رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
شذا الناردين _ غريغوريوس النيسي أفاح نارديني رائحته غريغوريوس النيسي هناك كثير من العطور المختلفة، كل منها له رائحته المميزة، وهناك نوع خاص متميز من العطر يُسمى ناردين يتم إنتاجه ببراعة من خليط دقيق ومتناسق من العطور، ويتخذ اسمه من عطر الأعشاب الممزوجة فيه. فهو نتاج العديد من العطور المختلفة ممتزجة معاً لتكوِّن عطراً واحداً مميزاً، هذه هي الرائحة الحلوة التي يستنشقها العريس بحواس نقية. في هذه الآية، أعتقد أن الكلمة (اللوغوس) يعلمنا أنه يفوق بطبيعته الخاصة بناء ونظام العالم المخلوق بأكمله، بكونه غير المقترب إليه، غير الملموس، غير المفحوص. لكن لدينا في محله هذا العطر بداخلنا، الذي تم تقطيره من خلال كمال كل الفضائل، وهذا العطر الذي فينا يحاكي في نقاوته عدم فساد الله الجوهري، ويحاكي في صلاحة صلاح الله المطلق، ويحاكي في خلوده خلود الله، ويحاكي في ثباته ثبات الله المطلق، فنصوِّر بكل الفضائل التي نمتلكها فضيلته الحقيقية، التي تغطي كل السموات، كما قال حبقوق النبي (3:3). لذا، عندما تقول العروس لأصدقاء العريس "أفاح نارديني رائحته" (نش 11:1)، أعتقد أن هذا هو الدرس العميق الذي تعلمنا إياه: أنه حتى ولو جمع الإنسان من مختلف مروج الفضائل كل طيب وكل زهرة مُعطرَّة، وجعل حياته بكاملها مُعطرَّة برائحة طيبة بواسطة كل هذه الأعمال الفاضلة، وصار كاملاً بهذه الطريقة، بالرغم من كل هذا لن يستطيع أن ينظر بشكل ثابت نحو كلمة الله، كما لا يستطيع التفرس في الشمس. لكنه يستطيع النظر إلى هذا الشمس في داخله كما في مرآه. لأن صلاح الله الكامل يُرسل إشعاعات القداسة داخلنا لكي يُنير حياة الأنقياء، وتلك الإشعاعات تجعل غير المرئي مرئياً، وتسمح لنا بفهم وإدراك غير المُقترب إليه، من خلال طباعة صورة الشمس على مرآة نفوسنا. والحديث يتشابه بقدر كبير سواء إن تكلمنا عن أشعة الشمس، أو صدور الفضائل، أو شذا العطور. أيّا كان التمثيل الذي نستخدمه لغرض نقاشنا، الفكرة الأساسية هي واحدة، وهي أننا من خلال الفضائل التي نقتنيها نستمد معرفتنا لله الصالح الذي يفوق كل إدراك، بنفس الطريقة التي نستنتج بها جمال أي نموذج أصلي من خلال صورته. هكذا أيضاً، بولس هو عروس تشبهت بفضائل العريس، وأخذ هذا الجمال السرمدي كنموذج لحياته، ومزج خليط ناردينه من ثمار الروح، من المحبة والفرح والسلام وكل الثمار الأخرى (غلا 5)، قائلاً أنه "رائحة المسيح الذكية" (2 كو 2). لقد استنشق عطر الجمال الفائق غير مقترب إليه، مُقدماً نفسه للآخرين كنوع من العطر لكي يشتركوا فيه بحسب طاقتهم، وصار رائحة ذكية يمكنها جلب الحياة أو الموت للآخرين، بحسب تدبير كل واحد. إن العطر ذاته يكون له تأثير مختلف على الحمامة والخنفس، فبينما تصير الحمامة أكثر قوة بإستنشاقه، يموت الخنفس عند فعله ذلك. هكذا أيضاً، بالنسبة لرائحة الله المضحية، كان القديس بولس في هذا الصدد مثل الحمامة، وتيطس وسيلفانوس وتيموثاوس جميعهم أشتركوا مع بولس في شذا ورائحة الطيب، وتقدموا في كل نوع من الفضائل متخذينه كمثال أمامهم. ولكن أولئك الذين - كديماس وألكسندر وهرموجانس (2 تي) - لم يستطعوا تحمل رائحة العفة والنقاوة، تم إبعادهم كالخنفس بواسطة الرائحة الذكية. لهذا السبب قال بولس – الذي تفوح منه هذه الأطياب بوفرة: "لأننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت، ولأولئك رائحة حياة لحياة" (2 كو 2). من المحتمل أن تكون هناك علاقة بين ناردين العروس والناردين المذكور في الأناجيل. يمكننا إستنتاج ذلك من طبيعة الناردين، الذي كان كثير الثمن، وملأ البيت برائحة الطيب عندما أنسكب على رأس المسيح (مر 14). إن هذا الناردين ربما لا يختلف عن ناردين عروس النشيد، العروس التي أفاحت برائحة العريس. في الإنجيل، يتم سكبه على رأس الرب فيمتلئ البيت بالرائحة الذكية، حيثما أقيم العشاء. أعتقد أن المرأة هنا بنوع من الإلهام الإلهي كانت تتنبأ مسبقاً بسر موت الرب من خلال الناردين. لذلك شهد الرب لما فعلته قائلاً: "إنما فعلت ذلك لأجل تكفيني" (مر 14، مت 26). وهو يعلمنا أن البيت الذي إمتلأ بالعطر يشير إلى العالم أجمع، أي الكون كله، وذلك عندما يقول: "حيثما يكرز بهذا الإنجيل في كل العالم"، سوف تنتشر رائحة عملها مع البشارة بالإنجيل، ويكون الإنجيل تذكاراً لها. هكذا نرى أنه في النشيد، يجلب الناردين للعروس رائحة عريسها الذكية. أما في الإنجيل، فرائحة الطيب التي تملأ البيت تصير رائحة المسيح الذكية، وبالتالي عطر جسد الكنيسة كله، الذي يفوح برائحته في كل العالم والكون بأكمله. هكذا نجد علاقة بين النصين، إذ يبدو أن كلاهما يقولان نفس الشيء. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|