رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مثل حبَّة الحنطة التي وقعت في الأرض نصُّ الإنجيل قال يسوع : " إِنْ لم تَقَعْ حبَّةُ الحِنطةِ في الأَرض ِ وتَمُت ْ بَقِيَتْ وحدَها وإِذا ماتَتْ أَخرَجتْ حَبَّاً كثيراً. مَنْ أَحَبَّ حياتَهُ فَقَدَها. ومَنْ أَبْغَضَها في هذا العالمِ حَفِظَها للحياةِ الأَبديَّة ." ( يوحنا 12/24 ) الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل إن الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أَنْ لا خلاصَ للبشريَّة الخاطئة من دون تضحية أليمة يُقْدِمُ عليها يسوع, ويتحمَّلُها أتباعُه إِقتداءً به. وهذه التضحية هي العذاب والموت, وهي التي تعطي ثماراً وافرة. وإليكم إيضاح هذه الفكرة. حبَّة الحنطة هي يسوع نفسه إن حبَّة الحنطة التي ماتت ودُفنت وأعطت حبّاً كثيراً للعالم كلِّه هي يسوع نفسُهُ. لقد ضحّى بنفسه في سبيل البشريّة، فمات على الصليب، ودُفِنَ في القبر، وقام حيّاً من بين الأموات فكان بموته ودفنه وقيامته مصدرَ الحَبّ الكثير، أيْ مصدر النِعَم الغزيرة التي تتدفّق على البشريّة الآن وحتى انقضاء الدهر. إنَّ هذه النِعَم التي يمنحُها يسوع لمن يؤمنون به ويعتمدون باسمه ويحافظون على وصاياه تؤهّلهم لأن يتمتّعوا بالحياة الإلهيّة على الأرض وبالسعادة الأبديّة في الملكوت السماوي. حبَّة الحنطة هي المسيحي أيضاً أراد يسوع أن يكون المسيحي على مثاله حبَّةَ الحنطة التي تقع في الأرض وتموت وتُدفن وتأتي بحَبٍّ كثير. فدعاه إلى أن يرفض حُبَّ حياته الأرضيَّة خشيةَ أن يفقِدَها في الآخرة, وإلى أن يُبغضَها في هذا العالم رغبةً منه في الحصول على الحياة الأبديَّة. وقد عبَّر عن هذه الدعوة بأسلوب قوّيٍّ جداً لم يكن أحد يتوقَّعه, فكان له تأثير عميقٌ في نفوس مَنْ سمعوه, ولا يزال وَقْعُ كلامه يَرِنُّ في قلوب المؤمنين. قال: "مَنْ أَحبَّ حياتَهُ فَقَدَها . ومَنْ أَبغضَها في هذا العالَمِ حَفِظَها للحياةِ الأَبديَّة. " يوجِّه يسوع إلى المسيحي بهذا القول دعوتَيْن : في الأولى, يدعوه إلى أن يقبل الموت الروحي, وفي الثانية, إلى أن يُعِدَّ نفسَهُ لأن يتمتَّع بالحياة الأبديَّة. فإذا مات كحبَّة الحنطة الواقعة في الأرض, عاد إلى الحياة, كما عاد يسوع إلى الحياة بعد موته, وأتى بحَبٍّ كثير. وإليكم إيضاح هاتين الدعوتَيْن: الدعوة الأولى هي الدعوة إلى قبول الموت الروحي قال يسوع : " من أحبَّ حياتَهُ فَقَدَها ". إنّه بهذا القول يدعو المسيحي إلى أن يُبغض حياتَه, أيْ إلى أن يقبل الموت الروحي. والموتُ الروحي في مفهوم يسوع هو قيامُ المسيحي بأعمال التقشُّف في عدَّة مجالات, أهمُّها: تقشُّف العقل, وتقشُّف الإرادة, وتقشُّف القلب, وتقشُّف الجسد. وإليكم كلمة على كُلِّ نوعٍ من أنواع التقشُّف الذي يدعوه إليه يسوع : 1- تقشُّف العقل تقشُّف العقل هو الإيمانُ القويم والثابت بالوحي الإلهي المسيحي, على الرَّغم مِمَّا يحتويه هذا الوحي من أسرار عميقة لا يُدركها العقل البشري مهما فكَّر وجَهَدَ وتعمَّق. فالمسيحي يؤمن بوحي الله لأنّ الله لا يغلط ولا يغشُّ إطلاقاً. 2- تقشُّف الإرادة تقشُّف الإرادة هو الطاعة الكاملة لمشيئة الله, على الرَّغم مِمَّا في هذه المشيئة الإلهيَّة من مطالب صعبة, كالاستقامة, واحترام حقوق الآخرين, والصِدْق الكامل مع الناس, والنزاهة في النيَّة والعمل, والامتناع عن جَني المال بأساليب خدَّاعه , والقيام بأعمال البِرِّ والمحبَّة, وخِدْمة الضعفاء, ومؤازرة المحتاجين على قدْر الطاقة الشخصيَّة. فالمسيحي يخضع لإرادة الله خضوعَ الابن البارّ لإرادة أبيه المحبوب. 