رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل الغنيّ الغبي نصُّ الإنجيل رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبتْ أَرضُهُ . فقالَ في نفسِهِ : " ماذا أَعمَل فليسَ لي ما أَخزُنُ فيهِ غِلالِي ." ثُمَّ قال : " أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبرَ مِنها, فأَخزُنُ فيها جميعَ قَمْحي وأَرزاقي . وأَقولُ لنفسي : يا نفسِ , لكِ أَرزاقٌ وافِرةٌ تكفيكِ مَؤُونةَ سنينَ كثيرة . فاستريحي وكُلي واشْربي وتنعَّمي ." فقالَ لهُ الله: " يا غبيّ , في هذِهِ الليلةِ تُسْتَرَدُّ نفسُكَ مِنكَ . فلِمَن يكونُ ما أَعدَدْتهُ" فهذا يكونُ مصيرُ مَنْ يكنِزُ لنفسِهِ ولا يغتَني عِندَ الله. ( لوقا 12/16-21 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ المال مهما كثُر لا يضمن للإنسان الحياة الطويلة ولا العيش الرغيد. فمن الغباء أن يعتقد الإنسان أنَّ ماله الكثير سيوفِّر له السعادة الأرضيَّة والحياة المديدة. ذلك لأنَّ الموت يأتيه حتماً, وبعد الموت تناله الدينونة الرهيبة. فإنَّه خيرٌ له أنْ يكون غنيَّاً في عينَيْ الله بالأعمال الصالحة من أن يكون غنيَّاً بأموال الأرض وينطوي على نفسه بالاستسلام إلى مطالب أنانيَّتِهِ التي ترفض خدمة الله والآخرين. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. ارتكب المزارع الغني خطأَيْن كبيرَيْن إنَّ المزارع الغني الذي أخصبت أرضه كان غبيَّاً في عينَيْ الله لأنَّه ارتكب خطأين كبيرين: 1- فالخطأ الأوَّل هو أنَّه اطمأنَّ إلى حياةٍ طويلة. إنَّ المال الوافر شدَّدَ قلبه ونزع عن ذهنه فكرة الموت, فاعتقد أنَّه سيعيش سنوات كثيرة ينعم في أثنائها بالراحة والسعادة الماديَّة. ولم يفطن إلى أنَّ المال, مهما كان وافراً, لا يشفع فيه ولا ينقذه من الموت الذي يأتيه في ساعةٍ لا يتوقَّعُها. ولذلك وصفه الله بأنَّه إنسان غبيّ. 2- والخطأ الثاني هو أنَّه استسلم إلى الأنانيَّة المفرِطة. وكان هذا الخطأ الثاني أعظم من الخطأ الأوَّل. فقد قرَّر أن يحتفظ لنفسه بكُلِّ خيرات أرضه, ليتمتَّع وحدَه بالراحة وملذَّاتِ الحياة, ولم يلقِ نظرةً إلى من يسكن حوله من محتاجين وفقراء. إنَّ في المدينة التي يعيش فيها أطفالاً يتامى, ونساءً أرامل, وشيوخاً وعجائز, ومرضى معذَّبين, ومَعُوقين مهملين, وفقراء كثيرين. فلم يخطر على باله أنَّهم بحاجة إلى الطعام والدواء والثياب والمسكن والتطبيب. ولم يفكِّر في أن يبعث إليهم بحصَّتهم المتواضعة من المال الوفير الذي وهبه الله إيَّاه بكرمٍ فيَّاض, بل كان رجلاً بخيلاً أنانيَّاً, إلى أبعد حدود البخل والأنانيَّة. لذلك قال عنه يسوع " إِنَّهُ لم يغتنِ عندَ الله " أي إنَّه كان غنيَّاً بمال الأرض, ولكنَّه لم يكن غنيَّاً بأعمال البِرِّ والإحسان التي تؤمِّن له السعادة الأبديَّة. يعلِّمنا هذا المثل أمرين هامَّين الأمر الأوَّل هو الاستعداد للموت: إنَّ حياتنا