رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
أنتشرت عبادة قلب يسوع الأقدس في القرن السابع عشر بعد أن ظهر الرب يسوع على الراهبة الفرنسية القديسة مارغريت مريم الأكوك ، أخبرت الراهبة الكنيسة بكل تفاصيل ظهورات المسيح لها . الرب يسوع طلب منها التعبد لقلبه ، قائلاً لها ( ها هو ذا القلب الذي أحب البشر كل هذا الحب ، حتى أنه أفنى ذاته دلالة على حبه لهم ، وأنا لا أرى منهم عوض الشكران سوى الكفران والأحتقار والأهانات والنفاق والبرودة نحو سر محبتي ، والذي يحزنني كل الحزن . إن ذلك يصدر من قلوب خصصت ذاتها لي . ولهذا أطلب أن يعبد في اليوم الثامن بعد عيد سر تجسدي ( عيد القربان المقدس ) وهو يوم الجمعة عيداً لأكرام قلبي . وليتناول فيه المؤمنون جسدي تعويضاً عن خطاياهم التي بها يهينون سر محبتي حينما يكون مصموداً على المذابح المقدسة ، وها أنا ذا أعدك بأن قلبي يمنح نعماً كثيرة وبركات غزيرة لأولئك الذين يكرمونه أو يسعون في أكرامه ) فمنذ تلك الفترة بدأت الكنيسة بتشييد هذه العبادة رغم المقومات والمحاربات ، نمت وأتسعت ولا سيما بعد أن ثبتها الحبر الأعظم البابا بيوس التاسع ، حيث أصدر مجمع الطقوس مرسوماً عام ( 1685) بأمره فخصص شهر حزيران لعبادة قلب يسوع ، وألزم المرسوم الكنيسة كلها بأن تلتزم بهذا الشهر وتحتفل بعيد قلب يسوع الأقدس . لنسأل ونقول بأن هذه العبادة هل بدأت منذ تلك الفترة أم كان لها جذورها الروحية واللاهوتية المتأصلة في قلوب المؤمنين منذ أن كان الرب معلقاً على الصليب ؟ أجل على الصليب فُتِحَ قلبه بالحربة فنزف للبشرية دماً وماءاً ، والتي ترمز الى سرَي المعمودية والأفخارستية أي الى الحياة الجديدة لأنسان جديد وعصر جديد هو عصر النعمة . كتبة الأناجيل كتبوا لنا عن خبر خروج الماء والدم عندما طعنه أحد الجنود " يو 19: 33-37". أعترف قائد المئة وآمن قائلاً ( حقاً كان هذا الأنسان ابن الله ) " مر 39:15" . نقول حقاً أن يسوع هو الذي أعطاه الخلاص من قلبه المفتوح كما أعطى للمصلوب عن يمينه ( رؤ 5، 6) . أول من سجدت لهذا القلب الأقدس هي العذراء مريم عند الصليب . والرب أمر توما الرسول بأن يضع أصبعه في جنبه لكي يؤمن من قلبه ويعترف هو الآخر بلاهوت المسيح ويقول ( ربي وألهي ) وهكذا في العصور الأولى من المسيحية تعمق القديسين في هذه العبادة . قلب الأنسان يعبر عنه الكتاب المقدس بأنه رمز للأنسان الكامل ، وهو المركز الذي يتمحور عليه كل الأفكار الروحية والحسية عكس ما تدعي به الفلسفة اليونانية التي تفصل بين العقل والقلب . فالقلب بالمفهوم الروحي هو رمز الوحدة ويرمز الى القيمة المطلقة للأنسان كذلك القلب يرمز الى وحدة الكلمة أي ( أبن الله ) بيسوع الأنسان ( أبن مريم ) فعبادتنا لقلب يسوع هي عبادة ليسوع المسيح بطبيعتيه الألهية والناسوتية . أما في العهد القديم فالقلب يرمز الى وحدة الشخص البشري . كان الأنسان في العهد القديم يعبد الله بتطبيق الناموس ، فكان الناموس شاهداً عليه . لكنه كان بحاجة ماسة الى طبيعةٍ جديدة ، والى قلب نقي يحب الخير بطبيعته ومن دون أوامر أو وصايا من الشريعة . فالقلب النقي الملىء بالمحبة والنعمة لا تلزمه الوصايا . عبّرَ عن هذا مار يوحنا الرسول قائلاً ( الناموس بموسى أعطي ، أما النعمة والحق فقد تواجدا بيسوع المسيح ) " يو 17:1" . موسى قدم الشرائع والقوانين للبشر ، لكن لم يكن من البدء كذلك ، لأن الله خلق الأنسان على صورته بطبيعةٍ نقية طاهرة لا تحتاج الى تلك الوصايا الكثيرة لكي ترشده الى الله والى العمل الصالح . فبعد أن عوف الأنسان الوصية تعرف على الخطية . فيوسف الصديق مثلاً كان قبل الشريعة بخمس قرون ، لكنه رفض وقاوم خطيئة الزنا علماً في عهده لم تكن هناك وصية تقول لا تزن . فالأنسان الذي يحتاج الى وصايا يشهد على نفسه أنه جاهل لا يعرف الطريق نحو البر ، لأن الحكيم لا يحتاج الى وصايا . الناموس صار شاهداً على الأنسان . علماً بأن الأنسان هو بحاجة الى قلب نقي فقط يحب عمل الخير وبمحبته يحوي الجميع فلا يخطأ الى غيره ، بل يحتمل أخطائهم ويسامحهم ويصلي لأجلهم بسبب تلك المحبة التي يحتويها قلبه النقي . لهذا صلى صاحب المزمور وقال ( قلباً نقيا أخلق فيّ يا ألله ، وروحاً مستقيماً جدد في داخلي ) " مز 10:51" . الرب يسوع أعطى الأنسان قلباً نقياً مليئاً بالمحبة ، وبه نحب الله ، والمحبة تأتي من الله لنا . لأن محبة الله قد انسكبت في العهد الجديد في قلوب المؤمنين بواسطة الروح القدس المعطى للمؤمنين كما وضح الرسول قائلاً ( والرجاء لا يخيبنا ، لأن الله أفاض محبته في قلوبنا بالروح القدس الذي وهبنا إياه ) " رو 5:5" . فعندما يفيض قلب المؤمن بهذه المحبة لا يحتاج الى الناموس . فمجىء المسيح الى الأرض كان لتحريرنا من الخضوع للخطيئة والتحرر من وصايا الشريعة ، فالأنسان الذي يحيا في نعمة العهد الجديد تصبح المحبة له طبيعة فيعمل بها ، بل تحيا فيه . هكذا يدخل الأنسان الجديد بالمعمودية الى الحرية فيعيش في عمق الروح مهيئاً قلبه لسكنى الله . فالذي لم يصل الى هذه المرحلة فأنه ما يزال يعيش في الناموس وليس في النعمة . فنعمة المسيح تسكب في الأنسان المؤمن بسبب المحبة الألهية لذلك الأنسان فيحصل على بر المسيح . ختاما نصلي الى الله الآب كل يوم ونقول : ( أيها الآب الأزلي ، أني أقدم لك دم سيدنا يسوع المسيح الثمين للغاية ، وفاءً عن خطايانا ولأجل أحتياجات الكنيسة المقدسة ) . بقلم/ وردا أسحاق |
|