ظهر نحميا في المشهد وقت خراب الأمة، وضعف البقية، تمامًا مثل ما جاء المسيح إلى خاصته وقت الفشل والضعف الروحي والقومي. الصورة الأولى التي يقدمها الوحي لنحميا هي رجل يعمل بجد وأمانة في عمله الزمني، بينما قلبه مشغول بأمور الله وأحوال شعبه. والصورة المبكرة التي نراها في الكتاب عن الرب يسوع أنه عمل نجارًا في الناصرة في فترة ليست بالقصيرة، إلا أن اهتمامه الأول كان فيما لأبيه منذ صباه. نحميا معنى اسمه ”تعزية الرب“، وهل هناك تعزية أعظم من أن يأتي ”عمانوئيل“ (الله معنا) لا ليدين، بل ليكون هو «يسوع» الذي «يخلِّص شعبه من خطاياهم»؟ ( مت 1: 21 ).
انتَظَر نحميا التوقيت الإلهي للتحرك المنفرد بقوة الشركة مع الله، والرب يسوع الذي جاء في الوقت المعيَّن في ملء الزمان، انتظر توقيت الآب، وخرج للخدمة وله نحو ثلاثين عامًا. بدأ نحميا تحركه وسط الأسوار المنهدمة والأبواب المحروقة بالنار بداية من باب الوادي (الاتضاع)، ثم وصل الترميم إلى أمام باب الضأن (الذبيحة). وهذا عين ما قصده المسيح عندما جاء إلى هذا العالم، فقد أتى متضعًا «أخلى نفسه» كمقدمة حتمية لإتمام المقاصد الأزلية والمشيئة الإلهية لأن يكون هو ”الذبيح الأعظم“ إذ «وضعَ نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب» ( في 2: 7 -9).
تحرُّك نحميا أثارَ غيرة مقدسة في عدد من الأتقياء، فلبُّوا دعوته للعمل والجهاد، بيد يبنون، وبالأخرى يحملون السلاح. وهذا عين ما حدث على نطاق أروع عندما بدأ المسيح يجول يصنع خيرًا (يبني)، ويشفي جميع المتسلط عليهم إبليس (ينتصر على إبليس)، فلبَّت دعوته نفوس مُخلِصة وتبعته في الخدمة. لكن نحميا واجه تهكم الأعداء بالتجاهل والاستمرار في مأموريته رافعًا شعار: «إني أنا عاملٌ عملاً عظيمًا فلا أقدر أن أنزل». ويا له من شعار انطبق حقًا وصدقًا على ربنا المعبود الذي واجه تهكم الكتبة والفريسيين وهو معلَّق على الصليب، فقد كان يعمل أعظم عمل. حتى بعد أن تحدّوه أن ينزل من على الصليب، لم يفعل.
مرَّت قرون كثيرة ولا زال ما عمله نحميا نقطة فاصلة في تاريخ شعب الله. ومرّ نحو عشرون قرنًا على عمل الصليب ولا زال ـ وسيظل ـ أعظم نقطة فارقة في تاريخ العالم كله. وقريبًا سيظهر للجميع عظمة الشخص الذي عمل العمل ذاته. له كل المجد.