أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ (ﭐلَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ". عندما نتحدث في حياتنا اليومية عن شخصية أو صفات رجل أو امرأة معينة فإننا في الغالب نتحدث عن واحد من ثلاثة أشياء: * الحديث عن إنسان معيّن بأن له شخصية مميزة، يكون القصد هو أن هذا الشخص فريد من نوعه أو غريب الأطوار. * أيضاً الحديث عن شخصية معينة يعني الحديث عن رجل أو إمرأة له دور في قصة معينة أو فلم سينمائي. * كذلك فالحديث عن إنسان بأنه شخصية مميزة يعني ببساطة الحديث عن رجل أو إمرأة له سمات أو ميّزات نبيلة أو أخلاق حميدة. أي أن الحديث عن شخصية معينة هو في الواقع حديث عن إنسان فريد أو مميز، أو إنسان له دور في قصة أو حدث معيّن، أو الحديث عن إنسان نبيل ومحترم. وفي تأملنا في شخصية القديس يوسف النجار خطيب القديسة مريم العذراء، فإننا في الواقع نتحدث عن رجل اجتمعت في شخصيته الميزات الثلاث أعلاه: فهو إنسان مميز وفريد، وله دور في واحد من أعظم أحداث التاريخ، وهو حدث أو حقيقة تجسد شخص الرب يسوع المسيح، كما أن يوسف كان إنساناً نبيلاً ومحترماً، بل يجب عليّ هنا أن أستخدم الصفة التي ذكرها الإنجيل المقدس عن هذا الإنسان بأنه كان "باراً" (متى19:1). الشيء المؤسف، أنه في خِضَمِّ الحديث عن ميلاد رب المجد يسوع، يتحدث الناس كثيراً عن القديسة مريم العذراء، وعن الملائكة، وعن الرعاة، وعن المجوس، وعن الملك هيرودس، وحتى عن النجم الذي ظهر للمجوس، ولكن ينسون نجماً بشرياً استخدمه الله والملك هيرودس ليكون الزوج المحب للقديسة مريم العذراء، والمربي الفاضل لشخص الرب يسوع له المجد. عندما نتأمل في الآيات القليلة التي سجلها الوحي المقدس عن القدّيس يوسف، نكتشف مباشرة بأن الله قد اختاره لأنه كان مثالاً لرجل يحب الله، شخص امتاز بالبر والخضوع لإرادة الله، والعمل بحسب مشيئة الله وطاعته فيما أراد منه أن يعمل.
اسم يوسف يعني لغوياً إضافة أو زيادة. ويرتبط ذكره ارتباطاً وثيقاً باسم القديسة مريم العذراء. فعندما ذكر اسم يوسف للمرة الأولى في الإنجيل المقدس قيل عنه "يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ" (متى 16:1). كذلك ينهي الإنجيل المقدس ذكر اسم يوسف بعد زيارته إلى اورشليم مع القديسة مريم عندما كان الرب يسوع إبن إثنتي عشرة سنة، ويتضح من الإنجيل أن علاقة القدّيس يوسف بالقدّيسة مريم العذراء قد اتسمت بالمحبة واللطف والرعاية، أي أنها كانت علاقة انسانية مثالية ورائعة. دعونا في البداية نتعرف على القدّيس يوسف، من هو هذا الإنسان: 1. يوسف من نسل داود من سبط يهوذا: يوجد في الإنجيل المقدس ثلاثة شواهد على نسب القديس يوسف من نسل الملك داود. فقد ورد اسم يوسف أولاً في سلسلة النسب الملوكي، أي سلسلة نسب الرب يسوع المسيح الأرضية. نقرأ في متى 15:1-16 قول الوحي المقدس "... وَمَتَّانُ وَلَدَ يَعْقُوبَ. وَيَعْقُوبُ وَلَدَ يُوسُفَ رَجُلَ مَرْيَمَ الَّتِي وُلِدَ مِنْهَا يَسُوعُ الَّذِي يُدْعَى الْمَسِيحَ".