مثل التينة التي لا تثمر ( من امثال السيد المسيح )

[بنت معلم الاجيال]

مثل التينة التي لا تثمر ( من امثال السيد المسيح )


مثل التينة التي لا تُثمر

نصُّ الإنجيل
كانَ لِرَجُلٍ تينَةٌ مغروسَةٌ في كَرْمِه , فجاءَ يطلُبُ ثمراً عليها فلم يَجِدْ. فقالَ للكرَّام : " إِنِّي آتي منْذُ ثلاثِ سَنَوات إلى التينَةِ هذِهِ أَطْلُبُ ثمراً عليها فلا أَجِد . فاقْطَعْها ‍‍‍‍‍‍‍! لِماذا تُعَطِّلُ الأَرض ؟ " فأَجابَهُ : " سيِّدي , دَعْها هَذِهِ السنةَ أَيضاً حتى أَقلِبَ الأَرضَ مِنْ حولِها , وأُلقيَ سماداً . فلرُبَّما تُثمِرُ في العامِ المُقبِل وإِلاَّ فتقطَعُها ." ( لوقا 13/6-9 ).


الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّه يجب على المسيحي أن يُقدِّم لله في حياته ثِمار الأعمال الصالحة, وإلاَّ عرَّض نفسه لأنْ يُقلع من جذوره المسيحيَّة ويُلقى في الهلاك الأبدي كما عرَّضت التينة العقيمة نفسها لأن تُقلع مِن جذورها وتيبس.




لا شكَّ في أنَّ الله, بسبب رحمته الواسعة, يصبر على المسيحي الخاطئ, ويمنحه الوقت الكافي لأن يتوب إليه ويرجع عن سيِّئاته ويأتي بالأعمال الصالحة.
ولكن متى انتهت المدَّة المُعطاة للخاطئ ليقوم بعمل التوبة ولم يتُبْ، نفَّذ عدلُ الله فيه ما يستحقُّه من عِقاب. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.


عدل الله ورحمته
يُشير هذا المثل إلى صفتَيْن في الله تتناقضان في الظاهر, وهما عدله ورحمته.
إنَّ الله عادل, لا يحتمل الخطيئة إطلاقاً, ويُعاقب الخاطئ, ولا يسكت عندما يرى أنَّ مخلوقاته عقيمةٌ لا تُثمر, ولا يُغطِّي بوشاح حُبِّه الأعمال التي تُقاوِم إرادته.
ولكنَّ الله رحيم, لا يزن كُلَّ هفوةٍ بميزان العدل, بل يتغاضى عن أُمورٍ كثيرة, ويأخذ بعين الاعتبار ضَعف الإنسان أمام هجمة التجارب " فيُطلعُ شَمسَهُ على الأَشرارِ والصالحين ." فهل يسلك الله تعالى سلوكاً ينطوي على التناقض؟



