يتعلق الطب النفسي الشرعي بتطبيق المعرفة والخبرة في مجال الطب النفسي على القضايا التي تتناولها المحاكم، وعلى القانون بشكل عام. ان المهمة الرئيسية للطبيب في هذا المجال هي تحضير تقرير طبي نفسي للمحكمة عن كل معتد (offender) أو متهم مصاب بالمرض النفسي، وكذلك اعطاء رأيه في كيفية العلاج . كذلك فإنه يلجأ إلى الطبيب النفسي الشرعي لابداء الرأي في كيفية التعامل مع المرضى النفسيين العدوانيين أو المضطربين جداً حتى وان لم يكن ضدهم أي شكوى أو حكم . ويعمل الأخصائي في هذا المجال في وحدات خاصة تابعة لمستشفيات الامراض النفسية أو مستشفيات متخصصة في مجال الطب الشرعي النفسي . وعادة ما يكونون اكثر اطلاعا من المحامين على القوانين المتعلقة بالجرائم والجنح التي يرتكبها مرضى نفسيون .
الجريمة والطب النفسي :
ان الدوافع النفسية موجودة في كل الجرائم تقريباً، لكن المشكلة هي أن معرفة هذه الدوافع لم تؤد الى تطبيق علاج نفسي ناجح بشكل عام . لذا أصبح ينظر الى الجريمة كظاهرة اجتماعية ويمكن تفسيرها حسب النظريات الاجتماعية بصورة أفضل من التفسير النفسي الفردي . ان تقديم تفسير طبي نفسي للجريمة لا يعطي عذراً مبرراً للقيام بها، ولا يعفي من المسؤولية القانونية كما يعتقد عامة الناس ، رغم أنه يجعل العمل الإجرامي مفهوما.
أن مهمة الطبيب النفسي تتعلق بتقييم الشخص المحول له من المحكمة والتقرير في أنه مصاب أو غير مصاب بالمرض النفسي، وليس له علاقة تقييم المسؤولية عن ما اقترفه ذلك الشخص من أعمال . والواقع ان السؤال عن ما اذا كانت ارادة الانسان حرة تماماً أم لا __ هو سؤال فلسفي حيث تدخل عوامل كثيرة في استجابتنا للاحداث ، والتي هي مزيج من العوامل الوراثية وتجارب الحياة السابقة وما نتعرض له من ضغوط في الوقت الحاضر . وان مهمة المحاكم التمييز بين أن يكون المحكوم مريضاً وفي حاجة للعلاج أو سيئاً ويستحق العقاب ، وذلك مع العلم أن السلوك الاجرامي ليس عرضا مميزا للمرض النفسي وإنما قد يكون ناتجا عن مزيج من العوامل يدخل فيها المرض النفسي وطبيعة الشخصية وصعوبات الحياة التي يواجهها وخلفية الأحداث . ومن حين لآخر لا تأخذ المحاكم بالدليل المقدم من الطبيب النفسي، خاصة اذا كان يعتمد على معلومات مقدمة من المريض نفسه فقط ، مثل انه يسمع اصواتا أو لا يسمعها ...
يُطلب اجراء تقييم نفسي عادة فيما اذا كانت الجريمة ليس لها دافع واضح ومنطقي ، وإذا كان المتهم انثى أو تضمنت الجريمة اعتداء جنسياً ، وحتى اذا لم يجد الطبيب مرضاً نفسيا فان المحكمة تستأنس بالرأي عن الحالة النفسية للمتهم .
هناك بعض جرائم يتطلب الحكم عليها وجود القصد الاجرامي (Mens rea) ووجود العمل المنافي للقانون ( actus rea ) مثل جرائم القتل والأغتصاب والحرق العمد . وهناك جرائم أو جنح لا يتطلب فيها الحكم ذلك مثل حوادث او مخالفات الطرق والتي عادة ما لا يكون فيها قصد إجرامي .
انحراف الأحداث :
نقصد بالانحراف هنا السلوك غير القانوني أو كسر القوانين، والأحداث هم بين عمر 10-21 سنة وفي بعض البلدان الى 18 سنة، والذكور اكثر اقترافا لهذا السلوك من الإناث وبنسبة كبيرة .
الاسباب :
تدخل في انحراف الاحداث اسباب متعددة ، فبعض هؤلاء الاحداث يعانون من اضطراب في تكوين شخصيتهم، لكن تهيؤ الفرص لحدوث الانحراف يبدو عاملاً أكثر أهمية. وهناك نظريات في علم الاجتماع تتبنى فكرة وجود ثقافة الانحراف في الحي أو الشارع أو بين جماعات على هامش المجتمع وضغط الامثال ، أي الأفراد المتماثلين في السن أو الوضع الإجتماعي (peer pressure) واحتجاج المحرومين (have nots)، والإقامة في المدن الكبيرة والمدارس السيئة . كما أن هناك دليلاً على تأثير الوصم أي ان من تحكم عليهم المحاكم يصبحون أكثر ميلاً للاستمرار في الإنحراف من الذين لم يقبض عليهم ويحكموا .
مصير الاحداث المنحرفين:
تدل الدراسات على أن 28% من هؤلاء يصبحون بعد كبرهم من أصحاب الشخصية السيكوباثية أو المضادة للمجتمع ، مقارنة مع 2% فقط من الاحداث غير المنحرفين ، وعادة يتوقف 50% منهم عن الانحراف عند بلوغهم 19سنة . أما النصف الآخر فيكونون ممن يسيؤون استعمال الكحول والادوية أو المواد الأخرى، أو ممن يقامرون . وشدة الانحراف مؤشر على السلوك الإجرامي في الكبر .