فهل هذا هو تدبير الله للإنسان؟
هل خلق الله الإنسان , لهذا الاستهتار , وهذا التدهور , وهذا الانغماس في الشر ؟ هل خلقه لهذه الحياة البائسة , اليائسة , الباكية , المليئة بالأشواك ؟ هل خلقه ليحيا مكافحاً في الأرض إلى بضع سنين ثم يكون مثواه الأخير التراب ؟ يقينا لا !!
فقد كان البرنامج الإلهي للإنسان يحوي كل عناصر البركة , والسعادة , والهناء والبقاء , ظهر في أول وثيقة قدمها الله للإنسان ساعة أوجده في جنة عدن
لكن الشيطان دخل في معركة مع الله , وأفسد ذلك المخلوق الساذج , الطاهر , البريء , وانتزعه من الجنة ليكون تحت سيطرته في العالم الذي دفعه الله إلى يديه , وقاده إلى الموت لأنه سلطان الموت
فهل يرضى الله أن يترك خليقته فريسة سائغة بين براثن الشيطان ؟
هل يرضى بأن يلاشى الشيطان برنامجه الرائع الجميل الذي رتبه للإنسان ؟
أعود مؤكداً : يقيناً لا !!
إذن كيف يستطيع الله أن يعيد الإنسان إلى المركز الذي أراده له في برنامجه العظيم ؟
كيف يستطيع أن يغفر للإنسان بعد أن عصاه ؟ أن يهبه الحياة بعد أن أوقع عليه عقوبة الموت ؟ أن يرجعه إلى الفردوس المردود , بعد أن ضاع فردوسه المفقود ؟
كيف يستطيع أن يشتريه لنفسه من جديد , بعد أن رضى باختياره أن يبيع نفسه للشيطان ؟
كيف يمكن أن يهبه طبيعة جديدة بعد أن فسدت طبيعته الأولى ؟ وأن يعيد شركته معه بعد أن الخطية بينه وبينه؟! وأن يريه في صورة مجسمة شناعة تعديه ؟
إن عدالة الله تطالبه بتنفيذ القصاص الرهيب !
ورحمة الله تناديه بأن يرحم خلقه وهو أرحم الراحمين !
فكيف يوفق الله بين عدله ورحمته ؟
كيف يوفق بين قداسته ومحبته ؟
كيف ينقذ الإنسان الساقط الذي تمرد على وصيته ؟
هنا فقط تظهر ضرورة الصليب , وهنا لابد أن يأتي المسيح ويصلب وهنا نستطيع أن نفهم كلمات الرسول الجليل ((نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما للمدعوين يهوداً ويونانيين فبالمسيح قوة الله وحكمة الله)) 1 كورنثوس 23:1 و 24.