شابة مسلمة تصوم مع المسيحيين لأن صديقتها المسيحية صامت مع المسلمين
روما / أليتيا (aleteia.org/ar) – سارة، الشابة الثلاثينية، المعتادة على الصوم في رمضان منذ نعومة أظافرها، قررت هذه السنة أن تصوم الصوم الكبير مع ثلاث صديقات أخريات، منهن مسلمة ومسيحيتان. وليس أي صوم، بل صوم مسيحيي الشرق الأوائل. وبما أنها ملتزمة جداً في الحوار بين الأديان، يندرج قرارها في مسار روحي من التطهر، لا بل أيضاً من الشركة واكتشاف ديانة الآخر. بعد ثلاثة أسابيع من بداية الصوم الكبير، تحدثت عن خيارها والصعوبات التي تواجهها في مسارها، بخاصة قرب محيطها المسلم.
عودة فعلية إلى المنابع
“ما دفعني فعلاً إلى اتخاذ قرار الصوم خلال الصوم الكبير هو صوم إحدى صديقاتي الكاثوليكيات التي رافقتني طوال شهر رمضان في يوليو الأخير. عندما اقتُرح عليّ الصوم خلال الصوم الكبير لهذا العام، وافقت طبعاً”، حسبما أوضحت سارة. وإذا كانت الشابة “غاصت في المجهول” قبل بضعة أيام فقط من إثنين الرماد، فإن قرارها حكيم. “الصوم على طريقة مسيحيي الشرق الأولين يتخذ دلالة خاصة، لا سيما في السياق الراهن. أعيشه في شركة صوم تامة مع المتألمين حالياً في الشرق الأوسط. إنه الصوم الوحيد بالنسبة إليّ المستحق عناء التطبيق، والأقرب إلى رمضان. هذا الصوم موروث من الأجداد، إنه عودة فعلية إلى المنابع. لم أكن أتصور أن أعيش صوماً آخراً إلا هذا”. واعتبرت الشابة المسلمة أنه “الأقرب من تعريف الصوم بذاته”.
لكن، ما هو فعلاً صوم “المسيحيين الأولين” الشهير؟ “لا نأكل شيئاً في الصباح، ويُسمح لنا فقط بشرب الأعشاب أو الماء، من دون القهوة والشاي والمشروبات الغازية طبعاً، فقط الأعشاب. هذا الصوم هو أولاً فترة تطهر. ومن ثم، عند الثانية من بعد الظهر، نتناول وجبة خفيفة حلوة كالفاكهة، أو الفاكهة المجففة، أو قطعة من الشوكولا الأسود في بعض الأيام التي تنقصنا فيها الطاقة. وفي المساء، نتناول فقط الخضار المطبوخة بشكل مثالي. يمكننا أن نختار أي خضار، وإنما ليس بكميات كبيرة. القصد هو العيش بتواضع، في وضع شخص يكتفي بالحد الأدنى أو يعيش في العوز”.
لدى العديد من المسيحيين صورة عن رمضان يدفق بموجبها الأكل والمشروب بكثرة مع حلول الظلام.
“هذه السمعة معروفة عنا، لكن هذا الأمر يجب ألا يحصل بحسب مبادئ الإسلام. أحاول بنفسي على مر السنوات أن أقلص استهلاكي للغذاء خلال هذا الشهر المقدس بإعطاء جسدي ما يحتاج إليه، وليس ما أريده طوال النهار من باب الشراهة. صحيح أنني كنت أعتمد موقف الإفراط في تناول الأطعمة ليلاً عندما كنت أصغر سناً، لكنني بفعل النضج والحكمة والإيمان، أصبحت أنتبه أكثر، وآكل بطريقة أكثر توازناً عند الإفطار”.
الصوم الكبير يكاد يكون أكثر صعوبة من رمضان!
من الصعب تصديق ذلك، لكن الصوم الكبير الذي يسمح فيه بالأكل والشرب – وإن يكن بكميات محدودة – يبدو أكثر تعقيداً مما نظن! أو أقله، أكثر مما كانت تظن سارة. قالت: “أصبح رمضان صعباً فقط منذ بضع سنوات لأننا وصلنا إلى الفترات الصيفية. فيها، تكون الأيام هي الأطول، وقد تصل ساعات الصوم إلى 18 ساعة من الرابعة فجراً وحتى العاشرة ليلاً”. لكن، يمكن أن يكون شهر رمضان أيضاً “سهلاً جداً في الشتاء”، حسبما أكدت الشابة بنبرة واثقة.
أضافت سارة: “أستطيع القول بأن الصوم الكبير هو أصعب من رمضان لكوننا لا نملك خياراً في الإسلام. فلا نأكل ولا نشرب أي شيء من شروق الشمس وحتى غروبها. هذا مكتوب. هذه هي إحدى ركائز الإسلام الخمس. ونحن نجتهد كمؤمنين ومتدينين لكي نحترمها أياً تكن أحوال الطقس. أعتقد أننا إذا كنا مستعدين جيداً من الناحيتين النفسية والروحية، نكون كما لو أننا “مقفلون” فننجح بعدم تناول أي أطعمة”. وقد تصل الحرارة إلى 45 درجة مئوية عند اشتداد حرارة الشمس. قالت ضاحكة: “لا أشرب قطرة ماء… الإيمان يقدر فعلاً على نقل الجبال”.
“فعل الصوم، سواء في الإسلام أو المسيحية، هو أولاً كفاح ضد الذات، ما يسمى لدينا بـ “الجهاد” – هذا هو الجهاد الفعلي، على حد تعبيرها – الكفاح ضد أنفسنا، وعاداتنا البشعة، وأفكارنا السلبية، وسهولة حكمنا على الآخرين، إلخ. هذا ليس كفاحاً ضد الآخرين!”؟. ورأت سارة أن أكثر الأمور تعقيداً يتمثل في وجوب فرض السيطرة الدائمة على ذاتها كل يوم من أيام الصوم.
“أعلم أنني أستطيع تناول الفاكهة إضافة إلى الفواكه المجففة عند الثانية من بعد الظهر، ولكن ينبغي عليّ في الوقت عينه ضبط نفسي لأن المبدأ يقوم على تقليص الاستهلاك وعدم تخطي ما يحتاج إليه جسدي”.