ثم نقرأ عنه في الآية 20 قول ملاك الرب ليوسف: "يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ". كذلك نقرأ في لوقا 4:2 عن يوسف أنه "مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ". 2. يوسف هو الأب الأرضي الشرعي للرب يسوع المسيح: يعلن لنا الله في الإنجيل المقدس حقيقة حبل القديسة مريم العذراء بمعجزة سماوية، فقد حملت الطفل يسوع في أحشائها بدون زرع بشر، بل بقوة من الله. ومن أجل حماية القديسة مريم من الإشاعات والتهم الباطلة، أي من أجل صيانة اسمها الطاهر وسيرتها المقدسة، رتب الله بحكمته الفائقة للإدراك أن يتم حبلها بشخص الرب يسوع المسيح في الوقت الذي كانت فيه مخطوبة من القديس يوسف النجار. يشير لفظ "مخطوبة" في الكتاب المقدس إلى رباط شرعي بين الرجل والمرأة، أي أن الخطوبة هي علاقة زواج حقيقية بينهما ولا تفسخ تلك العلاقة إلا بالطلاق. والفرق بين الخطوبة والزواج الفعلي هو أنه لا تتم العشرة الزوجية أثناء فترة الخطوبة إلى حين انتقال المرأة إلى بيت خطيبها. أي أن يوسف كان من الناحية الشرعية زوج مريم (سفر التثنية 23:22-24). وهكذا عرف يوسف بأنه الأب الأرضي والشرعي للرب يسوع مع أنه لم يكن أبوه الطبيعي، لذلك دعي المسيح إبن داود. وبهذا الترتيب الإلهي. وهكذا تمت نبوات رجال الله في العهد القديم على أن المسيح سيأتي من نسل داود (صموئيل الثاني 12:7-16). لقد ولد الطفل يسوع في أسرة بشرية مقدسة تتكون من الأم مريم العذراء والأب يوسف النجار (متى 16:1، 20/ لوقا 24:2، 27، 48؛ 23:3؛ 22:4/ يوحنا 45:1؛ 42:6). 3. كان يوسف يعمل في النجارة: نقرأ في متى 55:13 أن يسوع عرف "بإبن النجار" ونقرأ في مرقس 3:6 قول أهل مدينة الناصرة عن المسيح بأنه "النجار ابن مريم". وهكذا شرّف الرب يسوع مهنة النجارة التي عمل بها أيضاً أبوه الشرعي القديس يوسف. ما هي أهم الأشياء التي يعلنها الكتاب عن القديس يوسف النجار: أولاً: كان يوسف رجلاً باراً: متى 18:1-19 نقرأ في الآية 19 أن "يُوسُفُ... كَانَ بَارّاً"، والواقع حتى لو أن الإنجيل لم يذكر لنا هذه الحقيقة، فإننا نستطيع استنتاج ذلك من خلال قراءتنا لما عمله يوسف مع القديسة مريم العذراء ومع الطفل يسوع. وصفة "البار" المستخدمة هنا تشير إلى أن أسلوب تفكير يوسف ومشاعره وأعماله كانت جميعها بحسب مشيئة الله. وجد يوسف نفسه في موقف حرج وصعب للغاية: فقد كان خطيباً لمريم، واكتشف فجأة أن خطيبته حبلى، فما العمل. موقف يوسف من حبل مريم العذراء يكشف لنا أنه كان رجلاً عظيماً ومباركاً. فهو لم يعلم بسر حبلها، وتفاجأ بها وهي تحمل جنينها في أحشائها. فلم يشتم ويلعن ويهدد ويضرب ويطالب بالإنتقام. بل تصرف بحب ورعاية عجيبة. فلم يخبر أي شخص بأن الجنين الذي كان في أحشاء مريم لم يكن منه، بل ترك الجميع يظنون أنه الأب الحقيقي للطفل. وأراد أن ينفصل عن مريم بهدوء. لقد كان باستطاعة يوسف أن يطالب بتطبيق شريعة