رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
التهور في الحب _ أوريجانوس التهور في الحب (لا تكن باراً بإفراط) العلامة أوريجانوس حتى الحب ينطوي على مخاطر إذا كان مبالغا فيه. إن كان أحد ما يحب شخص الآخر يجب عليه أن يراعي طبيعة وأسباب محبته، ولا يحب ذلك الشخص أكثر مما يستحق. لأنه إذا تجاوز حد ومقياس المحبة، يكون كلاهما المُحب والمحبوب على خطأ. لكي نوضح هذا الأمر أكثر، يمكننا أن نأخذ يوحنا المعمدان كمثال. لقد بجله الناس وأحبوه. وكان يوحنا بالفعل جديراً بالإعجاب والدهشة. وقدموا له الإحترام أكثر من بقية الناس، لأنه عاش بشكل متميز عن سائر البشر. لا يوجد بيننا من هو قانع بطعام بسيط بل نطلب التمتع بمجموعة متنوعة من الطعام، ونوع واحد من الخمر لا يكفينا بل نشتري خمور بمذاقات مختلفة. لكن يوحنا كان دائماً يأكل الجراد وعسل البرية. كان قانعاً بطعام بسيط وخفيف لئلا يسمن جسمه من جراء الصحون المترفة اللذيذة فينهزم بواسطة الولائم المعَّدة بعناية. هذه هي طبيعة أجسادنا، فالطعام الزائد يثقلها، وعندما يتثقل الجسد تنحني الروح أيضاً، لأن الروح منتشرة في جميع أنحاء الجسم كله، وخاضعة لأهواء الجسد. لذلك الذين يلاحظونها يُنصَّحون بحق: "حسن أن لا تأكل لحماً ولا تشرب خمراً ولا شيئاً يصطدم به أخوك أو يعثر" (رو 14: 21). هكذا نرى كيف كانت حياة يوحنا جديرة بالإعجاب ومتميزة في إسلوبها عن بقية الناس. لم يكن لديه أي مال أو خادم أو حتى كوخ بسيط. لقد سكن البراري ليس فقط "إلى يوم ظهوره لإسرائيل" (لو 1: 80)، بل أيضاً في الوقت الذي كان يكرز فيه بالتوبة للشعب، إذ أقام في برية اليهودية. وكان يشرب الماء فقط، فحتى في شرابه كان مختلفاً عن بقية اناس. نحن نعيش في مدن ونقيم في وسط الناس. ونبحث عن الملابس الأنيقة والطعام والمساكن، لكن يوحنا كان يعيش في الصحراء. أتلاحظ أي نوع من الثياب كان يرتدي، لقد صنع رداءً من وبر الإبل، وكان يشدَّ حقوية بمنطقة من جلد (مت 3). فكل شيء متعلق به كان جديداً. ولأن حياته هكذا كانت مختلفة جداً كل من رآه أُعجب به. ولأنهم أعجبوا به أكثر من أي أحد آخر كانوا يبجلوه بورع، خاصة لأنه كان يُعمِّد التائبين لمغفرة الخطايا (لو 3:3). لهذا السبب، أحبوه بإستحقاق إلى حد بعيد، لكنهم لم يبقوا على محبتهم في نطاق الحدود السليمة، إذ أنهم إستمروا في التعجب والتسائل: "لعلَّهُ المسيح" (لو 3). يحذر الرسول بولس من المحبة الجامحة غير العاقلة، عندما قال عن نفسه: "ولكني أتحاشى لئلا يظن أحد من جهتي فوق ما يراني أو يسمع مني، ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات .. إلخ" (2 كو 12). بولس خاف لئلا يقع هو ذاته في هذا الخطأ، لذلك لم يكن راغباً في ذكر كل شيء عن نفسه. كان لا يريد أن يظن أحد فيه أكثر مما يرى، أو يتجاوز حدود التكريم، فيقال عليه كما قيل عن يوحنا المعمدان "أنه كان المسيح". بعض الناس قالوا هذا حتى عن دوسيثيوس المهرطق السامري، وآخرين قالوا هذا عن يهوذا الجليلي. فبعض الناس يندفعون إلى مثل هذا التهور الشديد في الحب لدرجة أنهم يخترعون مبالغات جديدة لم تسمع من قبل عن بولس. إذ أن البعض يقولون أن المقطع الذي في الإنجيل الذي يتكلم عن