القديس نيقولاوس الأسقف الصانع العجائب
تحتفل كنيستنا الأرثوذوكسية بعيد القديس نيقولاوس العجائبي في يوم 6 ديسمبر وقد امتدت شهرة هذا القديس المحب للأطفال فهو سانت كلوز والشهير ببابا نويل الذي يزور الأطفال ويترك لهم الهدايا ليلة عيد الميلاد.
ولادته ونشأته:
ولد القديس نيقولاوس سنة 262م في مدينة مورا أو باتارا Patara بليكيا Lycia إحدى مقاطعات آسيا الصغرى، وكانت ميرا Myra العاصمة قريبة من البحر، وهي مقر كرسي أسقفي.
اسم أبيه أبيفانيوس وأمه تونة، وقد جمعا إلى جانب الغنى الكثير مخافة الرب، ولم يكن لهما ولد. ولما شاخا تحنن الله عليهما ورزقهما هذا القديس الذي امتلأ بالنعمة الإلهية منذ طفولته. ربّياه والداه تربية حسنة، ونشأ تحت رعاية الكنيسة في نقاوة القلب. وفي سن الخامسة بدأ يتعلم العلوم الكنسية، ويومًا بعد يوم أضاءت تعاليم الكنيسة عقله وحمَّسته إلى التدين السليم.
وعندما بلغ سن الكفاءة للتعليم سلمه أبواه الشريفان وعمه الأرشمندريت نيقولاوس إلى معلم خاص فتلقن الشاب الصغير العلوم المختلفة ونبغ فيها وفي تلقيه لهذه العلوم أظهر من النجابة ما دلَّ على أن الروح القدس كان يلهمه أكثر مما كان يتلقى من المعلم.
ولما لمع أكثر في الفضائل قدمه والداه وعمه إلى الكنيسة وسلموه لرئيس الكهنة ليكون عارية للرب مثل صموئيل النبي فرسم شماسًا.
رهبنته:
ترهب في دير كان ابن عمه رئيسًا عليه، فعاش حياة النسك والجهاد والفضيلة حتى رُسِم قسًا وهو في التاسعة عشر من عمره. وأعطاه الله نعمة عمل الآيات ومنها إخراج الشياطين وشفاء المرضى، وكان يبارك في الخبز القليل فيشبع منه عددًا كبيرًا.
زهده ومحبته:
لقد كان القديس نيقولاوس زاهدًا في المال منذ حداثته فلما توفي والداه تاركين له أموالاً وثروة، قرر أن يكرّس ميراثه في أعمال الرحمة. فلما سمع أن أحد رجال باتارا فقد كل أمواله لدرجة أنه لم يجد ما يقتات به أو ما يزوج به بناته الثلاث بسبب فقره، فنوى الرجل البائس أن يسلمهن لأعمال الدعارة.
فأخذ القديس نيقولاوس مائة دينار وجعلها في كيس وتحت ستار الظلام ألقاه من شباك منزل الرجل، الذي لما انتبه من نومه ووجد الكيس، فرح كثيرًا وزوَّج بهذا المال ابنته الكبرى.
ثم كرر القديس نيقولاوس نفس الأمر مع الابنة الثانيةعندما سمع بقرب زواجها. ولما جاء دور الابنة الثالثة اراد الأب أن يتعرَّف على شخصية هذا الرجل البار. فلبث ساهرًا في هذه المرة وحالما شعر بسقوط الكيس وسط منزله لم يأخذه بل أسرع إلى خارج البيت ليرى من الذي ألقاه فعرف أنه القديس نيقولاوس، فخرَّ عند قدميه وشكره كثيرًا لأنه أنقذ فتياته من الفقر والمذلة.
اختياره للأسقفية:
كان القديس نيقولاوس منذ حداثته مملوءًا من النعمة والقداسة ونقاوة القلب، فصارت تغمره روحانية وشفافية، فكان يرى رؤى سماوية ويكشف له الله عن أسرار وأمور كثيرة ومن هذه الأمور دعوته للأسقفية.
فقبل انتخابه لرتبة الأسقفية رأى ذات ليلة في حلم كرسيًا عظيمًا وحلة بهية موضوعة عليه وإنسانًا يقول له: ” البس هذه الحلة وأجلس على هذا الكرسي “. وفي ليلة أخرى رأى السيدة العذراء تناوله بعضًا من ملابس الكهنوت والسيد المسيح يناوله الإنجيل.
ولما تنيّح أسقف مورا اجتمع الإكليروس والشعب لاختيار الأسقف الجديد. فظهر ملاك الرب لرئيس الأساقفة في حلم وأعلمه بأن المختار لهذه الرتبة هو نيقولاوس، وعرَّفه عليه. ولما استيقظ أخبر الأساقفة بما رأى فصدقوا كلهم الرؤيا وعلموا أنها من السيد المسيح، ثم أخذوا القديس ورسموه أسقفًا على مورا.