الله ورجم مريم بالحجارة حتى الموت أو أن يطلقها (راجع سفر العدد 11:5-31، ولاويين 10:20) ولكنه لم يمارس حقه الشرعي. في نظر يوسف، كانت الرحمة والمحبة أعظم جداً من تطبيق حرف الناموس. حسب العادات التي سادت في أيام يوسف ومريم، كان الزواج يمر في مرحلتين: المرحلة الأولى هي مرحلة الخطوبة، ثم مرحلة الاحتفال بالزواج. وخلال مرحلة الخطوبة، يعمل أهل العروسين على ترتيب عقد الزواج الذي يتعهد فيه والد العريس بدفع مهر العروس الذي يمثل ضمانة أو مصدر أمن للعروس في حالة أراد العريس ترك خطيبته أو طلاقها. ومن الناحية القانونية، فإن الخطيبين يُعتبران زوجين منذ الإتفاق على عقد الزواج، ولكن لم تكن مراسم الزواج تتم عملياً إلا بعد سنة، حيث كانت فترة الخطبة للتحضير ولاختبار ولاء الخطيبين لبعضهما البعض. بدأت المشكلة عندما ظهر ليوسف أن خطيبته مريم قد خانت عهدها معه وأصبحت حاملا، أي أنها خيّبت آماله ووضعته في موقف محرج. فبحسب الشريعة كان يحق ليوسف أن يذل مريم أمام الناس بسبب خيانتها الظاهرة له، كما وكان من حقه أن يطالب برجمها بتهمة الزنا، وفي نفس الوقت كان يستطيع تركها بهدوء وبدون أية فضائح، وفي جميع الحالات لم يعد باستطاعة يوسف إتمام مراسم الزواج لأنها، كما بدا له، قد خانت عهدها معه ومع الله. ومع ذلك فقد اختار يوسف أن "لا يشهرها"، أي أن لا يسبب لها فضيحة أخلاقية واجتماعية ودينية، بل أراد أن يفسخ عقد الخطوبة بينهما بصمت وهدوء، حيث كان يتم فسخ العقد بحضور شاهدين أو ثلاثة يمكن الثقة بهم. وهذا الاختيار يدل بلا شك على أن يوسف كان يخاف الله، وبحسب تعبير الكتاب المقدس، لقد كان "باراً"، ولم يهتم بالجرح والألم الذي أصابه، ولكنه كان حريصاً أن لا تنجرح خطيبته مريم وأن لا تتعرض لأي سوء من المجتمع القاسي الذي لا يرحم. وهذا دليل قاطع على أنه كان يحب خطيبته مريم، وبالرغم مما جرى، فإن حبه لم يتغير، والذي يحب لا يمكن أن يتسبب بأيّ أذى لمن يحبه. موقف يوسف من القديسة مريم يدفع الكثيرين منا إلى الخجل من أنفسنا. فنحن على استعداد أن نشهر بأي شخص ولو أساء إلينا بإساءة بسيطة جداً، وليس إساءة فظيعة مثل الزنا والحبل. نحن لا نرحم. نحقد، ونفرغ سموم حقدنا بالثرثرة وتشويه سمعة الناس وحتى الإساءة إليهم. يوسف لم يشأ أن يشهر خطيبته. اليوم إن خطب شاب فتاة، واكتشفت هي شيئاً عليه أو اكتشف هو شيئاً عليها، فإن جميع الناس يعرفون ما الذي يجري بينهم، وتنتشر الفضيحة بين الناس. المسيحي إنسان محب ولا يسئ للآخرين حتى ولو أساؤوا إليه. المسيحي المحب يحب أن يستر على أخطاء الآخرين، فالمحبة تستر كثرة من الخطايا... ومن منا لا يخطأ، ومن منا لا يحتاج إلى رحمة الله. أراد يوسف أن يعمل ما هو حق وصواب، وقلب يوسف يعكس رحمة الله وعدله في نفس الوقت. فنحن نعلم من الكتاب المقدس أن الله محب وعادل في نفس الوقت. فالله في عدله يكره الخطية ويعاقب من لا يتوب عن خطاياه، ولكنه أيضاً محب، ولذلك يظهر رحمته لمن لا