رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
السلام الأرضيّ والسماويّ بيد أنّ عائلة البشر الذين لا يحيون بالإيمان تتبع سلامًا أرضيًّا صرفًا تجاه خيور الحياة الزمنيّة ومنافعها. أمّا العائلة البشريّة التي تحيا بايمان فتنتظر، بخلاف الأولى، الخيرات العتيدة التي تعِدوها بها الأبديّة وتستعمل، خيور الأرض الزمنيّة، لا، لتؤخذ في شركها وتتحوّل عن الهدف الذي إليه تتوق، أي الله، بل لتجد فيه سندًا؛ وبدلاً من أن تثقل على الجسد الصائر إلى الموت وترهقه، تخفّف عنه. ونرى أنّ استعمال الأشياء الضروريّة في الحياة الصائرة إلى الموت مشترك بين المؤمنين وغير المؤمنين، تشارك فيها هذه العائلة وتلك؛ إنّما لكلّ منهما هدف؛ وعلى هذا النحو فمدينة الأرض التي لا تعيش بالإيمان تطمح إلى السلام الأرضيّ وذاك هو الهدف الذي يرسمه التوحيد بين السلطة والطاعة لدى المواطنين ليلاقي بين الإرادات البشريّة في ما يختصّ بمصالح هذه الحياه البشريّة. لكنّ المدينة السماويّة أو بالأحرى هذا الجزء منها الذي يسير على هذه الأرض ويحيا بالإيمان لا يستعمل السلام إلاّ عند الضرورة. وطالما أنّها تطيل، في مدينة السماء، حياة الأسر في مسيرتها الأرضيّة وحيث نالت الوعد بالفداء والهبة الروحيّة عربونًا لذلك، وبما أنّها تخضع للقوانين الأرضيّة التي تهتمّ بالمصالح الزمنيّة فإنّها تطيع دون تردّد؛ وبما أنّهما تشتركان في المصير عينه الذي يقود إلى الموت ترغبان في فهم صريح لهذا المصير الذي تنتظرانه؛ وأمّا مدينة الأرض التي نعِمَت ببعض حكماء وقد شجبتهم الكلمة الإلهيّة لكونهم اعتقدوا بضرورة تأمين رعاية عدد كبير من الآلهة للبشريّة استنادًا إلى تقديراتهم أو إلى خزعبلات الشياطين؛ وللآلهة المذكورين عدّة وظائف: منهم مَن يهتمّ بالجسد وآخرون بالنفس؛ واحد على الرأس في الجسد وآخر على العنق وإلى ما هنالك؛ وفي النفس واحد يهتمّ بالعقل والآخر بالعلم؛ هذا بالغضب وذلك بالحبّ؛ أمّا فيما يختصّ بحاجات الحياة فهذا يرعى القطعان وذاك يهتمّ بالحنطة، هذا بالكرمة وذلك بالزيتونة؛ هذا بالأحراج وذاك بالثروات؛ هذا بالسباحة وذاك بالحرب والنصر؛ هذا بالزواج وذلك بالولادة والإخصاب إلخ? في حين أنّ المدينة السماويّة التي لا تعترف إلاّ بإله واحد تحتفظ، بكلّ تقوى، بالإكرام والعبادة لذاك الإله. وهذه العبادة تسمّى باليونانيّة λατρεια لأنّها به وحده تليق؛ ولقد حدث أنّها لم تستطع أن تدخل مع مدينة الأرض بشراكة في الشريعة الدينيّة ونشأت بينهما خلافات ومخاصمات في هذا المجال، فضلاً عن الكراهية التي أعلنها ضدّ المدينة السماويّة أولئك الذين يعلنون آراءَ مضادّةً لها؛ وثبتت المدينة السماويّة ضدّ هجمات المضطهدين التي لم تتوقّف بمساعدة الرهبة التي تشيعها مجموعة المؤمنين، فضلاً عن النعمة الإلهيّة التى تعضدها وتصدّ عنف الأعداء عنها. وهكذا، طوال مسيرتها على هذه الأرض فإنّ المدينة السماويّة تجنّد مواطنين من كلّ الشعوب وتجمع بالرغم من تنوّع اللغات مجتمعًا على سفَرٍ مثلها، ولا همّ عندها، مهما تباينت الأخلاق والقوانين والمؤسّسات وكلّ ما يساعد على الحصول على السلام الأرضيّ والاحتفاظ به؛ لا تحذف منه شيئًا ولا تهدم شيئًا. ماذا أقول؟ إنّها تحتفظ بكلّ شيء وتتبعه؛ بالرغم من التناقضات التي فيه، وبحسب تنوّع الشعوب، يتوق إلى غاية واحدة، السلام، على هذه الأرض، إذا ترك للديانة، الحرّيّة في تعليم عبادة الإله الواحد الحقّ. ومن ثمّ، فإنّ مدينة السماء تستخدم، في مسيرتها على الأرض، سلام الأرض؛ وفيما يختصّ بمصالح الطبيعة الصائرة إلى الموت وطالما أنّ التقوى سليمة والدين يسمع فإنّها تحمي وتشجّع الاتّحاد بين الإرادات البشريّة موجّهةً سلامَ الأرض إلى السلام السماويّ، السلام الحقيقيّ، الوحيد الذي تستطيع أن تفيد منه، الوحيد الذي يمكن للخليقة العاقلة أن تسمّيه سلامًا: وهو نظام وتوافق تام في التمتّع بالله، أي تمتّع الكلّ المتبادل بالله. هنالك، لا مجال، للحياة الصائرة إلى الموت؛ بل حيويّة كاملة وثابتة؛ ولن يعود مجال لجسد حيوانيّ يرهق النفس بثقله الآئل إلى الفساد؛ بل جسد روحانيّ لا ينقصه شيء، خاضع في كلّ أجزائه للإرادة. وإذ تسير بالإيمان، تملك، ها هنا، هذا السلام وتحيا بالإيمان مع البرارة عندما توجّه إلى ذلك السلام كلّ عمل خير تقوم به، تجاه الله والقريب، لأنّ حياة المدينة حياة اجتماعيّة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|