رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
فى الذكرى الـ 44 على رحيل البابا كيرلس السادس فى 9 مارس يطيب لنا أن نحييه بتحرير مقال للحقيقة والتاريخ لأجل شباب هذا اليوم الذى ضاعت منه الذاكرة وأصبح لا يرى إلا ما تحت قدميه فقط!! فلم يعد يسعى نحو معرفة تاريخ الكنيسة والوطن ولا يتطلع إلى المستقبل ليكمل ما صنعه الآباء العظام. ففى فجر 10 مايو 1959 أشرقت الشمس مرة أخرى على الكنيسة القبطية برسامة الراهب المتوحد مينا البراموسى بطريركاً للكنيسة باسم البابا كيرلس السادس البطريرك 116 وذلك طبقاً للتقاليد العريقة للكنيسة القبطية والتى أستقرت بها منذ القرن الرابع الميلادى، فبدأ بالآتى:
(1) زار إيبارشيات القطر المصرى حتى أثيوبيا مبشراً بعهد جديد يرجع فيه لكنيسته قوتها وعظمتها وجلالها. (2) أزاح ستار النسيان عن المدينة الرخامية القابعة بمنطقة مريوط باسم مدينة «بومنا» أو مدينة القديس مينا العجايبى، فبادر بزيارة المنطقة عدة مرات ثم فى يوم الجمعة 27 نوفمبر 1959 وضع حجر أساس الدير الحديث بالمنطقة باسم دير القديس مينا العجايبى، ثم الحقه ببيت خلوة ليخلو فيه قصاده فى سكون وهدوء فى تأمل روحى عميق. (3) أيقن أن كنائس أفريقيا ستتلفت نحو كنيسة الإسكندرية – بعد زوال الأستعمار من أراضيها – فبالتعاون المثمر مع الرئيس جمال عبدالناصر بدأ بإنشاء كاتدرائية كبرى بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية تحمل اسم كاروز الديار المصرية القديس مرقس. وهذه الكاتدرائية تُعد نصباً تذكارياً خالداً لهمة ذلك البطريرك العظيم. (4) التفت إلى العلم والثقافة والعمل الأجتماعى فخطا بثلاث خطوات إيجابية: (أ) رفع من شأن الأكليريكية – العمود الفقرى للإصلاح الروحى – برسامة أسقف فاضل عليها أشتهر بالعلم والورع وهو الأنبا شنوده أسقف التعليم والمعاهد اللاهوتية (فيما بعد البابا شنوده الثالث). (ب) الأهتمام برسالة المعهد العالى للدراسات القبطية فأقام عليه أسقفاً للدراسات القبطية والبحث العلمى هو الأنبا غريغوريوس. (ج) من أجل الفقراء والمحتاجين والأستقرار العائلى والخدمة الروحية للأسرة فخصص لهم أسقفاً للخدمات العامة والأجتماعية الذى كان له باع طويل فى هذا الميدان وهو الأنبا صموئيل. فيكون قد أتم بذلك مثلث النهضة الكنسية الحقيقية. (5) شكل اللجان للغة القبطية وللتاريخ وللآثار وللفن وللعمارة من رجال الفكر والأدب والعلم، فأحاط هذه الأسقفيات الثلاث بتلك الصفوة حتى يعمل الجميع فى صعيد واحد بروح الجماعة. (6) فى عام 1969 عندما علم بقيام جمعية مارمينا العجايبى بالإسكندرية بوضع مرجع فريد لقواعد اللغة القبطية، طلب الإطلاع عليه وأمر بطبعه على نفقته الخاصة وبذلك أسدى إلى العلم ، بإخراج ذلك الكتاب إلى عالم النور، يداً لا تُنسى أجيالاً وقروناً عدة. وكان آخر كتاب صدر فى هذا الموضوع عام 1924 بتكليف من وزارة المعارف للدكتور جورجى صبحى (كتاب قواعد اللغة القبطية) لطلبة قسم الآثار بالجامعة المصرية. (7) فى عام 1970 كلف أبناء الكنيسة بالمانيا بإحضار مطبعة من مدينة هيدلبرج أشرف على إحضارها المهندس فؤاد خليل بطرس، ثم بادر