يستحق الرحمة. نقرأ في مزمور 7:45 عن شخص الرب: "أَحْبَبْتَ الْبِرَّ وَأَبْغَضْتَ الإِثْمَ". أجل إن الله يحب الخطاة حتى الموت، موت الصليب كما نقرأ في رومية 8:5 "وَلَكِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا لأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لأَجْلِنَا". يوسف، هذا الرجل الذي لم يسجِّل لنا الإنجيل أية عبارة نطق بها، أي الذي يمكن أن نطلق عليه لقب "الرجل الهادئ" أو "الرجل الصامت"، أحب خطيبته وأراد أن يظهر لها الرحمة لمن ظنّ أنها لا تستحق الرحمة بسبب خيانتها وحبلها قبل الزواج. تماماً كما يظهر الله لنا الرحمة بسبب خيانتنا له وعدم طاعتنا له وارتكابنا لأبشع الخطايا مثل الكذب والنفاق والحسد ومحبة المال وغيرها من الخطايا البشعة. كره يوسف الخطية الظاهرة له، ومع ذلك كان رحيماً ومحباً لمريم، علماً بأن مريم لم ترتكب خطية في حبلها، بل أن كل شيء قد تم بحسب مشيئة الله وبقوة الروح القدس. لقد انتصرت المحبة على الدينونة لمن لا يستحق الرحمة، وما قام به يوسف يجسد موقف الله منا نحن البشر الخطاة. أجل: كان يوسف باراً ومحباً ورحيماً. ثانياً: كان يوسف رجلاً مطيعاً: من خلال قراءتنا في متى 19:1 نستنتج أن القديسة مريم لم تخبر يوسف عن زيارة الملاك جبريل لها، وعن حبلها وهي عذراء بقوة الروح القدس. ويؤكد هذه الحقيقة ما جاء في الآية 20، حيث لم يقل الملاك ليوسف: "عليك أن تصدق ما قالته مريم"، بل قال له حقيقة الذي جرى بالضبط. وعندما اكتشف يوسف أن مريم كانت حاملا، لم تظهر منه علامات العصبية والتسرع والغضب. حتى بعدما أراد تخليتها سراً، بل بقي يفكر في الأمر حتى وهو في سرير نومه. نكتشف في استجابة يوسف لكلام ملاك الرب أنه كان مثالاً للرجل التقي الذي يخاف الله. في الآية 20-23 استمع يوسف بحرص إلى كلمات الله من خلال الملاك في حلم ليلي، وأخذ كلامه بشكل جدي. لم يعلق على ما سمعه في الحلم، بل استمع وآمن بكلمة الله وصدّق كل ما قيل له عن القديسة المباركة مريم العذراء وحبلها بشخص يسوع، ابن الله، عمانوئيل، الله معنا. لقد وثق القديس يوسف بأن كلمة الله صادقة بالرغم من أن ما حدث يفوق العقل البشري ويصعب تصديقه باستخدام لغة المنطق، ولكن بعقل وعيون الإنسان المؤمن، فإن يوسف صدّق ما قيل له من قبل ملاك الرب. لم يكن من الطبيعي أن يولد طفل بدون وجود أب بشري له، ولربما لو كان إنسان آخر بدل يوسف لما صدّق ما سمعه، ولكن يوسف صدق ما قيل له من قبل الرب. أي أن يوسف كان رجل إيمان، رجل وثق بالله، وآمن بما حدث مع القديسة مريم بالرغم من أن منطق العلم والعالم لا يقبل هذا الحق الإلهي. بعد أن استمع وصدق ما سمعه، أطاع القديس يوسف كلمة الله، وألغى فكرة ترك القديسة مريم، أي طلاقها، وقام رأساً بإتمام مراسم الزواج بها كما نقرأ في الآية 24 "فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ". أجل استمع يوسف لكلام الله وأطاعه وأخذ مريم امرأةً له خضوعاً لمشيئة الله. وهنا