اشتهر الأسقف القديس نيقولاوس بقداسته وغيرته وصنع الله على يديه الكثير من المعجزات واخرج الله بصلاته الكثير من الشياطين.
احتماله الآلام من أجل الإيمان:
ملك دقلديانوس سنة 284م وامر بعبادة الأوثان ثم أثار اضطهادًا شرسًا على الكنيسة ولما قبض على جماعة من المؤمنين، كان القديس نيقولاوس يُعتَبر رئيس المسيحيين في المدينة وكان يعظ ويعلم الشعب عن حقائق الإيمان بكل شجاعة، فقبض عليه الوالي هو أيضًا وعذبه كثيرًا لعدة سنين، وكان السيد المسيح يخرجه من العذاب سالمًا ليكون غصنًا كبيرًا في شجرة الإيمان.
ولما ضجر منه الوالي ألقاه في السجن، فكان وهو في السجن يكتب إلى رعيته ويشجعهم ويثبتهم. ولم يزل في السجن إلى أن مات دقلديانوس.
وحين مَلَك الإمبراطور قسطنطين البار أطلق سراح المسجونين ومن بينهم القديس نيقولاوس الذي عاد إلى كرسيه في ميرا.
ولما خرج من السجن أخذ مواقف حاسمة ضد الوثنية. فدمر معبد أرطاميس، وهو المعبد الرئيسي في المنطقة، وخرجت الأرواح الشريرة هربًا من أمام وجه القديس.
القديس في مجمع نيقية:
ويقول القديس ميثوديوس Methodius أنه بسبب تعاليم القديس نيقولاوس كان كرسي ميرا هو الوحيد الذي لم يتأثر ببدعة أريوس.
ولما أنعقد مجمع نيقية بأمر الملك قسطنطين لمحاكمة أريوس، كان القديس نيقولاوس واحدًا من أعضائه والذين قاموا بوضع قانون الإيمان من بدايته حتى عبارة نؤمن بالروح القدس ). اهتمامه برعيته:
من القصص التي تُروَى عن اهتمام القديس برعيته أن الحاكم يوستاثيوس Eustathius أخذ رشوة ليحكم على ثلاثة رجال أبرياء بالقتل. وفي وقت تنفيذ الحكم حضر القديس نيقولاوس إلى المكان وبمعجزة شلَّ يد السياف وأطلق سراح الرجال. ثم التفت إلى يوستاثيوس وحرَّكه للاعتراف بجريمته وتوبته. وكان حاضرًا هذا الحدث ثلاثة من ضباط الإمبراطور كانوا في طريقهم إلى مهمة رسمية في فريجية Phrygia ، وحين عادوا إلى القسطنطينية حكم عليهم الإمبراطور قسطنطين بالموت بسبب وشاية كاذبة من أحد الحاقدين.
تذكَّر الضباط ما سبق أن شاهدوه في ميرا من قوة حب وعدالة أسقفها، فصلّوا إلى الله لكي بشفاعة هذا الأسقف ينجون من الموت. في تلك الليلة ظهر القديس نيقولاوس للإمبراطور قسطنطين وتوعده في حالة عدم اطلاق سراح الأبرياء الثلاثة.
في الصباح أرسل واستدعاهم للتحقيق معهم، وحين سمع أنهم تشفعوا بالقديس نيقولاوس الذي ظهر له، أطلق سراحهم في الحال وأرسلهم برسالة إليه قائلاً:” لقد فعلنا كما امرتنا فلا تعود تهددنا بل صلي من أجلنا “.وقد ظلت هذه القصة لمدة طويلة من أشهر معجزات القديس نيقولاوس.
نياحته:
بعد أن جاهد القديس نيقولاوس عشرات السنين في الفضائل الروحية واحتمال الآلام والإضطهادات والسجن من أجل الإيمان، أخذ جسده النحيل يضعف وانهكه الجهاد والنسك، وتقدمت به الشيخوخة وكان قد قارب الثمانين سنة قضى منها حوالي أربعين سنة أسقفًا. فلما أكمل سعيه انتقل إلى الرب في سنة 342م ودفن في كاتدرائية ميرا، بعد أن سبق الرب وأعلمه بيوم انتقاله.
سانتا كلوز:
يعرف القديس في الغرب باسم القديس نيقولاوس العجائبي وذلك بسبب تلك المعجزات الكثيرة التي جرت
باسمه في حياته أو بعد نياحته وكان الكثيرون يتخذونه شفيعًا لهم، وكان القديس نيقولاوس مشهورًا بأنه صديق الأطفال وشفيعهم، وأنه يمنح الهبات لهم في يوم عيد الميلاد المجيد، وهذا هو السبب في ارتباط اسمه بسانت كلوز St. Clous أو مايطلق عليه بين الأطفال بابا نويل.
أصبح ذلك تقليدًا بين المسيحين في ألمانيا وسويسرا وهولندا حيث يتبادلون الهدايا باسمه في عيد الميلاد المجيد.