الجلوس عن يمين المخلص ويساره في الملكوت (مت 20) يخص بولس وماركيون: بولس يجلس عن يمينه وماركيون عن يساره. وآخرون يقرأون الآية التي تقول: "وأنا أطلب من الآب فيعطيكم مُعزياً آخر .. روح الحق" (يو 14)، وإذ أنهم غير راغبين على فهم أنها تخص أقنوم ثالث بجانب الآب والابن، أي طبيعة إلهية مجيدة، يأخذونها على أنها تعني بولس الرسول. ألا يتراءى لكم أن كل هؤلاء أحبوا أكثر من اللائق، وفيما هم يُعجبون بفضائل كل شخص يفقدون الإعتدال في الحب. حتى نحن نعاني من هذا الأمر في الكنائس. العديد من الناس يحبوننا أكثر مما نستحق. يتفاخرون في ذلك ويتكلمون بمديح بشأن مواعظنا وتعليمنا. لكن ضميرنا لا يستطيع قبول هذا الأمر. وآخرون ينتقدون مواعظنا بشكل غير عادل، ويلوموننا على إتخاذ مراكز لا نعلم عنها أبداً أي شيء. لكن لا أولئك الذين يحبون كثيراً، ولا أولئك الذين يكرهون، يلتزمون بقاعدة الحق. الأولون يكذبون من خلال الحب، والآخرون يكذبون من خلال الكراهية. أنه من اللائق وضع لجام حتى على المحبة، والسماح لها بحرية التجول فقط طالما أنها لا تسرع بتهور نحو السقوط في جُرف. يقول الكتاب في سفر الجامعة: "لا تكن باراً بإفراط، ولا تظن في نفسك أكثر مما أنت عليه، لئلا تُضرب بغباء" (جا 16: 7 بحسب نص أوريجانوس). تباعاً لهذه الآية، يمكنني أن أقول شيء مماثلاً: لا تحب إنساناً "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك" (لو 10). لا تحب ملاكاً "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك". بالتوافق مع كلمات المخلص، طبّق هذه الآية فيما يتعلق بالله وحده. إذ أنه يقول: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك" (لو 10). قد يجيبني شخص ويقول: يعلمنا المخلص "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك .. وقريبك مثل نفسك" (لو 10)، وأنا أود أن أحب السيد المسيح كذلك، لذا علمني كيف يمكنني محبته، إذ أنني أحبه من كل قلبي ومن كل نفسي ومن كل قوتي، فهل أنا أتصرف هكذا ضد الوصية، طالما أنني أحب شخص آخر بجانب الله الواحد، وإذا أحببته أقل من محبتي للآب كلي القدرة، أخاف لئلا أوجد غير مُقدم التوقير الواجب نحو "بكر كل الخليقة" (كو 15:1). علمني وأظهر لي الطريق. كيف ينبغي أن أحب المسيح؟ هل تريد أن تعلم كيف تحب المسيح؟ إسمتع إذن للحظة! أحبب الرب إلهك في المسيح، ولا تعتقد أنه يمكنك أن يكون لديك محبة للآب مختلفة عن محبتك للابن. أحبب الله الآب والمسيح في نفس الوقت. أحبب الأب في الابن، وأحبب الابن في الآب "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك". إذا تسائل شخص ما وقال: "أثبت ما تقوله وتؤكده من الكتاب المقدس"، أتركه يسمع الرسول بولس - الذي كان له محبة عاقلة - إذ قال: "فإني متيقن أنه لا موت ولا حياة ولا ملائكة ولا رؤساء ولا قوات ولا أمور حاضرة ولا مستقبلة، ولا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو 8)، الذي له المجد والقدرة إلى أبد الآباد آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
قائمة فخاخ إبليس منها: التهور والطمع والربا |
إدانة أوريجانوس |
رحلات أوريجانوس |
ما بين التهور .. و التحفظ الشديد |
المخاطرة التهور |