رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
للثعالب أوجرة _ يعقوب السروجي للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار أمَّا ابن الإنسان فليس له موضع يسند إليه رأسه للقديس يعقوب السروجي يا إلهي أيها الخالق العظيم يا مَن يمجده العالم كله. أمنحني أيها الكريم نعمة القدرة على تسبيحك مع الآخرين. أن الخلائق بمختلف أنواعها ولغاتها تخُرّ ساجدة لعظمتك وتتضرع إليك، وأنا الضعيف الحقير أحاول أن أنشد أمام جلالك، ما استطاعت قريحتي نظمه تسبيحاً لك ووصفاً لجبروتك. فتقبل أيها القدوس يا ابن الله هذا النشيد من أحد العبيد. تنازل وأقبل فلساً من فقير لا يملك سواه. أنر عقلي وفكري ليتعرّفا عليك، فإن لم يدرك الإنسان أسرارك لا يمكنه وصفك. طهَّر قلبي من شرور الأفكار، فأنا لا أعرف من يزرع فيه بذور الشر. غريب هذا الذي يبذر الشوك في حدائق الأزهار. فلتكن محبتك ناراً تحرق أشواك الفكر. فإن تعطفت وجعلت فكري كله منصبّاً عليك، اختنقت مصادر الأوزار وتطهرت نفسي من الأدران. إن عدوي خفي يحاول أن يجرني إلى مهاوي الخطيئة دون أن أشعر. أنه كالزوان الذي ينبت بين سنابل القمح النقية. فلتكن مراحمك القاضية على هذا الدخيل. إن النفس عذراء مخطوبة لك فلا تدع أحداً يدنسها. أنك خطبتها بدمك المراق على الصليب، فهي لك وحدك. أخلق فيَّ قلباً طاهراً يحمل ثماراً صالحة، كثمار شجرة عدن المباركة. أجعل هذا القلب دائم التفكير بك لئلا يتوقف عن تسبيحك والإبتهال إليك. هب لي عقلاً صافياً يرى صفاء أنوارك وعجيب أسرارك. املأه بمحبتك، أجعل نفسي نقية لا ترى غيرك، وفمي طاهراً لا ينطق إلا بتسابيحك. ارفق بي وتولىّ هذا الفم بعنايتك لئلا ينطق بما لا يليق. ابعِد عني أفكار السوء الباطلة، وأطردها لئلا تعود فهي مميتة قاتلة. من أجلي تألمت وعُلقت على خشبة الصليب، فلا تهملني يا إلهي وتتركني أتلوث بالذنوب. أنك أعطيتني حرية العمل فلا تدعني أتوه في قفار الخطل. وَصَفك الصالحون ووَصَفك الطالحون، ولكنك أعظم وأسمى من كل وصف. وإذا توقّف الإنسان عن وصفك، فقد يُحرم الكثيرون من معرفة جلالك وعظمة حبّك وروعة جمالك. إن الأرض والسماء تهلّل لك. الساحر هجر سحرة وأخذ ينشر تعاليمك. وكل من آمن بك وكتب عنك وعدِّد مكارمك ومراحمك أعطيته الحكمة. فهبني أنا أيضاً نعمتك لأكون من ممجدي اسمك. لتسود كلمتك في سائر أنحاء العالم. مجَّدك العلوين منذ الأزل. وعندما تنازلت وجئت إلى الأرض تعرَّف عليك الأرضيون فعظموك. ولكن مَن يمكنه أن يحيط بعلمك ويصف جمالك. وأي بيان يفي لتعداد صفاتك. مَن يدقق في خفايا أسرارك يقف مذهولاً حائراً. مَن هو نبع الحياة ومالئ الأنهار والبحار يقف أمام المرأة السامرية لتسقيه ماء. مَن يغذّي العالم وتفيض خيراته على المخلوقات يشتري لتلاميذه خبزاً. مَن يحمله الكاروبيم يطلب جحشاً ابن أتان ليركبه. مَن يريح المتعبين يتعب نفسه سائراً في الطرق وبين الحقول. أمور عجيبة تحيِّر العقول وأسرار لا يحيط بها ادراك. اسمع أيها المؤمن ما يقوله ابن الله الغني القادر الجبار: "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أمَّا ابن الإنسان فليس له موضع يسند إليه رأسه" مَن مِنَ الناس يمكنه البلوغ إلى سموَّ هذا التواضع؟ مَن يستطع أن يدرك غنى هذا الفقر؟ إن مَن له الأعالي والأعماق، الأرض بما فيها من بحار وأقطار وخيرات. مَن له السماء وسماء السموات، الظاهر للعيان والخفي عن الإنسان. مَن قسَّم الكون وحدَّد القارات وفرز المساحات. هذا الإله الخالق القادر مالك الملك ربَّ المصائر يقول: "ليس لي موضع أسند إليه رأسي" متواضع أنت أيها الجبار وعظمتك هي حكمتك. لمن هذه الأرض يا ابن الله؟ ولمن هذه الأكوان العجيبة الغريبة؟ كهوف وتجاويف ومرتفعات وجبال، سهول وأنهار وتلال. مَن رفع السماء وبسط الأرض؟ مَن هو خالق هذه العوالم المنظورة وغير المنظورة؟ مَن هو ربّ هذه الكنوز الأرضية والكنوز الخفية السماوية؟ ومَن هو وارثها؟ أليس أنت يا ابن الله؟ عندما افتقرت وأنت بيننا كنت المالك لكل شيء. أردت أن تصير فقيراً ولم يأخذ أحد منك شيئاً. كل ما هو للآب هو لك. ومع ذلك تقول ليس لك موضع تسند إليه رأسك. أيها السامع أتعرف لماذا قال الرب ليس لي ما للثعالب من كهوف؟ كلمات قاسية تخيف إن من يسمع أن خالق الكون ليس له على الأرض حتى كهف كما للثعالب يأخذه العجب. لماذا قال ليس لي موضع؟ لذلك السبب: كان بين الجموع عبريّ يشاهد ما يقوم به الرب من معجزاته. كان يرى الآيات تجري بين يديه بالعشرات، كنهر جيحون كان يسيل رأفة وحناناً على المخلوقات، يجترح الأعاجيب على مفارق الدروب والطرقات. رأى هذا العبريّ أن العميان يستردون أبصارهم من نور يديه، والبرص يطهّرون، والصم يسمعون، والبكم يتكلمون. رأى المخلع يصبح صحيح الجسم، والمقعد يقف على قدميه، والمشلول يسابق حامليه. رأى المرضى يشفون، والمعلولين يصحّون، والشياطين يطردون. كل هذا الخوارق كانت تجري بكلمة منه أو بلمس ثوبه أو حتى لمجرد الاقتراب منه. ذُهل ذلك العبريّ وأخذه العجب. علم بأن هذه الأعمال هي فوق طاقة البشر، وإن عظيماً قد ظهر، وأراد أن يكون من المقربين لابن الله. كان ذلك العبريّ من محبي الشهرة والجاه، والساعين إلى السيادة والسيطرة وجمع المال. كان يتمنى أن يصل إلى الثروة بأية وسيلة ومجال. وقد راعه ما رأى من معجزات يجترحها السيد المسيح وكثرة الوافدين من المرضى والعاجزين. ففكر في نفسه أنه بالتقرب من الرب قد يصل إلى ما يبتغيه من ثراء بغير عناء. أنه سيستفيد من هؤلاء المرضى الطالبي الشفاء. أنهم سيمنحونه المال بدون سؤال، فعليه أن يقترب من الرب ويذهب حيث يذهب. فدنا من الفادي وقال له: "يا معلم مُرني وأنا أتبعك حيث تريد" أما فاحص القلوب والأفكار فقد عرف ما يرمي إليه هذا الرجل، وعلم أنّه انما يسعى وراء الكسب والشهرة. وإن غايته الاستفادة من مرافقته، بأخذ الرشوة وطلب الأجرة من المرضى. وأمام الحشد من الناس أجاب الرب على طلب هذا الفتى الطائش الغرّير، بعد أن نظر إليه نظرة إشفاق وتحذير. أجابه بقوله: "للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، أما ابن الإنسان فليس له موضع يسند إليه رأسه" وكأنه كان يقول لهذا الفتى: أن ما فكرت فيه أيها المتمسك بالدنيويات من جاهِ ومال، لن تجده بمرافقتي بأي حال من الأحوال. أن من يتعلق بالدنيا ومغرياتها من الصعب أن يكون من أتباعي. أن من يريد أن يتبعني عليه أن يكون طاهر القلب عفيف النفس نقي الضمير. رداؤه الفقر ومسكنة الفقر. سقفه السماء مجرّد من الطمع والرياء. طريقي مليئة بالشوك والآلام، ومن يتبعني قد يمشي حافي القدمين. أنت تحبّ المجد ومن يتبعني يلقى الهوان. طريقي ضيّق لا تتسع لأي كان. أن من يلبس