رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
" وظهر مع الملاك بُغتة جمهور من جُند السماء يُسبِّحون الله ويقولون المجد لله في العُلى وفي ألأرض السّلام للحائزين رضاه"(لوقا 14:2 ) . انهّا أُنشودة الخلود التي سوف يُردّدها جميع الأجيال منذ ولادة المخلّص"يسوع المسيح" وسوف تبقى انشودة تلهم الموسيقيين والملحّنين والمنشدين وهي أعظم انشودة فرح وسلام تسمعها البشرية من الملائكة وسوف تبقى ترنيمة مفضّلة في كل الأوقات ، وقد كانت الأساس الذي بُني عليه العديد من الأعمال الموسيقية وترانيم الميلاد وفرق الترنيم والألحان الليتورجية القديمة ، فمنذ سقوط الأنسان في وحل الخطيئة والموت والخروج من الفردوس التي كان فيها ابوينا ادم وحواء يتمتعان بسلام في محضر الرب ظلّ الأنسان يعيش في صراع رهيب مع نفسه ومع أخيه الأنسان وخيّم الظلام على حياة البشرية وعاش الأنسان في ظلام دامس لانّ"نور العالم" لم يكن قد تجلّى بعد ولأنّ الأنسان فقد السلام والأمان لأبتعادهِ عن الله ، ولأنّ الخطيئة قطعت هذه الصلة بين الله وبين ابوينا فعاش الأنسان في خوف ورعب وساد الموت والحروب والمآسي ، ولكن الله كان له مشروع خلاصي ، مشروع مصالحة ، مشروع اعادة الصلة المفقودة بينه وبين الأنسان . الله أحب الأنسان لأنه" خلقه على صورته كمثاله"فبرغم من كلّ العصيان والتمرّد والخيانة ونقض العهود من قبل الأنسان الا أن الله ظلّ أمينا على عهده مع ابراهيم والآباء كما يخبرنا الكتاب المقدّس تجسّد المسيح: انه أعظم حدث في التاريخ البشري قد وقع منذ زهاء الفين سنة من الآن ، انهّ تدخّل إلهي ليعيد السلام والمصالحة مع الأنسان ، انّه تجسّد الكلمة ( ابن الله) الذي نزل من السماء ليأخذ صورة بشريتنا و ليعيش بيننا ويصالحنا مع أبيه السماوي ولكن بثمن باهض هو الصلب والموت لفدائنا. ياله من أعلان عجيب وبشرى سارة لكل الّذين يقبلونه ليولد في قلوبهم فتتغيّر حياتهم الى الأبد. ياله من خبر سار كان بني اسرائيل ينتظرونه منذ مئات السنين ، وها هو اشعيا النبي يتنبأ عن هذا اليوم العجيب (يوم ولادة المسيح) فيقول :"ولكن السيّد الرب ّ نفسه يعطيكم هذه الآية: ها هي العذراء تحبل وتلد ابنا وتدعو اسمه عمّانوئيل(الذي تفسيره الله معنا)"( اشعي14: 7 ) . "لأنه يولد لنا ولد ويعطى لنا أبناً وتكون الرئاسة على كتفه ويكون مشيرا إلاهاً قديرا وأبا ابديا ورئيس السلام ، سلطانه أبديّا ومملكته في سلام دائم"( اشعيا 9:5,6 ) . نعم في زمن الظلمة الحالكة وعد الله بارسال "نور لجميع الأمم" ، وهو ايضا رئيس السلام لجميع الأمم لانّ مملكته تقوم على السلام وهو سيغير التاريخ كلّه ويقلب كل المعتقدات السابقة القائمة على قوّة السيف وجبروت الجيوش والأمبراطوريات التي كانت تقوم على الحروب والمعارك والغزوات لتبني حضارتها على جماجم البشريّة وسحق الضعفاء وتطبيق شريعة الغابة لكن يسوع المسيح ومنذ ولادته جلب معه السلام بشهادة الملائكة ، "....وفي الأرض السلام" (لوقا 2: 14 ) . ويخبرنا البشير لوقا كيف أنّ الملاك جبرائيل بشّر العذراء مريم بولادة المخّلص يسوع المسيح وأول كلمة قالها الملاك لمريم لكي لاتخاف هي كلمة السلام "فدخل اليها الملاك وقال لها:السّلام عليك يا من أنعم الله عليها.الربّ معك"(لوقا 1:28 ) . والعجيب عندما نتأمّل في أنجيل لوقا أنّه عندما سلّمت مريم العذراء على اليصابات نسيبتها تحرّك الجنين في بطن اليصابات وامتلأت من الروح القدس (لوقا 1:41 ) ، وعرفت اليصابات نتيجة هذا السّلام أنّ مريم العذراء تحمل الرب في بطنها فرنمت وانشدت قائلة: "مباركةً أنتِ في النساء ومباركُ ثمر بطنك ، من أنا حتّى تجيء اليّ أمّ ربّي ؟ ما أن سمعتُ صوت سلامكِ حتّى تحرّك الجنين من الفرح في بطني" (لوقا 1:42 ) . فالسلام الذي اتى به رئيس السلام جلب معه الفرح للبشريّة فالفرح والسلام متلازمان في مملكة المسيح الجديدة ، انّها فرحة السماء والأرض بمصالحة الله مع البشريّة ، فما اعظم هذا الفرح الذي لا يستطيع العالم أن يوفره للبشرية الآ رئيس السلام يسوع المسيح الذي جاء ليعيد البهجة والفرح والرجاء في قلوب اليائسين وليمحي الخوف من الموت للذين يسلّمون حياتهم له ويعطي الرجاء لكل الحزانى والمساكين ويوهب الحياة لكل المائتين روحيّا ويخلصّ المنسحقين في الروح ويعزي المتروكين(مزمور 34:19 ) ، نعم الهنا اله السلام جاء الى هذه الأرض ليؤسس مملكة السلام والمحبة والرجاء فالسلام الذي يمنحه الرب يسوع المسيح هو: السلام مع الله (بالمصالحة مع الله ) ، السلام مع النفس ( بالتصالح مع الذات ) ، والسلام مع الآخرين من أخوتنا( بنزع كل الأحقاد والضغائن والكراهية من القلوب) . في هذا الجزء سنتكلّلم عن السلام مع الله على امل ان نتأمل في الجزء القادم عن السلام مع النفس والسلام مع الأخرين من أخوتنا في الأنسانية . أولا: السلام مع الله . الله يزيح ستار الزمن ليكشف للأنبياء ما هو مُزمع أن يحدث ، وقد حدثت المعجزة بولادة ملك السلام ومخلّص كل من يأتي اليه ، لقد تطلّع الناس في عهد اشعيا النبي الى الأمام ، ولكننا نحن اليوم ندرك هذه الحادثة العجيبة التي حدثت بولادة المخلّص يسوع المسيح ولكن ويا للأسف الملايين لايستمتعوا بحضور المسيح في حياتهم ، ينطبق عليهم قول الرب "تركوني انا نبع الماء الحي وفضّلوا الابار المتشققة" ، نعم الكثيرون يعيشون في الظلام ولا يستمتعون بسلام المسيح الحي الذي يسكبه بالروح القدس على الذين قبلوه في حياتهم ، والكثيرون وحتّى المسيحييين بالولادة ، لم يختبروا سلام المسيح لانّهم منغمسين في شهوات هذا العالم الزائل وأذ نحن مسيحيي العراق نعيش هذه الأيّام ذكرى ولادة الرب يسوع المسيح ، فكم نحن اليوم بحاجة الى مراجعة محطّات حياتنا لنبني ونجدد حياتنا بأن نسمح للمسيح أن يولد في قلوبنا لينور عقولنا ويمنحنا السلام الحقيقي لنعيش السلام مع الرب خالقنا ومع أنفسنا ومع جميع أخوتنا في البشرية يقول الرب في سفر اشعيا النبي" ها أنا أبسط السلام عليها كالنهر وغنى الشعوب كجدول فائض ، فترضعون وتحملون في الأحضان وتدلّلون كالطفل على الركبتين .كمن تعزيه أمه اعزيكم أنا"اشعيا 66:12" تنبأ الأنبياء في العهد القديم عن انّ الله سياتي ليعيش مع شعبه (عمّانوئيل الذي تفسيره الله معنا) ويقيم معه عهدا جديدا ليس كالعهد القديم الذي فيه خان الشعب الأسرائيلي عهده مع الله ، وهنا يقول الله على لسان أرميا النبي: "وستأتي أيّام أعاهد بها بيت أسرائيل وبيت يهوذا عهدا جديدا لا كالعهد الذي عاهدتّه مع ابائهم .....