طريق الوصول الى درجة القداسة ليس عسيراً ، بل يحتاج الى جهاد مع النفس وملذات الجسد ومع العالم ومغرياته ، وأنكار الذات من أجل المسيح الذي بذل هو الآخر نفسه من أجل خلاص بني البشر . على المؤمن المجاهد في طريق الرب أن يجابه تجارب عدو الخير لكي يصمد في طريق الخلاص الى النهاية واضعاً أمام بصيرته الهدف الأسمى وهو الأكليل الأبدي الذي وعد به الرب للمؤمنين به والعاملين بوصاياه .
قال الرب يسوع لملاك كنيسة فلاديفيا ( تمسك بما عندك لئلا يأخذ أحد إكليلك ) " رؤ 11:3 " .وما هي تلك الأكاليل المتنوعة ، وكيف يصفها الكتاب ؟ لنركز على أقوال الرب في سفر الرؤيا الذي هو خاتمة الكتاب المقدس، فيه يتحدث عن الأكاليل وأنواعها والمكافئات المتنوعة التي ستعطى للكاملين المنتصرين : -
1- إكليل البر : هو الأكليل التي تهلل له الرسول بولس بسبب جهاده المستمر في حياته الزمنية ، فقال ( قد جاهدت الجهاد الحسن ، أكملت السعي ، حفظت الأيمان . وأخيراً قد وضع لي أكليل البر ، ..) " 2 تي 4: 7-8 " . فالذي يكلل بأكليل البر يصير مثل الملائكة فتنقطع علاقته بالخطيئة ، بل يكرهها فلا يمكن أن يسقط بها ويتحرر من عبوديتها ، لأن الخليقة بنظر القديس ستعتق وتزول من ذاكرته " رو 21:8" .
2- أكليل الحياة : هو الأكليل الذي وعد به يسوع له المجد ملاك كنيسة سميرنا حينما قال له ( كن أميناً الى الموت سأعطيك أكليل الحياة ) " رؤ 10:2 " .
المقصود بأكليل الحياة هو أن يحيا المنتصر الى الأبد في الرب . لأن الموت سينتهي ، كما قيل ( آخر عدو يبطل هو الموت ) " 1قو 26:15 " فأكليل الحياة يعني الحياة الأبدية مع الله وفي الله ، لأن ( فيه كانت الحياة ) " يو 4:1 " وهو الذي قال ( أنا هو القيامة والحياة من آمن بي وإن مات فسيحيا ) " يو 25:11 " . لهذا قال الرسول ( لي الحياة في المسيح ) " في 21:1 " وكذلك قال ( المسيح يحيا فيّ ) " غل 20:2 " لهذا يقول معلمنا يعقوب ( طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة ، لأنه إذ تزكى ينال " أكليل الحياة " الذي وعد به الرب للذين يحبونه ) " يع 12:1 " . أكليل الحياة إذاً هو للذين يحبون الرب ، ويعيشون لأجله .
3- إكليل المجد : يقول المزمور 8 ، وعب 2 ( بالمجد والكرامة كللته ، وعلى أعمال يديك أقمته . أخضعت كل شىء تحت قدميه ) . أي أن الله خلق الأنسان للمجد وجعله على صورته . وهكذا من ينال هذا الأكليل سيرد له الرب رتبته الأولى الممجدة وكرامته التي فقدها بسبب الخطية . هذا ما سيعطيه الله للكاملين (... الرب يعطي نِعمة ومجداً ولا يمنع الخيرات عن الساكنين بالكمال ) " مز11:84 " وهذا ما قاله الرب يسوع لله الآب عن هؤلاء الكاملين والمنتصرين ( وأنا أعطيكم المجد الذي أعطيتني ) " يو 22:17 " .
4- أكليل البهاء : الله يجعل بهائه على الأنسان التائب والسائر في طريق الجهاد والنصرة والأستشهاد . قال الرب للخاطئة أورشليم ، في عمل نعمته معها (... ووضعت أكليل جمال على رأسك . فتزينت بالذهب والفضة ... وخرج لك اسمٌ في الأمم لجمالك ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليك يقول السيد الرب ) " حز16: 12-14 " .
5- أكاليل أخرى ومكافئات متنوعة وعد بها الرب للذين غلبوا العالم وملذات الجسد وغلبوا على مكائد المجرب لأنهم سلكوا طريق البر فوصلوا الى الكمال الملىء بالخيرات الأبدية ( الرب لا يمنع الخيرات عن السالكين بالكمال ) " مز 11:84" وهكذا أكد لنا الرب قائلاً ( السالك بالكمال يخلص ) " أم 18:28" .
6- أكليل الشوك وأخيراً علينا أن لا ننسى أكليل الشوك الذي لبسه الرب يسوع في ساعاته الأخيرة " مر 17:15 " وبواسطة هذا الأكليل يمنحنا الأكاليل الأخرى . أن كنا مستحقين بأكمال الطريق في خوف ورعدة ولقد سار في هذا الطريق الشائك رجال كاملون في الأيمان وقداسة وكمال .
لقد سار في ذلك الطريق رجال كاملون في الأيمان في العهدين القديم والحديث . فأخنوخ كان كاملاً لهذا رفعه الله اليه . ونوح كان كاملاً كما كتب عنه ( كان نوح رجلاً كاملاً في أجياله ، وسار نوح مع الله ) " تك 9:6 " ويعقوب أبو الآباء كُتِبَ عنه ( وكان عيسو إنساناً يعرف الصيد ، إنسان البرية . ويعقوب إنساناً كاملاً يسكن الخيام ) " تك 27:25 " .
كان يعقوب يرمز الى الأنسان الروحي الذي يتعقب الكل لأجل أقتناء الأبديات . أنه الأنسان الذي صارع وجاهد من أجل الوصول الى الكمال .
أيوب الصديق : الذجل الذي عاش في أرض عوص ، كتب عنه ( وكان الرجل أيوب كاملاً ومستقيماً يتقي الله ويحيد عن الشر ) " أي 1:1 " .
وأبينا داود ، كتب لنا ( أما أنا فبكمالي أسلك .. ) " مز 11:26 " وكذلك قال ( أسلك في كمال قلبي في وسط بيتي ) " مز 2:101" .
أما العهد الجديد فشهد لداود أيضاً ، فكتب عنه ( وجدت داود بن يس رجلاً حسب قلبي الذي سيصنع كل مشيئتي ) " أع 22:13 "
وقال القديس بولس الرسول ( قد جاهدت الجهاد الحسن ... وأخيراً قد وضع لي أكليل البر الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل ) " 2 تي 4: 7-8"