قميصين يتعثر فيهما. حتى من يحمل عصا لا يستطيع المرور بها. من يتبعني لا يحمل زاداً بجعبة ولا يتقاضى أجراً ولا يأخذ هبة فإبق حيث أنت في هذا العالم ذي الدروب الواسعة أنه يجتذبك إليه بمغرياته ومادياته بملذاته وقصوره فإذا تبعتني قد لا تجد لك مأوى كما للطيور السير في طريقي صعب على محبي الترف والموسرين والمتمسكين بالمظاهر والقشور هكذا أجاب الرب ذاك العبريّ الذي ظن أنه سيخدع من يعلم ما في الضمائر ويقرأ الأفكار والسرائر. فلما سمع ذلك العبري ما قاله الرب خاف واضطرب. خابت آماله وصمت. عندما سأل الرب أن يكون من أتباعه تكلم بصوت خفيض وتواضع وخضوع بكلمات رقيقة جذابة: يا معلم مُرني وأنا أتبعك حيث تذهب. ظن أنه بهذه الكلمات سيستميل ربَّ الأرض والسموات. كلمات بها صورة البراءة الايمان. حاول أن يخدع بها مبدع الأكوان. إن الرب يسوع لم يسمع ما قاله ذلك العبريّ بلسانه وإنما قرأ ما يخفيه في قلبه وضميره ونياته. عرف أن ما قاله ذلك العبري كان تمويهاً وخداعاً، فأعطاه درساً في الإيمان ليكون عبرة له ولأمثاله من المؤمنين باللسان. إن الرب لم يقل له لا تتبعني وإنما بيَّن له ما يجب أن يعمله حتى يكون أهلاً لمرافقته والسير في طريقه. خاف ذلك الدعيّ وكفّ عن طلبه. كان قلبه وفكره يخالفان ما نطق به لسانه. كان يريد أن يستغل القداسة لكسب الذهب والمجد والرئاسة. ولما علم أن الرب قد كشف سرُّه وعرف خفايا فكره، تراجع مرتداً إلى الوراء يجرّ أذيال الخيبة والحياء، فهو عبد الماديات تستهويه المظاهر وتتغلب عليه الشهوات. ولهذا من الصعب أن يسير في طريق التجرد من متع الحياة وسلوك طريق البرارة بعيداً عن الملذات والمغريات، فعاد إلى بيته لا يلوي على شيء. إن الرب لا يمنع أحداً من أن يتبعه، ولكنه أوضح لنا الواسطة وحدّد لنا الطريق. أوصى الناموس أن يكرم الانسان أبويه، ولكن الرب قال لأحد تلاميذه الشديدي الايمان المؤمنين بالقلب واللسان، والذي طلب منه الأذن بالتخلف لدفن أبيه: دع الموتى يدفنون موتاهم واتبعني. إن ذاك التلميذ كان يخاف مخالفة الناموس فتردّد واستأذن، ولكن المسيح الرب مشترع الناموس وخالق النفوس أراد أن يكون تلميذه ممن يحيون الموتى، لا من الذين يدفنوهم. إن محبي الحياة هم الذين يهتمون بالمقابر، أما الذين يؤمنون بالمسيح ويتبعون تعاليمه تتجه أنظارهم إلى مقرّ الحياة. إن المسيح الرب تغلب على الموت ومنحنا الحياة الأبدية، فمن تبعه سار في طريق هذه الحياة. أما من يتخلف عنه فليذهب ويدفن موتاه، لأنه هو أيضاً مائت. إن محبة الله تأتي من القلب يغذيها العقل وتمارسها النفس، فالله يعرف ما في ضمائرنا وما تخفيه نفوسنا. يريدنا طاهرين في داخلنا وفي ظاهرنا، فعلينا أن لا نحاول الخداع والمداهنة، في محبتنا لله وإيماننا، فالله لا تخفاه خافية. يعلم ما في القلوب فهو علاّم الغيوب. وعلينا أن لا نتمثل بذلك العبري الذي كان يضمر في جنانه ما يخالف منطوق لسانه. لنكن مثل ذلك التلميذ الصادق الايمان الذي ترك الموتى يدفنون موتاهم وتبع مولاه، ولنعمل بحسب أوامره ووصاياه، ولنمجد المحجوب الذي ينظر إلى داخل القلوب. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
† † † القديس يعقوب السروجى † † † |
التناول من الأسرار _ يعقوب السروجي |
السامرية _ يعقوب السروجي |
القديس يعقوب السروجى |
اقوال مار يعقوب السروجي |