يظهر إيمان يوسف ومحبته لله بشكل عملي. فقد قبل أن يأخذ مريم زوجة له، وتنازل عن حقه الطبيعي والشرعي في ممارسة العشرة الزوجية معها، ووفر لها البيت والرعاية والحماية من ألسنة المجتمع القاتلة. وهكذا ظن الناس أن حبل القديسة مريم كان من يوسف رجلها، في حين أن هذا الحبل كان بقوة الله الفائقة للطبيعة. عندما يكلمنا الله من خلال الكتاب المقدس أو حتى من خلال إعلان معين بالروح القدس، فإن علينا أن نطيع، ولو كان ذلك مكلفاً لنا، كما كان بالتأكيد مكلفاً ليوسف. لقد استمع هذا الرجل البار لكلمة الله، وآمن بهذه الكلمة، وعمل طائعاً للكلمة. وهكذا فإن استماع يوسف وإيمانه وطاعته لكلمة الله تعطينا مثالاً عظيماً لما يجب عليه أن يكون المؤمن والمؤمنة في أيامنا هذه: كان يوسف مطيعاً لله، وليتنا جميعاً نجعل من طاعة الله أسلوباً في حياتنا اليومية. فهل نستمع لكلمة الله كما استمع يوسف؟ وهل نؤمن حقاً بكل كلمة نسمعها من الله كما آمن يوسف؟ وهل نطيع الله ونتصرف بحسب كلمته كما أطاع يوسف؟ ثالثاً: كان يوسف رجلاً مسئولاً ومصدر ثقة: أهم المميزات التي يتصف بها الأبرار هي الإستجابة بمسئولية لكلمة الله وذلك كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى 2:4 "ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِيناً". لقد أطاع القديس يوسف البار كلمة الله بكل إيمان، و "فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ". (آية 24). ثم عاد الرب وكلّم يوسف بعد زيارة المجوس للطفل يسوع كما نقرأ في متى 13:2-14 حين أمره الرب أن يأخذ مريم والطفل يسوع ويهرب إلى مصر حتى لا يُقْتَلْ على أيدي جيش هيرودس. وقد استجاب يوسف في الحال وبدون تردد، ونفذ الأمر بسرعة، وأخذ القديسة مريم وطفلها الرب يسوع، وسافر ليلاً دون انتظار نور الصباح، وذهب إلى مصر. فالأمر كان عاجلاً جداً، ولا مجال للتروّي. لم يفكر يوسف بتكاليف الإقامة في مصر، أو أين سيسكنون، وماذا سيفعلون هناك، وكيف أنهم سيصبحون لاجئين وغرباء في مصر. أطاع يوسف كلمة الله بإيمان وثقة بأن الله لن يتركهم في مصر، وسيوفر لهم كل احتياجاتهم. لقد حذّر الله القديس يوسف من خطة هيرودس الإجرامية، وأمّن الله لهم ما سيحتاجونه في وقت غربتهم في مصر عن طريق الهدايا التي استلموها من المجوس، أي بواسطة الذهب واللبان والمر. لم يعرف القديس يوسف لماذا أراد هيرودس قتل الطفل يسوع، ولكن ما عرفه هو أنه كان عليه واجب توفير الحماية للطفل وأمه، وهذا ما عمله بالضبط، غير عالمٍ أنه بعمله هذا قد تمم النبوة الواردة في هوشع 1:11 "مِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي". لم يعلم يوسف أن الله قد اختاره ليتمم مقاصده والنبوات، ولكن علم بالتأكيد أن ما قام به كان من أجل سلامة أفراد أسرته. لقد كان مسئولاً أمام الله في طاعته له، وكان مسئولاً تجاه أسرته في توفير الحماية للقديسة مريم وللطفل يسوع. لا نعرف بالضبط المدة الزمنية التي مضت على يوسف