رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
سر الثالوث _ جيروم سر الثالوث القديس جيروم دعونا الآن نضع هذا السؤال بلغة عادية. هل تريد أن تعرف طبيعة الله؟ هل تريد أن تعرف ما هية الله؟ أعرف هذا: أنك لا تعرف. لا تحزن بكونك لا تعرف، لأن هذا الأمر غير معروف حتى للملائكة، ولا لأي خليقة أخرى. قد يعترض أحد قائلاً: لماذا أؤمن إذاً بما لا أستطيع إستيعابه؟ بما أني لا أعرف كيف صرت مسيحياً، فلماذا أنا مسيحي؟ سوف أجاوب بشكل مباشر قبل أن نُقدم أي مقاطع من الكتاب المقدس. يا رفيقي المسيحي، لماذا يبدو لك أنك لا تعرف شيئاً؟ لأنه إذا كنت تعرف هذه الحقيقة ذاتها، أنك لا تعرف شيئاً، تكون على العكس لديك الكثير من المعرفة؟ فالوثني يرى حجراً ويعتقد أنه إلهه، والفلاسفة ينظرون إلى السماء ويظنون إنها إلههم، وآخرين ينظرون إلى الشمس ويعتقدون أنها إله. تأمل الآن حقاً مقدار المعرفة التي لديك وكيف تفوقهم جداً، أنت الذي تقول: الحجر لا يمكن أن يكون إله، الشمس التي تتحرك على عجل بأمر آخر لا يمكن أن تكون إله. هكذا ترى أن هناك معرفة عظيمة مخفية ومتضمنة في اعترافك ذاته بنقص معرفتك. أما الوثنيين فعلى العكس، فهم لا يعرفون ما يقولوا أنهم يعرفوه، لأن معرفتهم باطلة. في الوقت نفسه، فكر ملياً كيف تُدعى: أنت تُدعى مؤمناً لا مُفكراً. وبعد قبول سر المعمودية نقول: قد إنضم خادم مؤمن لله، أو أنا قد صرت خادماً أميناً لله، فما لا يمكنني فهمه أؤمن به. لذا، أنا لدي معرفة، لأني مدرك بنقصاني للمعرفة. إلا أنه قد يقول قائل: هذا ليس تفسير بل تهرب ومراوغة، إلى جانب ذلك، نحن ندرك بالفعل ونعرف أننا لا نعرف شيئاً فيما يخص هذا الأمر، علّمنا حتى يمكننا معرفة ما هو مخفي عن أفهامنا. أليس من الأفضل أن نعلن عن جهلنا صراحة، من أن نتظاهر بمعرفة عن كبرياء؟ في يوم الدينونة، لن أدان بسبب قولي: أنا لا أعرف جوهر وطبيعة خالقي. لكن إذا قدمت أي تصاريح طائشة، لنتذكر، أن التهور له عقوبة أما الجهل فيستحق العفو. دعونا نذكر دليلاً من الكتاب المقدس، ولنتبع لا المنطق والعقل بل سلطان الرب المخلص. عندما كان الرب على وشك الصعود إلى السماء، ماذا قال لرسله - كسيد ورب - وهو يعطيهم الوصايا والتعليمات؟ لا يستطيع أحد أن يتكلم هكذا عن طبيعته ذاتها، سوى هو ذاته، الذي هو نفسه الله. وليكن كافياً بالنسبة لنا، أن نعرف فقط عن الثالوث ما قد تكرم هو بكشفه وإعلانه. ماذا قال للرسل؟ "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم. وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (مت 28) أني أسمع ثلاثة اسماء، لكن أجد "اسم" بالمفرد، فهو لم يقل "باسماء" بل "باسم". لقد ذكر ثلاثة اسماء، لماذا إذاً يستخدم المفرد، ويقول: "باسم الآب والابن والروح القدس"؟ لأن اسم الآب والابن والروح القدس هو اسم واحد، لكنه الاسم الذي يخص الثالوث. عندما يقول، باسم الله الآب، باسم الله الابن، باسم الله الروح القدس، إذاً هناك اسم واحد للاهوت يخص الآب والابن والروح القدس. هل ما زلت تسألني كيف يُدعى الثلاثة باسم واحد؟ أنا لا أعرف، وبكل صراحة أعترف بجهلي، لأن المسيح لم يرغب في الكشف عن أي شيء حيال ذلك. هذا فقط ما أعرفه: أنا مسيحي، لأنني اعترف بالله واحد في ثالوث. إذا قلت بغير ذلك، أن الآب والابن والروح القدس شخص واحد فقط، أكون تابع لسابيليوس، وأبدأ في أن أكون يهودياً لا مسيحياً، لأن اليهودي يقول أن هناك إله واحد، ولكونه لا يعرف عن الآب والابن والروح القدس، لا يؤمن بسر الثالوث. لذلك، إذا تكلمنا عن إله واحد بطريقة نستبعد فيها الآب والابن والروح القدس من سر الثالوث، نصبح يهوداً. أعترف بصراحة - بناءً على بيان المخلص وليس على كلامي الشخصي - أنه قد ينشأ هناك عائق في نفس المستمع، أعني مسألة "كيف يمكن أن يكون هناك واحد في ثلاثة؟"، كيف يمكن أن يكون الآب والابن والروح القدس واحد غير مجزأ في اللاهوت؟ عندما أستخدم مصطلح "أشخاص"، أتوسل إليكم أن لا تعتقدوا أنني أعني أشخاص بشر. فأنا لا أتكلم عن أشخاص في الآب والابن والروح القدس باعتبارهم بشر، بل كأشخاص وفقاً للتمايز. أقول شخص الآب لأنه يوجد آب، أقول شخص الابن لأن يوجد ابن، أقول شخص الروح القدس لأنه يوجد روح قدس. الآب ليس هو الابن، ولا الابن الآب، ولا الروح القدس هو الآب أو الابن، متمايزين من جهة خواصهم الصحيحة، لكن متحدين في طبيعتهم. هذا هو العائق الذي كان أمام فيلبس الرسول عندما قال للرب: "يا سيد أرنا الآب وكفانا" (يو 14). أجابه الرب قائلاً: يا فيلبس، أنا معكم زماناً هذه مدته، ولا تعرف الآب؟ "من رآني فقد رأى الآب". من الخطأ أن نقول أن الآب هو نفسه الابن، لكن عندما تسمع كلمة "ابن" فكر أيضاً في الآب، لأن الابن لا يمكن أن يدعى ابناً، إن لم يكن لديه آب. ومن الناحية الأخرى، اسم الآب يكون بلا معنى إن لم يكن له ابناً. هناك أشياء كثيرة تقال، لكن يكفي للمؤمنين أن يسمعوا فقط قليلاً عن سر الثالوث. أتوسل إليكم، لتكن هناك منافسة في البحث أكثر فيما بيننا بالدير، عن معرفة كيف يمكننا الإنتصار على الشيطان، وكيف نصوم، وكيف نتوب عن خطايانا، وكيف نمنع أفكارنا من سحبنا نحو عبودية الشهوة، وكيف نتحلى بالصبر عند كل جرح، وكيف لا نشتم عندما يُخطئ أحد فينا، بل وكيف نجاهد للتغلب عليه بالتواضع الذي تعلمناه من المسيح: "الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضاً" (1 بط 2). وإذا جاء الفكر واستمر: "ما هو الله؟ وما هي طبيعة الثالوث؟ لنكن قانعين بالإيمان بحقيقة وجود الثالوث. لا يجب أن نكون متجاسرين في البحث لمعرفة الطبيعة والعلة، لكن يجب علينا أن نصلي للرب بخوف بلا إنقطاع. ولنظهر كل مهاراتنا ومعرفتنا في التمجيد والتسبيح للثالوث نهاراً وليلاً، الذي له المجد والسلطان إلى أبد الآبدين آمين. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|