امّا العهد الجديد الذي أعاهد به بيت أسرائيل بعد تلك الأيّام فهو هذا:أجعل شريعتي في ضمائرهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم الهّا وهم يكونون لي شعبا ، فلا يعلّم بعدُ واحدهم الاخر والأخ أخاه ، أن يعرف الرب فجميعهم من صغيرهم الى كبيرهم سيعرفونني لانّي سأغفر ذنوبهم ولن أذكر خطاياهم من بعد"(ارميا 31:31,32,33,34 ) . انّ الرب يسوع المسيح حقق هذا الوعد في العهد الجديد فكل من يؤمن به سيكون الله معه ، ولم يقتصر عمل المسيح بتحريرنا من الخطيئة فقط بل كان دوره ايضا هو انّه صالحنا مع الله والمصالحة تعني انّ لنا سلام مع الله يختلف عن السلام الذي يعطيه العالم " سلاما أترك لكم، سلامي أعطيكم ،لاكما يعطيه العالم اعطيكم أنا ، فلا تضطرب قلوبكم ولا تفزع "(يوحنا 14:27 ) فالسلام مع الله يعني أننا قد تصالحنا معه فلم تعد ثمّة عداوة بيننا وبينه وليس ثمة خطية تعطّل طريق الأتصال به ولم يعد هناك حاجز (الخطيئة) يفصلنا عن الله .انّ هذا الصلح هو أثمن هديّة للأنسان التي لم يكن يوما يحلم بها انّه سلام الأمان والثقة والرجاء واليقين ، انه سلام لا غش فيه ولا نفاق ولا مصلحة . لم يعد هناك خوف لأن الله يحفظنا من كلّ عدو لنا مهما كانت قوّته وجبروته لأننا بهذا السلام دخلنا ملكوت الله ونحن في الأرض. يقول الملك داود في مزمور 27" واذا اصطفّ عليّ جيش فلا يخاف قلبي ، وان قامت عليّ حرب فأنا أبقى مطمئنّا"( مزمور 27:3 ) ، وهذه الحقيقة يختبرها المؤمنون الحقيقيّون عندما يواجهوا الحروب والمشاكل والأمراض فنراهم يعيشون في سلام لأنهم يعرفون أن الله معهم حتى في محنتهم ، وملكوت الله تعني انّه صار هو المسؤول عنا لانّنا خرجنا من مملكة العالم ، ولهذا يقول الرب" ما هُم من العالم ، وما أنا من العالم"(يوحنا 17:16 ) ، فالمؤمنون اصبحوا من عائلة الله لانّنا اصبحنا أبناء الله (أمّا الذين قبلوه ، المؤمنون بأسمه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله " (يوحنا 1:12 ) بتجسّد الكلمة ونزول الله ليعيش معنا وموته على الصليب تمّت المصالحة بين الله والأنسان فالصليب هو بُعد عمودي وبُعد أفقي ويسوع المسيح المصلوب على هذا الصليب هو الوسيط بين الله والآنسان( يرمز اليه البعد العمودي للصليب) ولا يمكن التصالح مع الله الا بشخص يجمع الطبيعة الألهية والطبيعة البشريّة ولأن يسوع المسيح يحمل الطبيعتين( فهو الله وهو الأنسان) .فالأيمان بشخص يسوع المسيح ( كإله وكأنسان كامل ) يعني انّني تصالحت مع الله عن طريق ابنه الذي بذل نفسه وحمل خطايانا على خشبة الصليب فعمل المسيح لم يقتصر على تحريرنا (من الخطيئة التي أبعدتنا عنه منذ سقوط أبوينا ادم وحواء) بل تبرّرنا بدمه المقدّس لنتأهل الرجوع الى الله والمصالحة معه ، وهذه المصالحة تعني أنّنا لنا سلام مع الله وهو سلام يفوق الوصف ، حيث أختبر النبي داود هذا السلام ووصفه بأروع مزمور يقول فيه: "الرب نوري وخلاصي فمّمَنْ أخاف؟ الرب حصن حياتي فممّن ارتعب ؟"(مزمور27:1 ) وفي مزمور أخر يقول " لو سرت في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرّا ، لأنك أنت معي "(مزمور 23:4 ) ، في يديك أستودع روحي ...أبتهج وأفرح برحمتك"(مزمور 31:6,8 ) يقول النبي اشعيا:"أنت يارب ُّ تحفظ سالما من يثبت ويحتمي بك "(اشعيا ,26:3 .....يا رب أعطيتنا السلام (اشعيا 26"12 ) ،"...لكنّ الروح ُ تفيض من العلاء فتصير البريّة جنائن ....ومع العدل يجيء السلام وحيث الطمأنيّة والراحة والهنّاء"(اشعيا 32:15,17,18 ) . ويقول الله على لسان اشعيا النبي أيضا: " اسكن في الموضع المرتفع المقدّس ، كما أسكن مع المنسحق والمتواضع الروح ، فانعش أرواح المتواضعين وقلوب المنسحقين "(أشعيا 57:15 ) . "ذوقوا تروا ما أطيب الرب ، هنيئا لمن يحتمي به."