مفتاح العهد الجديد (66) .. أعمال الرسل ورسائل بولس الرسول والرسائل الجامعة وسفر الرؤيا
كتاب لقداسة البابا تواضروس الثاني كتب في فترة حبريته أسقفا عاما للبحيرة
٢٠ يونيو ٢٠١٥
مدخل دراسي للإنجيل د-حواجز ثقافية أو حضارية:بربري وسكيثي:
يمثل هذا الحاجز الذي ذكره بولس الرسول وهوبربري وسكيثي انقساما ثقافيا في عالم القرن الأول المسيحي.كان الشعب اليوناني يفتخر بلغته وثقافته,وكان يري أن اللغة اليونانية لها وقع موسيقي علي الآذان,أما بقية لغات الأرض فهي لغات من الدرجة الثانية,وأن مجرد سماعها كان كفيلا بأن يؤذي الآذان أو يصيبها بالصم,وقد وصف اليونانيون كل من لايتكلم اللغة اليونانية أو لايتثقف بالثقافة اليونانية أنهبربري وهكذا صارت كلمةبربري بمعني همجي أومتخلف وأصبحت هذه الكلمة تطلق علي الشعوب غير المتحضرة أما الكلمة الأخري التي ذكرها بولس الرسول وهي سكيثي فهي لاتمثل المعني المضاد لكلمةبربري ولكنها تعنيقمة البربرية,فالسكيثيون هم أسوأ البرابرة.
كان السكيثيون قد هاجروا من وسط آسيا إلي جنوب روسيا بين عامي (800-600ق.م) ومن هناك تحركوا جنوبا حتي حدود مملكة إسرائيل.وقد حاولوا الوصول إلي حدود مصر,ولكن فرعون مصربسماتيك الأول دفع لهم جزية حتي لايهاجموا أراضيه(عام611ق.م) فانسحبوا شمالا حيث ظلوا القوة المسيطرة في شمال غرب البحر الأسود حتي عام(350ق.م).
اشتهر السكيثيون بمهارتهم في ركوب الخيل وأعمال الفروسية,وكانوا ينقضون علي المدن في هجمات فجائية اتسمت بأعمال النهب والتخريب.وقد وصفهم المؤرخ اليوناني هيرودت أنهم كانوا يشربون دم أول ضحاياهم في الحروب:وكانوا يصنعون الأكواب والكؤوس من جماجم قتلاهم.وكان لهم عادات سيئة فهم لا يغتسلون بالماء علي الإطلاق(تاريخ 4:75) أما المؤرخ اليهودي يوسيفوس فقد أقر أن السكيثيين متعطشون لقتل الناس,وهم يعتبرون أفضل قليلا من الوحوش الضارية(ضد الأبيوثنيين2:269).
وفي القرن الأول المسيحي كان قد مر علي غزو السكيثيين للمنطقة سنوات طوال ومع ذلك فإن اليهود لم ينسوا علي الإطلاق الأسلوب الوحشي للسكيثيين,وصارت كلمةسكيثي عندهم تشير إلي من يسلك سلوكا وحشيا غير آدمي.وقد أوضح بولس الرسول أن في المسيح يسوع ليس هناك متعلم وجاهل أو متحضر وهمجي بل المسيح هو الكل في الكل لذلك قال صراحة:إني مديون لليونانيين والبرابرة للحكماء والجهلاء…لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن(رو1:14, 16).بل لقد تقدم خطوة أخري وأعلن أن الله لم يعتمد علي الحكماء والمتحضرين في نشر الكرازة بلاختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء.واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء واختار الله أدنياء لعالم والمزدري وغير الموجود ليبطل الموجود لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه(1كو1:27-29).
هـ -حواجز اجتماعية:عبيد وأحرار:
كان من أهم الحواجز في القرن الأول هو الحاجز الاجتماعي أو الطبقي وقد أشار بولس الرسول إليه بقولهعبد وحر فقد كان المجتمع ينقسم إلي عبيد وأحرار.
فعندما أخضعت الدولة الرومانية الدول التي حولها,ساقت كثيرا من أبنائها كأسري حرب وفي روما قامت بيبعهم كعبيد بأبخس الأثمان وكانت العائلات المحترمة تمتلك عددا كبيرا من أولئك العبيد وكان الأولاد الذين يولدون للعبيد يصيرون عبيدا بالتبعية وهكذا زاد عدد العبيد جدا في روما حتي صار عددهم أكثر من ثلث سكان المدينة.
لم يكن للعبيد أية حقوق اجتماعية:بل لم يكن يحصون في عداد البشر,بل يعدون من الممتلكات الشخصية,ولم يكن للعبد سلطان علي زوجته وأولاده بل لسيده.. نتيجة لهذه الحياة غير الإنسانية حاول الكثير من العبيد الفرار والإقامة في مدن بعيدة,وكان إذا قبض علي أحدهم فأنه يعاد إلي سيده لينال هناك عقابا قاسيا,وهكذا تواجهت الكنيسة الأولي مع هذا الوضع الاجتماعي المعقد فقد آمن بالمسيح كل من العبيد وأسيادهم,وأصبحوا جميعا يمثلون جسد المسيح الواحد وأعضاء في نفس الكنيسة.وقد لخص القديس بولس الرسول عقيدة الكنيسة الأولي تجاه هذه المشكلة في قصة أنسيمس العبد الهارب من سيده فليمون كتب بولس إلي فليمون قائلالي ثقة كبيرة أن آمرك بما يليق…أطلب إليك لأجل ابني أنسيمس…الذي رددته فاقبله,الذي هو أحشائي…لكي يكون لك إلي الأبدلا كعبد فيما بعد بل أفضل من عبد أخا محبوبا ولاسيما إلي فكم بالحري إليك في الجسد والرب جميعا(رسالة فليمون).
والخلاصة:
لقد دخلت الكنيسة في عالم منقسم,ومن ثم حاولت أن تعيد للمجتمع وحدته,ولم تحاول أن تؤسس هذه الوحدة علي أسس سياسية أو عن طريق ثورات عسكرية بل أقامت وحدتها علي العلاقة الشخصية بالرب يسوع المسيح يقول القديس بولس الرسول:لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح:ليس يهودي ولا يوناني.ليس عبد ولا حر.ليس ذكر وأنثي,لأنكم جميعا واحد في المسيح(غل3:27, 28).