الله المثلث الأقانيم
يظهر الله في الكتاب المقدس إلهاً مثلث الأقانيم أي ثالوثاً. إن كلمة الثالوث في الأسفار المقدسة فقد استعملها ترتوليانس في القرن الثاني ليظهر حقيقة الله في ثلاثة أقانيم. إن الثالوث هو من أعظم الأسرار إطلاقاً ولم نكن لنعرفه لو لم يعلن في الأسفار المقدسة. هذا التعليم لمّح إليه العهد القديم وظهر جلياً في العهد الجديد. وهناك حقيقتان ضمنيتان في الثالوث.
1. إله واحد
هذه الحقيقة مذكورة عدة مرات في الكتاب المقدس: "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا إله واحد" (تثنيه 4:6). "هكذا يقول الرب ملك إسرائيل وفاديه رب الجنود. أنا الأول وأنا الآخر ولا إله غيري" (أشعيا 6:44). "نعلم أن ليس وثن في العالم وأن ليس إلا واحداً" (1 كورنثوس 4:8) وهكذا فالتعليم القائل بالتثليث لا يعني أن لنا ثلاثة آلهة.
2. في ثلاثة أقانيم
إن الله الواحد موجود ، ويظهر ذاته بطريقة مثلثة: الآب والابن والروح القدس. فمن أجل تعبير أفضل وأوضح نقول بثلاثة أقانيم في اللاهوت. هؤلاء الثلاثة واحد في الجوهر متميزون بشخصياتهم.
إن أياً من هذه الأقانيم الثلاثة في الله لا يعمل منفرداً عن الأقنومين الآخرين. ومع ذلك فقد كان هناك ثلاثة مظاهر لمعاملة الله للجنس البشري
(1) الآب. لدينا القصة الجزئية لظهوره في العهد القديم. كما كان هناك ظهورات خاصة للروح القدس وربما للابن أيضاً في شخص "ملاك الرب" ولكنه كان دائماً "الرب الإله" الذي يتعامل مباشرة مع الجنس البشري. هذا الظهور تميز بثلاث وجهات.
أولاً، كان الله غير منظور لا يستطيع البشر رؤيته. كما أنه كان يرسل بين الحين والآخر ملائكة لمخاطبة البشر ولكنه لم يسمح لإنسان قط أن يرى الله ذاته. التمس موسى هذا الامتياز، ولكن كل ما منحه الرب كان أن يقف في ثغرة في الصخرة ويرى مجد الله مجتازاً (خروج 18:33-23). كما نقرأ في يوحنا 18:1 ما نصه "الله لم يره أحد قط".
ثانياً، لم يقترب الله من الإنسان بل كان يتعامل معه عن بعد. حل على رأس الجبل متحجباً بالغيوم والدخان، وخاطب موسى. أما فيما يتعلق بالشعب كمجموعة فقد قال "احترزوا من أن تصعدوا إلى الجبل أو تمسوا طرفه، كل من يمس الجبل يقتل قتلاً" (خروج 12:19).
وعندما بنيت خيمة الاجتماع وعد الله بأن يكون في قدس الأقداس ولم يسمح لأحد غير رئيس الكهنة بالدخول إليه،وحتى هذا الامتياز لم يمنح له أكثر من مرة واحدة في السنة.
ثالثا، قداسة الله كانت المزية الإلهية المشدد عليها. فقد قال مرنم المزامير "يحمدون اسمك العظيم والمهوب. قدوس هو" (مزمور3:99). وكما قال في مكان آخر "علوا الرب إلهنا واسجدوا عند موطئ قدميه. قدوس هو" (مزمور5:99). وفي رؤيا أشعيا للرب في الهيكل سمع السرافيم يرتلون" قدوس قدوس قدوس رب الجنود" (أشعيا 3:6).
(2) الابن. إن لنا في الأناجيل الأربعة سجلاً وافياً. ففي هذه المرة الله الابن هو الذي يتعامل مع الناس مباشرة. كما أن هذه الفترة موسومة بمظاهر ثلاثة أيضاً.
أولا، بمجيء المسيح وجد الناس إلهاً منظوراً، إلهاً باستطاعتهم أن يروه. فقد قال يسوع لتلاميذه "الذي رآني فقد رأى الأب" (يوحنا9:14). كما نجد في يوحنا 18:1 هذه الكلمات "الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر". وهكذا نرى أن الله الغير منظور قد أصبح منظوراً في المسيح يسوع.
ثانياً، اقترب الله من الإنسان. إنه في شخص ابنه قد انحدر من على السحب ليقترب إلى الناس ويلتصق بهم. "والكلمة صار جسداً وحل بيننا ورأينا مجده مجداً كما لوحيد من الآب مملوءاً نعمة وحقاً" (يوحنا 14:1). فبالمسيح يسوع حلّ الله وساكن البشر وخاطبهم وجها لوجه.
ثالثاً، لقد ازدادت محبة الله وضوحاً. كما أن أجمل ما قيل في هذه الفترة هم في انجيل يوحنا 16:3 "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد". إن الله، ذا الاسم العظيم الرهيب كما وصفه مرنم المزامير، أصبح أباً محباً لأبنائه المؤمنين.
(3) الروح القدس. هذا الظهور ابتدأ بالحوادث التي سُجّلت في سفر الرسل في الأصحاح الثاني وظل مستمراً إلى يومنا هذا. عندما كان يسوع يخاطب تلاميذه بخصوص مغادرته للأرض قال "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزياً آخر ليمكث معكم إلى الأبد روح الحق" (يوحنا 16:14 – 17).
لقد اقترب الله أكثر إلى أبنائه في شخص الروح القدس. إنه لا يمكث معهم فقط ولكنه يسكن فيهم. "لأنه ماكث معكم ويكون فيكم" (يوحنا 17:14). بالروح أصبحت قوة الله ظاهرة. فقد قال الرب المقام لتلاميذه "أنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم" (أعمال 8:1).