رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
دروس رجال الله
الميلاد الدائم من أخبار القدّيس يوحنّا الرحيم، بطريرك الإسكندرية (+ 619 م)، أنّه قَطع، مرّة، أحدَ الشمامسة عن الخدمة لمخالفة ارتكبها. فحرد الشمّاس وأخذ يجرِّح بالبطريرك. فلما بلغ القدّيسَ حالُ شَمّاسِه ردّد: "مَن يضعف وأنا لا أَضعف؟!" (2 كو 11: 29)، وأيضاً "يجب علينا نحن الأقوياء أن نحتمل أضعاف الضعفاء!" (رو 15: 1) لذا قرّر أن يستدعيه ويكلّمه برفق ثمّ يعفو عنه لئلا يقع فريسة الذئب العقلي. ولكنْ أُخذَ البطريرك باهتمامات شتّى ونسي الأمر إلى أن جاء عيد الفصح. يومها، خلال قدّاس المؤمنين، تذكّر البطريركُ الشمّاسَ الحردان. وإذ أتاه القول الإلهي: "إن قدّمتَ قربانك إلى المذبح وهناك تذكّرتَ أنّ لأخيك شيئاً عليك فاترك هناك قربانك قدّام المذبح واذهب أوّلاً اصطلح مع أخيك. وحينئذ تعالَ وقدّم قربانك" (مت 5: 23 ? 24)، خرج إلى غرفة الملابس وأرسل في طلب الشمّاس المقطوع. فلمّا حضر سجد القدّيسُ أمامه وقال له: "سامحني يا أخي". فانذهل الشمّاس وسجد إلى الأرض بدموع. إذ ذاك فقط دخل الإثنان إلى الكنيسة وأكمل البطريرك خدمة القدّاس الإلهي! ورووا عن أسقفَين، كانا يقيمان أحدُهما بجوار الآخر، أنّهما كانا في تنافر. أحدهما كان غنيّاً متسلِّطاً والآخر متواضعاً. فبلغَ الأخيرَ أنّ المتسلِّط مزمع أن يؤذيَه، فدعا الإكليروس التابع له وقال لهم: "سوف ننتصر عليه بنعمة الله!" فقالوا: "مَن يقدر عليه؟!" أجابهم: "اصبروا تروا بعيونكم رحمة الله". ولبث ينتظر الفرصة! فلمّا علم أنّ المتسلِّط يحتفل بأحد أعياد الشهداء، دعا الإكليروس وقال لهم: "اتبعوني ومهما فعلتُ افعلوا أنتم أيضاً! اليوم ننتصر عليه بإذن الله!" وفيما هم سائرون خلفه أخذوا يتساءلون: "تُرى، ماذا سيفعل؟!" فلمّا أدركوه، وكانت المدينةُ بأسرها في زيّاح، خرّ الأسقف المتواضع عند قدمَي الأسقف الآخر، فخرّ الإكليروس التابع له معه. قالوا: "سامحنا يا سيّد نحن عبيدك!" فانذهل الأسقف المتسلِّط، وللحال ليَّنت نعمة الله نفسه فندم ندماً عميقاً على ما جعل في قلبه. وكان أن خرّ، هو أيضاً، عند قدمَي الأسقف المتواضع وقبّلهما قائلاً: "لا، بل أنت السيّد والأب!". مذ ذاك نشأت بين الأسقفَين محبّة عظيمة! وذكروا عن أحد الأساقفة أنّه كان رجلاً يخاف الله وكان عدوُّ الخير يحسده ويتحيّن الفرصة لإيقاعه في الخطيئة. فلمّا اتّفق، ذات مرّة، أن كان في قلاّيته، وتلميذه غائب عنه، دخلت عليه صبيّةٌ حسنةٌ جميلةُ الصورة جداً بداعي الاعتراف لديه، وألقت بنفسها بين يديه. وإذ شرعت تحكي وتبكي كشفت وجهها وكلّمته بكلام حرّك نفسه وأماله إليها. للحال ألقى عدوّ الخير شبكته وأوقعه بها. فلمّا صحا من دوار الشهوة عاد إلى نفسه وشعر بأسى عميق! ثمّ كان أن عاد تلميذه ودخل عليه فوجده في أسوأ حال، يتقلّب