنْ نُبَرِّرَ أنفُسَنا وأن نُلقي الذَّنبَ على الآخَر.
لِنَسْعَ، بمعونة الله، إلى أَنْ نتطلَّعَ إلى ضعفاتِنا ونلوم ذواتنا أوَّلاً، هكذا نجدُ راحةً لأنفُسِنَا ونريحُ الآخَرين تِبْعًا للوصيَّةِ القائِلَة: “لماذا تَنْظُرُ القَذَى الَّذي في عينِ أخيك وأمَّا الخشبَةَ الَّتي في عينِك فلا تَفْطَنُ لها. يا مُرائِي أَخْرِجْ، أَوَّلاً، الخشبةَ من عينِك وحينئذٍ تبصِرُ جيِّدًا أن تُخرِجَ القَذَى من عينِ أخيك” (متى 7: 3-5).
__________________________________________________
(1) أُخِذَ هذا الموضوع من كتاب “التَّعاليم الرُّوحيَّة” للقدِّيس دوروثاوس غزَّة.
ندعو كلَّ واحِدٍ أن يطالِعَ هذا الكتاب لفائدته الرُّوحيَّة الكبرى. الكتاب متوفّر في المطرانية وفي مكتبة السائح.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما