هل من تثليث في القرآن؟
لا جرم ، أن القرآن ينتفض عند هذا السؤال ، ويجيب :" قل هو الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد!" . بيد أن القرآن ينفي " الأثنين" ( النحل : 51 ) ، وينفي " الثلاثة" ( النساء : 170) التي تتعارض مع وحدة الله ، مع وحدة الذات الإلهية ، مع وحدة الجوهر الفرد . ولا يفكر البتة في حياة " الحي القيوم " الداخلية ، وتفاعلها وتسلسلها . إنما هناك آية تدل على أنه إذا كان في الجوهر الإلهي الواحد بنوة لا تناقضه ، فهو يقبل بها : " قل ، إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين" ( الزخرف : 81)
وبناء عليه ، فهل يرفض القرآن إلهية الكلمة ، وإلهية الروح القدس ، إذا كانت لاهوت الجوهر الإلهي الواحد؟ هل تُراه يرفضها إذا كان الكلمة الأزلي عبارة عن الفكر الجوهري ، ثمرة القوة العاقلة في الذات الإلهية الواحدة ، وكان الروح القدس عبارة عن ثمرة الحب الجوهري في الذات الإلهية الواحدة؟ ... لا نظن. فإن لقب " الكلمة " في القرآن يحمل معناً إلهياً ، لأن الكلمة الملقى إلى مريم هو شخص له اسمه الخاص وكائن قبل إلقائه إليها ، وهذا الكلمة هو روح منه تعالى ، وروح الله ، يصدر منه ويبقى معه في كامل الوحدة الجوهرية ( النساء : 170) ولقب " الروح" الغامض بسبب تنوع مدلوله ، إذ يضيفه القرآن إلى المخلوق كما يضيفه إلى الخالق ، يتضح ويتحدد مفهومه بإسناد القدرة الخالقة إليه :" فإذا سويته ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين" ( الحجر : 29 ) ؛ " ثم سواه ونفخ فيه من روحه " ( السجدة : 6 ) . وهكذا خلق الله آدم بنفخة من هذا الروح الخلاق ، كما كون "المسيح ، كلمة الله ، وروحه " في رحم مريم بنفخة أيضاً من هذا الروح الخلاق ، بنفخته ، ليس ملاكاً ، وليس الروح المنفوخ الحاصل من الفعل بل هو روح مستقل بذاته ، يتمتع بالقدرة على الخلق ، وهو الواسطة التي بها يخلق الله ويكون ، وبها كون المسيح في مريم " روحاً من الله " . ففي تكوين عيسى في مريم يظهر ثلاثة أرواح : روح مبشر هو الملاك ، والروح النافخ ، وروح الله الملقى إلى مريم بالنفخة المكونة . وقد حمعها الإنجيل وميزها بقوله:" فأجاب الملاك( الروح المبشر) ، وقال لمريم : الروح القدس يحل عليك ( يقابل الروح النافخ) وقوة العلي تظللك ، فلذلك المولود منك (يقابل الروح الملقى) يُدعى ابن الله " ( لوقا 1 : 35) . فروح القدس مستقل عن الملاك ،وعن روح عيسى المتأنس في مريم . وهكذا فالروح في القرآن والإنجيل يحمل معناً إلهياً . ومن ثم ففي القرآن تثليث يتألف من ، الله ، والروح أو روح القدس ، والكلمة ؛ ونكون كافرين إذا جعلنا هذا التثليث خارجاً عن التوحيد ، ونكون في الصراط المستقيم إذا كان تفسيراً لحياة " الحي القيوم" متفاعلة متسلسلة ، ولا إله إلا هو