في الويل والعويل على نفسه فتعجّب، ولم يدرِ مما جرى له شيئاً. بقي الأب واقفاً على قدميه صائماً باكياً أسبوعاً كاملاً لا يشرب الماء البتّة. ثمّ، في اليوم السابع، وقع أرضاً والتلميذ يشاركه البكاء. ولم يعلم أحد سرّه! وحلّ عيدٌ من الأعياد فترك الأسقف عكّازه وخلع ثيابه الأسقفية وجاء إلى قدّام المذبح ورماها. ثمّ التفت إلى الشعب وقال: "الربّ من اليوم معكم، يا إخوة، صلّوا عليّ فإنّني، من الآن، لم أعد أصلح لأن أكون عليكم إماماً! فلمّا رأى الشعبُ وسمعوا ما كان من راعيهم، بَكَوه وعلا صراخُهم كأنّ القيامة قامت! فأمسكوه وقالوا له: "لا تجعلْنا، يا أبانا، من جهة الله، أيتاماً منك. أَعلِمنا بخبرك!" فقال لهم: "يا أولادي أنا الحزين الخاطئ، أنا الضعيف الشقي، أنا المرذول! لي اليوم أربعون سنة أتعب وضيَّعت كلّ شيء في ساعة واحدة لأنّي دنّست جسدي القذر المنتن الحقير!" قال هذا والبكاء والعويل يعمل عمله فيه وفيهم. فصرخوا بأجمعهم وقالوا: "يا أبانا، نحن نحمل هذه الخطيئة عنك، نحن وأولادنا!" فلم يقتنع فأمسكوه ومنعوه من الخروج. فلمّا قووا عليه انغلب لهم، فقال: "أيّ شيء تريدوني أن أعمل؟" قالوا: "ابدأ لنا بالقدّاس!" فقال: "ما أفعل!" فصرخوا بصوت واحد: "اعمل طاعةً من أجل الله ولا تخالفْ!" فقال: "مباركٌ شرط أن تعملوا لي محبّة وطاعة ولا تخالفوني فيما يُصلح شأني!" فقالوا: "حسناً!" فباشر بالقدّاس الإلهي. فلمّا كان تمامه، قال لهم: "لست أسقفَكم، بعدُ، إن خالفتموني! ومَن خَالفني يكن مقطوعاً من الله!" قال هذا وخرج إلى باب الكنيسة ودعا الجميع إليه من الكبير إلى الصغير، إلى المرأة، إلى العبد والجارية. قال لهم: "من أجل الله، كلُّ مَن أراد الخروج يطأ بقدمه على وجهي ثلاث مرّات قائلاً: يا مسيح العالم اغفر له! فمَن فعل كذلك نال أجراً!" وإذ تمّموا ما أمرهم به، وهو مُلقى على وجهه، والناس يطأون عليه، وفيما كان آخر المتقدّمين يُنجز خدمة الطاعة هذه، إذا بصوت عظيم يحلّ في المكان فارتعب الجميع. كان القول للأسقف على مسمع الناس: "ليس من أجل الوطء عليك غفرتُ لك بل من أجل تواضعك واعترافك بخطاياك!" فلمّا استقرّ الصوت في آذان الشعب مجّدوا الله وانصرفوا! في بهيمية مغارة بيت لحم وُلد المخلِّص، بإفراغ النفس، ذات يوم، وفي بهيمية مغارة النفس البشريّة يولد المخلِّص، بتواضع القلب، كل يوم! الكبير مَن استصغر نفسه لدى ربّه والناس. هذا يُكبِرُه ربُّه كبيراً ويَلدُه لقيامته شريكاً! تمجَّد اسمه إلى الدهر! فـ "المجد لله في العُلى وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة" |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
دروس في عيد الميلاد المجيد وعمل الله في تجسده | عظات أبونا القمص داود لمعي |
دروس من رداء يوسف |
دروس رجال الله (2) |
دروس من الميلاد |
دروس من الميلاد |