مثل التينة يُزيل هذا التناقض الظاهر
إنَّ مثل التينة التي لا تُثمر يُجيبُنا عن هذا السؤال.
1- إنَّ الله عادل. فهو يُطالب الشجرة بالثمر, ويُطالبُها من دون أيِّ تساهُل. فعليها أن تُحقِّق مطلبه وإلاَّ قَطَعَها من جذورها.
هكذا فرض على المسيحي أن يقوم بالأعمال الصالحة, فيُقدِّم له العبادة, ويحفظ وصاياه, ويمارس المحبَّة والاستقامة, ويُتَمِّم الواجبات الدينيَّة, ويُعنى بأسرته وأولاده, ويخدُم الكنيسة التي ينتسب إليها. ويدعوه إلى أن يؤدِّيَ عن أعماله الشخصيَّة حساباً دقيقاً, ولا مفرَّ من تقديم الحساب.
فلا يحِقُّ للمسيحي أن يتصرَّف كما يُريد, ويستسلم إلى الكسل والخمول والإهمال كما يُريد, بل يجب عليه أن يعمل ويُثمر ويُقدِّم لله ثِمار طاعته وأعماله الصالحة.
2- ولكنَّ الله رحيمٌ أيضاً. فالرَّحمة عند الله لا تعني أنَّه يتخلَّى عن مطلب عدلـه, بل تعني أنَّه يؤخِّر تنفيذَ حُكمِ عدله ويؤجِّله. وهو بهذا التأجيل يمنح المسيحيَّ الخاطئ الوقت الكافي لأن يعود إلى العمل ويؤدّي الثمر الذي يُطالبه به.
ويفعل الله لـه أكثر من ذلك. إنَّه يُساعده بنعمته مُساعدةً فعَّالة على تحقيق ما يطلبه منه. وهذا ما أشار إليه المثل. فالكرَّام – وهو يُمثِّل نعمة الله – يقلب الأرض حَولَ الشجرة ليكون تُرابها هشَّاً يقبل المطر وأشعَّة الشمس, ويلقي إلى جوانبها سماداً ليُغذِّيَها ويقوِّيَها. فالرحمة التي تنبع من قلب الله تدلُّ على أنَّه أبٌ حنون لا يكتفي بأن ينتظر من المسيحي عملاً مُثمراً ويؤازره أيضاً على أن يقوم بالعمل المثمر.
3- ولكنَّ انتظار الله ومؤازرته لهما مدَّةٌ محدودة. قال الكرَّام: " سيِّدي دعْها هذهِ السنةَ أَيضاً ." ومتى انتهت المدَّة جرى العدل مجراه وتوقَّفت الرحمة عندَ حدِّها.
فالتناقض الظاهر بين العدل والرحمة ناتجٌ عن خطأ في تصوُّرنا لعمل الله تجاه المسيحي الخاطئ. إنَّنا نتصوَّر برؤية عقولنا الضعيفة أنَّ الله يُحاسب الخاطئ ويقضي عليه حتماً في هذه الحياة بالعِقاب الذي يستحقُّه. ولكنَّ الحياة قصيرة جدَّاً. ولعدل الله مدَّةٌ لا تنتهي, وهي الأبديَّة. فإنْ لم يجرِ عدل الله على الأرض جرى في الأبديَّة.


التينةُ هي الإنسان المسيحي
التينةُ هي الإنسان المسيحي. لقد زُرِع بالمعموديَّة في أرض الكنيسة كما زُرعت الشجرةُ في الحقل. فهو ينالُ في أثناء حياته المساندة الكافية بفضل أنوار كلام الله في الكتاب المقدَّس, وإلهامات الروح القدس الداخليَّة, ومفاعيل الأسرار المقدَّسة، وعناية الكنيسة. فإن بقيت حياته عقيمة توفَّرت له فُرصَةٌ أخيرة, وهي أنَّ يسوع نفسه يتدخَّل في حياة ذاك المسيحي, بنِعَمه المتلاحقة الفعّالة, كما يتدخَّل الكرَّام في إصلاح حياة التينة التي لا تُثمر، ليُهيِّئ له المناخ المؤاتي لأن تزدهر حياته وتأتي بالثمر.




إنَّ الله، كصاحب الكرْم، ينتظر من المسيحي العودة إلى سلوك الحياة الفاضلة, ويمنحه الوقت الكافي لأن يُساهم في عمل النِعمة, ويحمل الثمار الروحيَّة التي يُطالبه بها. وإذا ما انتهت حياة المسيحي من دون أن يقوم بالأعمال الصالحة انتهى وقت الرحمة, فسقط بين يدَيْ عدل الله.



التطبيق العملي
1- تأمَّلْ في هذا المثل, وكُنْ على يقين أنَّ رحمة الله لها حدود, وهي عدلُهُ الإلهي, فلا تطمعْ في رحمة الله, ولا تستسلمْ إلى الكسل الروحي, ولا تقضِ أيَّامك من دون عبادة ولا صلاة ولا أعمال صالحة, ولا محبَّة, فتُقلع من جذورك ويُرمى بك في هوَّة الموت والهلاك: فالله يُمْهِل ولا يُهْمِل.
إنَّ هذا المثل إنذارٌ لك صادرٌ عن عدل الله, وبشرى سارَّةٌ أيضاً صادرةٌ أيضاً عن رحمته تعالى. فثقْ برحمة الله ثقةً كاملة, وخَفْ عدلَهُ الإلهي خوفاً شديداً. فإنَّ الثقة والخوف يتكاملان في قلبك ويحملانك على أن تعيش الحياة المسيحيَّة الحقَّة وتأتي بثمارٍ شهيَّة تفتح لك أبواب السماء.