3- تقشُّف القلب تقشُّف القلب هو نَبْذُ البغض والحقد وعواطف الانتقام, ورفضُ حُبِّ السيطرة على الآخرين, والامتناعُ عن الاستسلام إلى الحسد وأذى الناس, ومسامحةُ الأعداء والمُسيئين, على الرَّغم مِمَّا في ممارسة هذه المسامحة الصادقة من مشقَّة على النفس المجروحة بالإساءَة. فالمسيحي يسامح حُبَّاً ليسوع الغَفور المسامح. 4 - تقشُّف الجسد تقشُّف الجسد هو الإِعراضُ الكامل والمستمرُّ عن تلبية النزوات الجسديَّة المُنْكَرة, وقمعُ الشهوات الفاسدة, على الرَّغم مِمَّا تقتضيه من المسيحي ممارسةُ فضيلة العفَّة من جَهْد الإرادة للحفاظ على سموِّ الأخلاق, ومن تحفُّظ خُلُقي في الأقوال والنظرات والتصرّفات, ومن احترام عميق لشريعة الله. فإذا مارس المسيحي أعمال التقشُّف كلَّها بدقَّة وأمانة واستمرار, مع ما في ذلك من صعوبة ومشقَّة لبَّى دعوة يسوع إلى الموت الروحي, وكان كحبَّة الحنطة التي ماتت ودُفنت وأتت بحَبٍّ كثير. الدعوة الثانية هي الدعوة إلى التمتُّع بالحياة قال يسوع : " مَنْ أبغَضَ حياتَهُ في هذا العالَمِ حَفِظَها للحياةِ الأبديّة." إن يسوع الذي يدعو المسيحي إلى الموت الروحي بمزاولة أعمال التقشُّف, يدعوه أيضاً إلى التمتُّع على مثاله بالحياة الإلهيّة على الأرض وبالسعادة الأبديّة في الآخرة. 1) إنه يدعوه إلى أن يحيا على الأرض حياة جديدة يتمتّع فيها بالنعمة المقدِّسة، والبُنوَّة الإلهيَّة, وسُكنى الروح القدس فيه، وذلك بفضل المعموديّة التي تجعله ينقاد للروح القدس. قال بولس الرسول: " إنَّ الذينَ ينقادونَ لروحِ اللهِ يكونونَ أَبناءَ اللهِ حقَّاً ." (رومة 8/14) 2) وإنه يدعوه أيضاً إلى أن يُعِدَّ نَفسَهُ لأن ينعمَ بحياة سعيدة في الآخرة. فإذا سلك المسيحي في هذه الدنيا سلوك حياة التقشُّف والتضحية, تشبَّه بيسوع وأصبح كحبَّة الحنطة التي وقعت في الأرض, وكان مصيرُه العيشَ الدائم السعيد لدى الله الآب في مقرِّ الحياة الأبدية. فالمسيحي الذي كان في حياته الأرضيّة حبَّة الحِنطة فمات ودُفن، أيْ مارس التقشّف بما فيه من صعوبة ومشقّة تمتّع وهو على الأرض بالحياة الإلهيّة، وأعدَّ نفسه لأن يحظى بالسعادة الخالدة مع يسوع في السماء مدى الأبديّة. التطبيق العملي 1- إن هذا المَثل الذي تحدَّث عن موت يسوع ودفنه وقيامته في سبيل خلاص البشريَّة وسعادتها الأبديَّة, دعوةٌ موجَّهة إليك لأن تقتدي به فتتحمّل على مثاله برضى ومحبّة التضحيات التي تصادفك في حياتك اليوميَّة. إن التضحيات كثيرة, أهمُّها مقاومةُ الخطيئة وما فيها من إغراء وجاذبيَّة, وتتميمُ واجباتك اليوميّة, وممارسةُ الفضائل المسيحيَّة, والقيامُ بأعمال التقشُّف المذكورة مهما صَعُبَتْ عليك, ومؤازرةُ المشاريع الكنسيَّة في بيئتك. 2- ولا تنسَ أن التضحيةَ شعارُ الدين المسيحي. إنها الطريق القويم الذي سلكه الشهداء والقدِّيسون فوصلوا إلى الحياة الأبديَّة السعيدة. وإذا سلكت هذا الطريق, بنعمة الله وعزم إرادتك القويَّة, تصلُ أنت أيضاً إلى الحياة الممجَّدة مع يسوع الممجَّد. 3- إن يسوع الذي عرَف سموَّ التضحية, بل شِدَّتَها وصعوبتَها, لا يَدَعُ المؤمن الذي تحمَّلها إكراماً له, من دون مكافأَة. قال لتلاميذه الذين ضحَّوا بكل شيء في سبيله : " أَنتُم الذين تَبعتموني في جيلِ التجديد, تجلِسون على اثنَيْ عشَرَ عرشاً, وتَدينون أَسباطَ إسرائيل الإثنَيْ عشَر ." (متى 19 / 27-29 ) |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|