قصيرة, وقصيرة جدَّاً مهما طالت. ونحن نسير نحو القبر كُلَّ يومٍ بخطوات متواصلة, إلى أن يأتي يومٌ نُدفن في الحفرة, ويغطِّي أجسادَنا تُرابُ الأرض. وتبدأ بعد هذه الحياة القصيرة حياةٌ أخرى أبديَّة, سعيدة أم تاعِسة, بحسب ما قُمنا به, ونحن على الأرض, من أعمال صالحة أو شرِّيرة. إنَّ هذا الواقع الرهيب يدفعنا إلى أن نكون دوماً مستعدِّين لاستقبال الموت بسلوك حياةٍ فاضلة, بعيدة عن الخطيئة, ومزيَّنة بأعمال العبادة الحقَّة وممارسة الفضائل المسيحيَّة من صلاة وتقشُّف وخدمة الله والكنيسة. والأمر الثاني هو خدمة الآخرين بمحبَّة: إنَّ الله قد منحنا مواهب كثيرة ومتنوِّعة لكي نُفيد بها أنفسنا ونخدم الآخرين. ومن أهمِّ هذه المواهب ? ماعدا خيرات الأرض الماديَّة ? الصحَّة, والذكاء, والقدرة على العمل. فعلينا أن نستعمل هذه المواهب الطبيعيَّة لا لفائِداتنا الشخصيَّة فحسب, بل لمؤازرة الآخرين أيضاً بروح المحبَّة والتضحية, مُعْرضين عن الانطواء الذاتي والأنانيَّة المفرطة, وذلك بتقديم الخدمات الماديَّة والمعنويَّة التي نستطيع القيام بها للتخفيف عن الذين يعانون آلام الحياة وشدائدها ومتاعبها. بهذه الطريقة تكون حياتُنا مزيَّنة بأعمال المحبَّة المسيحيَّة التي تجعلنا أغنياء في عينَيْ الله تعالى. التطبيق العملي لا شكَّ في أنَّ المال, والنجاح في الدروس, والوظيفة المحترمة, والمقام الرفيع في المجتمع خيراتٌ أرضيَّة تستحقُّ التقدير والسعي للحصول عليها بالسُبُل المشروعة التي لا تخالف إرادة الله. ولكنَّ هناك خيرات أسمى منها وأجدى لبلوغ سعادةٍ أوفر, وهي الأعمال الصالحة التي تتمتَّع بقيمة أبديَّة جديرة بكلِّ ثناء، والتي تستحقّ السعيَ المتواصل للقيام بها. ومن أهم الأعمال الصالحة التي تحسن في عينَيْ الله الصلاة, وتتميم الواجبات الدينيَّة, والعطف على الفقراء, ومساندة المشاريع الخيريَّة, ومؤازرة أعمال الكنيسة, وسلوك حياة التقوى والمودَّة في الأسرة, والعيش مع الآخرين بسلامٍ وتسامح ومحبَّة. ولذلك يوجِّه إلينا يسوع بهذا المثل النصائح الروحيَّة التالية, وهي: 1- أن نكون دوماً مستعدِّين للوقوف أمام دينونة الله بوجهٍ ناصع ويدَيْن مملوءتَيْن بأعمال البِرِّ والخير والكرَم, ولا نتشبَّه بهذا الغنيِّ الغبيّ الذي انطوى على نفسه ولم يتطلَّع إلى الحياة إلاَّ من زوايا الراحة واللذَّة والاستئثار بخيرات الأرض. 2- وأن نمارس, في سيرة حياتنا اليوميَّة, فضيلة المحبَّة العمليَّة, على قدْر طاقتنا, في جميع المجالات التي لها علاقة بحاجات البائسين في هذه الدنيا. 3- أن نمتنع عن الاتِّكال على خيرات الأرض وحدَها, مهما كانت وافرة, ونضع اتِّكالنا على الله لنعمل على تمجيد اسمه تعالى وبلوغ السعادة الأبديَّة الحقَّة التي خُلِقنا لأجلها على الأرض. فعلينا أن نكون مسيحيين حكماء نصغي إلى نصائح يسوع ونعمل بها دوماً. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|