ومريم والطفل يسوع في مصر. ولكن عندما كلّم ملاك الرب القديس يوسف للمرة الثالثة في متى 19:2-23، أطاع يوسف كلمة الله كعادته وبدون تردد، وعاد إلى وطنه. وبسبب حرصه على مريم وطفلها يسوع، لم يذهب يوسف إلى بيت لحم لقربها من القدس حيث أصبح أرخيلاوس ملكاً خلفاً لأبيه، بل توجه إلى الناصرة بعيداً عن الخطر حيث يستطيع أن يوفر الحماية للقديسة مريم وابنه بالتبني دون قلق. بعد ذلك لم يُذْكَر يوسف إلا مرة واحدة وأخيرة وهي مرافقته لمريم ويسوع في زيارة القدس، عندما كان عمر يسوع 12 عاماً. بعد ذلك ينتهي ذكر يوسف نهائياً، فقد أدى دوره بأمانة، وبعدها صمت الوحي المقدس عن ذكره نهائياً. في عالمنا المليء بالخطية، يكرّم الناس الأغنياء والمشهورين مع أن الكثيرين منهم يعيشون في الرذيلة ولا يقدمون شيئاً للبشرية، أما أشخاص بسطاء وفقراء مثل يوسف النجار فإنهم لا يلتفتون إليهم. ولكن مثل هؤلاء الرجال الأبرار والمطيعين هم الذين يعطيهم الله مسئوليات عظام، مثل حماية إبنه الوحيد من القتل على يد الملك الطاغية هيرودس، وحماية أمه القديسة المباركة مريم العذراء وتوفير أسباب الراحة لها. يوسف النجار البسيط تلقى وحياً من السماء، ليس مرة واحدة فقط بل ثلاث مرات. يحتاج مجتمعنا اليوم مثل هؤلاء الرجال. صحيح أن التاريخ المسيحي والتاريخ العام للبشرية لم يذكر يوسف إلا في سطور قليلة في الإنجيل المقدس، ومع ذلك فهذه السطور خلّدت لنا ذكرى رجل أحب الله وأحب زوجته، وأطاع الله مصغياً لكلامه ومنفّذاً كل كلمة سمعها من الرب. هذا هو القدّيس يوسف: رجل خدوم: خدم القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع. رجل مضحي: ضحى من أجل القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع رجل مجتهد في عمله: عمل نجاراً ليوفر أسباب الحياة لأسرته المقدسة رجل مسئول: تحمل مسئولية القديسة مريم العذراء ورب المجد يسوع. رجل مفكر: فكر بأمر القدّيسة مريم العذراء قبل أن يتخذ أي خطوة، فلم يكن متسرعاً بل أعطى مكاناً للعقل إلى جانب عواطفه وأحاسيسه البشرية رجل مطيع: أطاع الله عندما أخذ القدّيسة مريم زوجة له أطاع الله عندما ذهب إلى مصر أطاع الله عندما عاد من مصر إلى الناصرة رجل بار: كل خطواته كانت متفقة مع مشيئة الله ورافق القدّيس يوسف القدّيسة مريم العذراء في أهم محطات حياتها: 1. عند السفر إلى بيت لحم لأنه من نسل داود ليتم إحصاؤهم حسب أوامر قيصر روما. 2. عند ولادة الطفل يسوع في بيت لحم. 3. عند تسمية الطفل باسم يسوع. 4. عند ختان الطفل في اليوم الثامن. 5. عند تكريس الطفل في الهيكل وصلاة سمعان الشيخ. 6. عند السفر إلى مصر ثم العودة إلى الناصرة. 7. وعند السفر إلى هيكل الله في أوروشليم لمّا كان عمر الرب يسوع اثنتي عشرة سنة. دعونا نصلي في ذكرى عيد ميلاد الرب يسوع أن يقيم الله في وسطنا رجالاً ونساءً أتقياء مثل القدّيس البار يوسف النجّار. أشخاصاً يحبون الله، ويستمعون لصوت الله، ويعملون بحسب مشيئة الله.