هذا الحِل ظاهر في إقامة الرب يسوع المسيح القيامة والحياة للعازر الميت الذي قال له لعازر هلما خارجاً: [ فخرج الميت ويداه ورجلاه مربوطات بأقمطة ووجهه ملفوف بمنديل، فقال لهم يسوع حلوه ودعوه يذهب ] (يوحنا 11: 44)، فالمسيح الرب هو الذي يُقيم النفس أولاً قبل أن تُزال عنها كل الأقمطة الملفوفة فيها، والكنيسة تفحص النفس في التوبة وتراها هل هي قائمة بقوة الله، أم لازالت ميته في شهواتها غير تائبة، فالكنيسة تؤكد على قول الرب وتختم عليه لتدخل هذه النفس في شركة الجسد الواحد، وعموماً هذا الغفران وإقامة النفس من قبر الشهوة الذي فيه أنتنت وفاحت رائحة الموت منها وانفكاكها من رباطات أكفان الشر، والتي تُمارسه الكنيسة للخطاة التائبين أي الذين أقامهم الرب من الموت، هو الإمكانية الجديدة المُعطاة للخليقة الجديدة في المسيح في العهد الجديد، بخلاف ما كان سائداً في العهد القديم، لأن اليهود لم يتعودوا أن يروا إنساناً يغفر الخطايا، لكن [ ابن الإنسان أُعطي سلطان على الأرض أن يغفر الخطايا ] (متى9: 6)، وهو الذي أعطى الكنيسة سلطاناً مثل هذا (متى 9: 8)، [ الحق الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولاً في السماء ] (متى 18: 18)، وهي بالطبع مربوطة ربطاً لما قاله الرب للتلاميذ الرسل بعد قيامته، إذ نفخ فيهم وقال لهم: [ اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تُغفر له، ومَن أمسكتم خطاياه أُمسكت ] (يوحنا 20: 22و 23)، فيأتي الغفران هنا مربوطاً بقبول الروح القدس، لأن ما يحفظ الكنيسة هو الروح القدس وصوته الحي فيها ومشورته في كل شيء وعلى الأكثر في قبولها للتائبين ومن ينضم إليها، ورفضها للمخالفين الذين في عند يرفضون التوبة أو الذين يهرطقون عن قصد ووعي ليقسموا الكنيسة أو يفسدوا الإيمان فيها فتهبط الهمم وينزل الناس لمستوى الأرضيات والتراب بسبب ضلال التعليم الذي يُأثر في حياة الناس ليضلوا الطريق ويسيروا في طريق الموت الذي حذرنا منه الرب …
فكل ما تفعله الكنيسة – في كل كبيرة وصغيرة – لا بد من أن يتم بمشورة الروح القدس: [ لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً أكثر غير هذه الأشياء الواجبة ] (أعمال 15: 28)، وعند غياب الروح القدس كل شيء يُختلط على الناس وتضطرب الكنيسة كلها ولا تعرف يمينها من شمالها ويتصرف كل واحد كما يشاء وحسب فكره ورأيه بلا ضابط أو رابط، حتى أنه ممكن أن يُغير في التسليم الرسولي والآبائي كما يشاء ويقلب الحق باطل والباطل حق، ويسير الناس وفق هواهم ليفعلوا ما يريدون ويقولوا أن هذا هو الحق والكل يصدق: [ ولأجل هذا سيرسل إليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب ] (2تسالونيكي 2: 11) [ نحن من الله، فمن يعرف الله يسمع لنا، ومن ليس من الله لا يسمع لنا، من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال ] (1يوحنا 4: 6).
ولنُلاحظ شيء مهم للغاية في قول المسيح الرب عن الاجتماع باسمه، لأن اجتماع الكنيسة شيء غير عادي أو بالشكل البسيط الذي نراه مجرد اجتماع كنسي، لأن الرب قال بنفسه وبشخصه: [ أن اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه فإنه يكون لهما من قِبَل أبي الذي في السموات، لأنه حيثما اجتمع أثنان أو ثلاثة باسمي فهُناك أكون في وسطهم ] (متى 18: 19و 20)، فباسمي هنا تأتي إعلان للحضرة الإلهية [ أكون في وسطهم ]، لذلك مكتوب: [ أُخبر باسمك إخوتي، في وسط الجماعة أُسبحك ] (مزمور 22: 22)، [ قائلاً أُخبر باسمك إخوتي وفي وسط الكنيسة أُسبحك ] (عبرانيين 2: 12)، فأي اتفاق بين الإخوة الذين في الجسد الواحد اي الكنيسة حينما يجتمعون بهذا الإيمان الحي بالروح يكون لهما كل شيء باسم الرب الحاضر معهم حسب وعده، لذلك اجتماع الكنيسة لم ولن يكون بالشيء البسيط العادي، وكلنا نحتاجه، لأن حتى حل الغفران الذي يُقدم فهو بفم الكنيسة الواحدة المجتمعة، فالكاهن منفرد لا يعطي من ذاته الحل، بل باسم الثالوث وباسم الكنيسة كلها التي فوضته من قِبَل الأسقف أن يقبل المعترف ويقدم له الحِل بإفراز وتمييز باسم الجماعة كلها…
ولنلاحظ أن سلطان الحِل لا يأتي اعتباطاً أو بشكل عشوائي بل الرب أعطى له شرط فلنصغي إليه بتدقيق لأنه يوضح كل ما قرأنا منذ بداية الموضوع إلى الآن، إذ يقول : [ ومتى وقفتم تصلون فاغفروا، إن كان لكم على أحد شيء، لكي يغفر لكم أيضاً ابوكم الذي في السموات زلاتكم. وإن لم تغفروا لا يغفر أبوكم الذي في السموات زلاتكم ] (مرقس 11: 25و 26)،