رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
لنعود أولاً الى بداية الأنسان ونتأمل بلوحة الخلق للأبوين آدم وحواء . كيف خلق الله الأبوين أبرياء من الخطيئة ، أنقياء ، أبرار ، أحرار ، وكان آدم صديقاً لله ، ودعاه الكتاب أبن الله . لكن تلك اللوحة الجميلة الطاهرة تشوهها الأنسان بأرادته الحرة بعد أن أراد أن يبني حياته على أسس ذاتية لكي يقودَ حياتهِ ومستقبله بنفسه من دون الله . وهكذا قطع الأنسان العلاقة بحريته مع الخالق الذي حسبه منافساً له لهذا عصى أوامره له . فأصيب بالخيبة والمرارة والفشل ، فطرد من الفردوس عرياناً وفقد صحبة الله . هذه كانت قصة الأنسان في العهد القديم . أما العهد الجديد ، عهد النعمة والمصالحة ، فرسم لنا لوحة جديدة وكاملة لأنسان جديد مرتبط بصداقة وعلاقة جديدة مع الله . فصورة آدم وحواء غطتها صورة آدم الجديد ( يسوع المسيح ) والحواء الجديدة ( العذراء مريم ) فالمسيح أفاض علينا النعمة والخلاص وبيّنَ لنا بمثاله الصالح وأعماله الخارقة وصبره وقوة تحمله في التجارب والمصائب بسبب أتكاله على أرادة الله فاصبحت أرادة الله أرادته أي أرادة أنسان ، لذلك تحدى الموت بموته على الصليب ومن ثم قيامته منتصراً على الشر . أما مريم العذراء فعاشت عذراء من الخطيئة وتحدت التجربة لأن نمط حياتها لم يختلف عن أبنها وخالقها ، فتميزت بالطاعة لأوامر الله . ولم يعصف بها الضعف والغرور كما حصل لحواء أمها ، بل عملت حسب مشيئة الرب فسلمت حياتها له بكل تواضع فلن تنال منها رياح التجارب ، وتحدت السيف الذي قصده زكريا النبي في حديثه اليها ، وحتى عندما عُلق وحيدها على الصليب خضعت نفسها لأرادة الله . فآدم وحواء العهد الجديد هما المثل الصالح لكل أنسان لكي يخضع خضوعاً كاملاً لله ويلتزم بوصاياه ويعمل بها . أدركت مريم عمق حب الله للأنسان ففهمت رسالته مع الأضطراب والقلق لكلام الملاك . كرست ذاتها نفساً وجسداً وقدمتها الى الرب الذي دعاها الى الخدمة فشعرت بفرح عظيم وقالت ( ها أنا أمة للرب ) لكنها أرادت أن تعيش البتولية ، فقالت للملاك ( كيف يحدث هذا ، وأنا لست أعرف رجلاً ؟ ) فلبى لها الله طلبها على لسان الملاك ، فقال ( الروح القدس يأتي عليك ، وقدرة العلي تظللك . لذلك أيضاً فالقدوس المولود منك يدعى ابن الله ) " لو 35:1 " وهكذا حافظ الله على بتوليتها بعد الولادة أيضاً . تجسد الله الكلمة في أحشاء مريم ، وهي حبلى بأبن الله أنطلقت في زيارة نسيبتها اليصابات ، دفعها الروح الحال عليها والأبن الساكن فيها الى تلك الخدمة الأنسانية المليئة بالمحبة لقريبتها . دخلت مريم بيت زكريا فسلمت على أليصابات . فبسماع اليصابات سلام مريم أرتكض الجنين في بطنها وامتلئت من الروح القدس . دخول مريم وسلامها يحتلان حضور الله العجيب الساكن في مريم فتحرك يوحنا في أحشاء أمه أمام حضور المسيح الرب . وبدافع من الروح القدس الذي حل في اليصابات ، هتفت قائلة ( مباركة أنتِ في النساء ومباركة ثمرة بطنك ) . الله عمل عمله من خلال مريم التي حملت المسيح وجسدت حضوره في بيت زكريا فتقدس يوحنا الكائن في حشا أمه بهذه الزيارة وأشاع الفرح في قلوب الجميع . أثناء وجود الطفل يسوع في بطن مريم تحولت مريم الى الهيكل المقدس الذي حمل