(مزمور 34:9 ) . وقال الرب:"رنّمي وأفرحي يا بنت صهيون ، فها أنا آتي واسكن في وسطك "(زكريا 2:10 ) "ابتهجي يا بنت صهيون ، واهتفي يا بنت أورشليم ها ملككِ ياتيكِ عادلا مخلّصا وديعا راكبا على حمار، على جحش أبن اتان"(زكريا 9:9)"في ذلك اليوم لاتحزنين يا أورشليم بما تمرّد ت عليّ "(صفنيا3:11 ) ، وقد تحققت نبوءة زكريا النبي أعلاه عندما دخل الرب يسوع المسيح في أحد الشعانين الى أورشليم راكبا جحش ابن أتان وها هو البشير لوقا يسجّل هذا الحدث العظيم حيث اصبح انشودة تسبيح وتهليل لرب المجد يسوع المسيح ويردده الملايين من المؤمنين حتى في أيامنا." تبارك الملك الأتي باسم الربّ .السّلام في السماء والمجد في العلى " (هوشعنا لأبن داود هوشعنا للأعالي) (لوقا 19:38 ) ، وها هو النبي ميخا يتكلّم مسوقا بالروح القدس عن هوية الشخص القادم في ملأ الزمان ليولد في بيت لحم فيقول: "لكن يابيت لحم أفراتة ، صغرى مدن يهوذا ، منك يخرج لي سيّد على بني أسرائيل يكون منذ القديم ، منذ أيّام الأزل "(ميخا 5 :2 ) . أما النبي أشعيا فيلقبه برئيس السلام الذي هو واحد من عدّة القاب لايستحقها إلا الرب يسوع المسيح الذي جاء ليفتح للبشريّة الأساس لتحقيق السلام في هذا العالم المضطرب والذي يعيش في حروب واضطرابات فزرع الرب يسوع المسيح بذور السلام في هذا العالم وأعطانا نحن المؤمنين بعد قيامته من بين الأموات وقبل صعوده الى السماء مسؤولية صنع السلام والبشارة بالخبر المفرح لجميع الأمم في هذا العالم لقد نزل الله المتعالي القدوّس الى مستوانا ليخلصنا ، لأنّه من المستحيل أن نرتفع نحن الى مستواه لنخلص نفوسنا وها هو زكريا الكاهن ينشد نشيد الخلاص كما ورد في أنجيل يوحنا فيقول :"لأنّ الهنا رحيم رؤوف يتفقّدنا مُشرقا من العُلى ليضيئ للقاعدين في الظلام وفي ظلال الموت ويهدي خطانا في السّلام"( يوحنا 1:78,79 " ويقول بولس الرسول: "لأنّ الله شاء أن يحل في الملءُ كلّه وأن يصالح به كلّ شيء في الأرض كما في السماوات فبدمه على الصليب حقّق السّلام"(كولوسي الأولى 1:19,20 ). ويتنبأ أشعيا النبي عن مخلص العالم يسوع المسيح الآتي ليصالحنا مع الله فيقول: "...وهو مجروح من أجل معاصينا ، مسحوق لأجل خطايانا ، سلامُنا أعدَّه لنا ، وبجرحه شُفينا "(اشعيا 53 ) ، ( في مكان اخر يقول الله على لسان أشعيا النبي ايضا:".....ومن شفتيّ تخرج ثمرة السّلام ، السّلام للقريب والبعيد وأشفي شعبي"(أشعيا 57:1953:4 ) ، من مشرق الشمس ومغربها يهلل بقدومك البشر ويباركون أسمك القدوس لانك من فوق اتيت يارب ، فانت الجلال والجمال والسناء والبهاء . تأملوا هذا الطفل الوديع ايّها المفتخرون بمجد هذا العالم الزائل ، امّا هو فيعطيكم مجدا أبديا فتعيشوا في ملكوته الى الأبد. أطلبوه بفرح ياجميع الشعوب واستقبلوه في قلوبكم ياجميع المتعطشين الى الخلاص وهو يجلب لكم الفرح والسلام ويهدي عواصف حياتكم . أنت ياطفل المذود أحببتنا ، منذ أن خلقتنا والى الأبد هو عهد حبك لنا ونحن ( كما يقول القديس أُوغسطينوس ) الذين خلقتنا من روحك لن نرتاح في هذه الحياة إلا بين راحتيك . لننشد ونُرنَّم ونهتف ونسبّح يسوع المسيح طفل المغارة في هذه الأيّام المباركة حيث في بيت لحم ولد طفل لنا و مجد الرب أضاء حولنا وأزال الظلام من قلوبنا ، حبّه لنا فوق الأدراك ولا تستوعبه عقولنا جاء ليمسح دموعنا ويشفي اسقامنا ويزيل كل اثامنا ويمنحنا السلام في حياتنا ويزيل كل مخاوفنا ويفتح أذهاننا وعيوننا ويعيش في قلوبنا . |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|