بتدشين دار خاصة لها فى حفل أقيم بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية أستشعاراً منه أن المنطقة ستتحول فيما بعد إلى خلية نحل فى العمل الكنسى وبها العديد من الأنشطة. (8) توجه بنظره إلى القارة الأمريكية فأقام عدداً من الشباب المثقف بالعلوم اللاهوتية والكنسية وأقامهم كهنة عام 1964 على كنائس بمدن تورنتو الكندية ومونتريال الكندية ونيوجرسى الأمريكية، ثم فى عام 1968توالى الأهتمام بأبناء الكنيسة بلوس أنجلوس الأمريكية. كما توجه بنظره نحو القارة الأسترالية فأنتقى واحداً من خيرة الشباب وأقامه كاهناً ليخدم أقباط الجالية الأسترالية وذلك فى عام 1969. (9) رأى أن دير القديس أنبا مقار – من أقدم أديرتنا القبطية – قد بدأ فى الأنهيار من حيث عدد الرهبان الذين تقلص عددهم إلى خمسة فقط!! وأيضاً الأنهيار المعمارى، فبادر بمبادرة طيبة فى 10 مايو 1969 وأسند للأب متى المسكين وجماعة رهبانه وتلاميذه المقيمين بمنطقة وادى الريان وطلب منهم إعادة تعمير وإحياء الدير. وهو ما قد تم حتى تبوأ الدير مكانته الأولى. (10) أهتم بإرسال مبعوثين إلى جميع المؤتمرات الكنسية التى تُدعى إليها ليعبروا عن حيوية الكنيسة بعد أن كان العالم لا يعرف أن بمصر كنيسة وطنية حية. كان هناك وجه تشابه كبير بينه وبين سلفه العظيم البابا كيرلس الرابع البطريرك 110 والمُلقب بلقب «أبى الإصلاح». فما أن جلس البابا كيرلس الرابع على الكرسى البابوى حتى قام بهمة لا تعرف الكلل لإقالة أمته من عثرات قرون الظلام، فبادر بإنشاء تلك المدرسة الكبرى التى أطلق عليها يومئذ اسم «دار العلوم» التى غذت طلابها بالعلوم المصرية واللغات الحية بما فيهم اللغة القبطية، كما أنشأ أول مدرسة للبنات. ثم أردف إنشاء المدراس التى أُطلق عليها العامة اسم مدارس «أبى الأصلاح» بشراء مطبعة، فكانت ثانى مطبعة تدخل البلاد بعد المطبعة الأميرية ببولاق التى أحضرها محمد على، وأعاد بناء الكنيسة المرقسية الكبرى بالأزبكية بعد أن كانت مهددة بالأنهيار لقدمها. لقد كان – كما يقول د. منير شكرى - شديد الإيمان بحق أمته فى البعث والحياة وفى أن تتبوأ مكاناً لائقاً بها بين الأمم. والآن يمكننا أن نتبين بكل وضوح التطابق التام فى روح وهمة البابا كيرلس السادس مع سلفه العظيم البابا كيرلس الرابع. أنها صفحات مشرقة بالحقيقة من صفحات الكنيسة الوطنية المجيدة. إن هذا التاريخ الذى نذكره فى فترة البابا كيرلس السادس – فى ذكراه العطرة – هو علم مهم من معالم الحياة المصرية وجزء لا يتجزأ من تاريخها الطويل المُشّرف. وبعد انتهاء رحلة حياة البابا كيرلس السادس أُطلق عليه لقب «رجل الصلاة»، كما أن القيادة السياسية عبرت عنه بعبارة صادقة وحقيقية بقولها: (انه ابن من أغلى أبناء مصر، وأننا جميعاً أفتقدنا فيه مناضلاً عظيماً وأباً روحانياً حقيقياً كان يعيش بفكره وقلبه مع قضايا الحرية وعنواناً كبيراً للوطنية). وهكذا كمُلت أيام الرحلة المقدسة التى أمتدت من 2 أغسطس 1902 حتى يوم الثلاثاء 9 مارس 1971. إن سجله الرائع نقدمه لأبناء مصر فى ذكراه العطرة، وفاءً لصاحب الذكرى وتكريماً لصفحة ناصعة من تاريخه |
|