القربانة الحقيقية ، أول قربانة في أول هيكل في العهد الجديد . كان تابوت العهد على شكل صندوق خشبي ثمين يحتوي على وصايا الله والتي كانت ترمز للعهد الجديد والأتفاق بين الله وشعبه في تلك الفترة . فعندما ندعو اليوم العذراء مريم بتابوت العهد ، يعني بأننا نعلن أنها تحمل العهد الجديد اي يسوع المسيح . أمام تابوت العهد رقص الملك داود وشعبه أحتفاءً بحضور الرب . هكذا فعلت اليصابات وأبنها في بطنها أمام تابوت العهد الجديد ، أمام مريم ويسوع التي تحمله مريم . وبكل اتضاع قالت اليصابات ( من أين لي أن تأتيني أم الرب ؟ ) أي أن أليصابات تمثل الشعب الجديد الذي يستقبل ربه بفرح وبهجة ويعلن أيمانه . ولد يسوع ولادة عجائبية تليق بأبن الله . وبولادته أفاض الله علينا بابنه أسرار ألهية ورجاء للخلاص . أصبحت مريم أما لله وأماً لجميع الذين يؤمنون بأبنها . لجميع الذين لم يولدوا من زرع بشر . بل ميلاداً ثانياً بالماء والروح .إذاَ يسوع بميلاده صارت والدته أماً لكل مؤمن ، لأن كل مؤمن صار عضواً في جسد المسيح . وهكذا أصبحنا أولاد الله بالمسيح . في اليوم الثامن ختن الطفل يسوع وحسب الشريعة . وبعد أربعين يوماً من ولادته تم تقيدمه الى الهيكل لأنه بكر ، فعلى مار يوسف والعذراء أن يخضعا لقوانين الشريعة ويقدما فرخي حمام أو يمام لكونهما فقراء . وتقدمة البكر هذه تذّكِر اليهود بأعتاقهم من العبودية في أرض مصر . بعد أن بلغ يسوع أثني عشر سنة شملته فريضة الحج الى أورشليم في عيد الفصح اليهودي وكذلك في عيدي المظال والعنصرة . صعود يسوع الى اورشليم يرمز الى صعوده الى الصليب الذي عليه تألم ومات ، وقام في اليوم الثالث وصعد الى السماء . فمعنى صعوده الى أورشليم من يوم تقدمته الى الهيكل الى صعوده في الفصح اليهودي ومن ثم ضياعه عن أهله لثلاثة أيام . كما في القبر ومن ثم صعوده الأخير . كل هذا يدل أن المسيح سيشهد في أورشليم عن محبته للآب " يو 31:14 " فيترك والديه حتى يكون له بكليته . وجود يسوع في الهيكل بين العلماء أكتشف عن رسالته بطريقة مستترة فيقول الأنجيل ( أنه كان جالساً بين العلماء ويستمه اليهم ويسألهم ) وهذا ما عمله في حياته التبشيرية يعلم في المجامع وفي الهيكل . بحثا مار يوسف ومريم العذراء عن يسوع الضائع فوجداه في الهيكل . فلما أبصره دهشا ، فقالت له مريم ( لم صنعت بنا ذلك يا بني ؟ فقال لهما : ولمَ بحثتما عني ، ألم تعلما أنه يجب أن أكون عند أبي ؟ )كلامه واضح وصريح لكن لماذا لم يفهما والداه تلك الكلمات ؟ ألا يعلمان أنه أبن الله والله هو رب ذلك البيت ؟ كلمات يسوع حيراهما ونقلهما من مستوى الأنسان الى مستوى الله . من واقع عائلي ضيّق ، الى رسالة ألهية لم تكشف للعالم بعد . ومن هنا حارت الأم المتأثرة دون أن تفهم بأن يسوع نقلهما بسرعة الى مستوى الحياة الألهية . جواب يسوع لمريم كان بمثابة أمتحان لأيمان مريم ويوسف فنقلهما من عالم المادة ، الى عالم الأرواح ، من الأرضيات الى السماويات . لقد انطلق يسوع من عالم الناس ليصل بسامعيه الى عالم الله .عاشت مريم هذا الحادث كأختبار قاس وتجربة مريرة ، لكنها فهمت أن أبنها بدأ ينفصل عنها لأنها تعلم بأن رسالته ألهية وأنه ليس أبن البشر ، بل هو أبن الله ومخلص العالم . |
|