رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
"من يد كل إنسان أطلب نفس أخيه "(تك9/5) - الحياة البشرية مقدسة. تنطلق الكنيسة الكاثوليكية، في مواضيع منع الحمل و الإجهاض و تقنيات الإنجاب الاصطناعي والتشخيص السابق للولادة والقتل الرحيم و المعالجة العنيدة، من مبدأ كرامة الإنسان الإلهية كقاعدة أساسية لتعاليمها الأخلاقية، مستندة إلى الحياة الجديدة التي أسبغها السيد المسيح على العالم. وتندّد الكنيسة الكاثوليكية بكل ما يُرتكب من جرائم وانتهاكات باسم "حقوق الحرية الفردية"، وباسم الطب. فهناك جو ثقافي موجه غايته الإعلاء من شأن الإنسان إلى حد التأليه، جاعلاً منه المرجع الوحيد على الأرض يقرر ما يشاء و كأنه خالق كل شيء. و هذا الشعور يدفع الإنسان إلى الاعتقاد بقدرته على أن ينصّب ذاته سيد الحياة و الموت يقرّرهما كما يريد. 1- وسائل منع الحمل : إن أهم تعليم رسمي ظهر في تنظيم الولادات ووسائل منع الحمل، هو رسالة البابا بولس السادس، "الحياة البشرية"، التي صدرت في 27 تموز 1968. فمنذ ذلك الحين، تسعى الكنيسة إلى توضيح فكرتها في هذا المجال، محلّلة آراء النقّاد والمختصين، ومستندة إلى خبرتها الطويلة في تفسير الشريعة الأدبية الطبيعيّة. استناداً ما تُعلّمه الرسالة في هذا الشأن، وحرصاً منها على الحفاظ على بُعدَي الحبّ الجوهر بين "الاتحاد والإنجاب"، تنبّه الكنيسة الكاثوليكية أتباعها على خطر اللجوء إلى الوسائل غير الجائزة في تنظيم الولادات، لاعتقادها بأن التساهل في استعمالها يفسح المجال "للخيانة الزوجية والانحطاط العام في الأخلاق". وتحدّد الرسالة في تنظيم الولادات النهج الذي ينبغي للزوجين اتباعه: "?فمن ثمّ فليسا هما حرّين في مهمة نقل الحياة، وأن يتصرّفا على هواهما كما لو كان بإمكانهما أن يحدّدا، في استقلال تام، الطرق الكريمة التي ينبغي انتهاجها، بل يجب عليهما أن يطابقا بين مسلكهما وإرادة الله الخلاّق". من هذا المفهوم الخاص للزواج، ترفض الكنيسة الكاثوليكية كلّ أنواع وسائل الحمل في تنظيم الولادات، ما خلا الوسائل التي لا تمس "الدورات الطبيعية الملازمة لوظائف الإنجاب"، وتُجيز اللجوء إلى فترات العقم الطبيعية من دون المساس بالدورة الطبيعية "طريقة أوجينو ? مراقبة درجات الحرارة ? دكتور بيلينغنر". وهذه الطرق تحمل الزوجين على التفكير جدياً بأهمية الحمل وقبوله عندما يشعرا بضرورة الأبوّة والأمومة، فيحافظان هكذا على نوع من الرقي والاتزان النفسيين، ويتساويان في التغلب على غرائزهما الجنسية، وتشعر المرأة بأنها ليست أداة تسلية لرجلها فحسب، إنما شريكة فعّالة لها أهميتها ومكانتها في بناء العيلة وتكوينها. 2- الإجهاض : رأتني عيناك جنيناً (مز138/16) الإجهاض جرم شنيع. من المآسي التي ما برحت تهز الضمير الإنساني وتشغل باله كل مرة يتطرق إليها، مشكلة الإجهاض. فعلى الرغم من انتشار وسائل منع الحمل في كل مكان، هناك أعداد هائلة من الأجنّة يُقضى عليها كل سنة تقدر بالملايين. فما هي نظرة الكنيسة الكاثوليكية إلى الإجهاض عامة؟ تُذكر الكنيسة كل مرة بأن الله هو سيد الحياة، ومن ثم لا يحق للإنسان أن ينصب نفسه سيد هذا الكون، يفعل ما يشاء وكأنه مصدر كل شيء: "لابد من احترام الحياة البشرية وصيانتها على وجه مطلق منذ وقت الحبل. ولابد من الاعتراف للكائن البشري، منذ أول لحظة من حياته، بحقوق الشخص، ومنها الحق في الحياة الذي لا يمكن تخطيه، والعائد لكل كائن بريء"، "قبل أن أصورك في البطن عرفتك وقبل أن تخرج من الرحم قدستك" (إر1/5). ولقد أكدّت الكنيسة منذ القرن الأول شرّ كل إجهاض مفتعل على الصعيد الأخلاقي. وهذا التعليم لم يتغير. وهو باقٍ دون تعديل. الإجهاض المباشر، أي الذي يريده غاية أو وسيلة يتعارض بوجه خطير مع الشريعة الأخلاقية. "لا تقتل الجنين بالإجهاض، ولا تُهلك المولود الجديد" (ذيذخيا 2/2)؛ وتؤكد الكنيسة في تعليمها "إن الله سيد الحياة والموت قد عهد إلى البشرية في مهمة الحفاظ على الحياة، وهي مهمة شريفة يجدر بالإنسان أن يقوم بها قياماً يليق به. فالحياة منذ وجودها بالحبل، يجب الحفاظ عليها بكل عناية. الإجهاض وقتل الأجنة هما جريمتان منكرتان". وفي السياق نفسه، يشدّد البابا يوحنا بولس الثاني على ضرورة احترام الطفل البريء الضعيف والأعزل، قائلاً: "الإجهاض المفتعل قتل متعمد ومباشر، أيّا كانت طريقته، يستهدف كائناً بشرياً لا يزال في الطور الأول من وجوده، في الفترة ما بين الحمْل والإنجاب". وتتوغل الرسالة في تشخيصها للإجهاض ومفاعيله السلبية لتحمل على أولئك الذين يحرّضون المرأة على القيام بمثل هذا العمل. فالمسؤولية تقع خصوصاً على والد الطفل الذي غالباً ما يدفع المرأة إلى الإجهاض لأغراض شخصية رخيصة، منتهكاً كل الأعراف والقيم الأدبية. وتُحمِّل الرسالة أيضاً الأطباء والأجهزة الصحية مسؤولية الإجهاض "عندما يطوّعون للموت الكفاءات التي أحرزوها لدعم الحياة". أما مسؤولية المشرّعين "الذين دعموا الحياة وقرّروا قوانين الإجهاض"، فهي الأكثر جسامة في رأي الرسالة. من هذا المنظار يبدو موقف الكنيسة من المطالبين بوجوب تشريع الإجهاض حازماً لا يرضى بأيّ تنازل، لأن كرامة الإنسان وقيمته هي أسمى من كل شيء: "حقُ كل فرد بشري بريء في الحياة، الذي لا يمكن التنازل عنه، هو عنصر من العناصر المكوّنة للمجتمع المدني وتشريعه". "وعلى الشريعة بنتيجة الاحترام والحماية الواجب تأمينها للولد منذ الحبل به، أن تُعد عقوبات جزائية مناسبة على كل مخالفة متعمّدة لهذه الحقوق". 3- الفحص الذي يسبق الولادة : ثمة معضلة أخرى تنصبّ في سياق موضوع الإجهاض، ألا وهي التشخيص السابق للولادة. إن موقف الكنيسة الكاثوليكية من هذه المسألة واضح للغاية. فالحياة الإنسانيّة، سليمة كانت أمّ مشوّهة، تبقى على صورة الله ومثاله. ولا يُسوّغ لأحد أن يتصرف بها وكأنّه المصدر والغاية، وتضيف: "بما أنه من الواجب معاملة الجنين منذ الحبل به كشخص، فلابد من الدفاع عن سلامته الجسديّة، ورعايته وشفائه قدر المستطاع، مثل أي كائن بشري آخر: "يجب اعتبار الإجراءات على الجنين البشري جائزة، شرط أن تُحترم حياة الجنين وسلامته الجسديّة، وأن لا تسبّب له أخطاراً أكبر، بل أن تهدف إلى شفائه أو إلى تحسّن أوضاعه الصحيّة، أو إلى إبقائه على قيد الحياة". إذاً، من الجائز أخلاقياً إجراء الفحص الذي يسبق الولادة إذا احتُرم حياة الجنين البشري وكماله الطبيعي، وكل "إنتاج أجنةٍ بشريةٍ مهيأةٍ للاستثمار كمادة حيوية جاهزة عمل يتعارض والأخلاق". فإن "بعض محاولات التدخل في الإرث الكروموزميّ أو التناسلي ليست للعلاج، وإنما تسعى إلى استحداث كائنات بشرية مختارة بحسب الجنس أو صفات أخرى مقررة سابقاً. إن هذا التلاعب يتعارض وكرامة الكائن البشري الشخصية، وكماله وهويته الفريدة والتي لايمكن أن تتكرر". 4- الأوتنازيّا أو الميّتة الميّسرة، والانتحار، التعنت العلاجي : "أنا أميت وأحيي" (تث32/39) ? مأساة القتل الرحيم آ - الأوتنازيّا : للكنيسة الكاثوليكية في هذه المسألة رأي واضح يعبّر عن عمق قناعاتها وإيمانها بالإنسان وقيمته الروحيّة، فمن تضاءلت حياتهم أو ضعفت يقتضون احتراماً خاصاً، والأشخاص المرضى أو المعاقون يجب مساندتهم ليحيوا حياة طبيعية قدر المستطاع. و"الاوتنازيا" المباشرة، مهما كانت أسبابها ووسائلها، تقوم على وضع حدّ لحياة أشخاص معاقين، أو مرضى، أو على شفير الموت. وهي غير مقبولة من الوجهة الأخلاقية. وهكذا فكل عمل أو إهمال من شأنه أن يسبب بذاته وبنيّة صاحبه الموت للقضاء على الألم، هو قتل يتعارض بوجه خطير وكرامة الشخص البشري، واحترام الله الحيّ، خالقه. ولعل المسائل الاجتماعية والاقتصادية هي أهم ما يسيء إلى قيمة الإنسان وكرامته إن هي تحكّمت بمصيره وجعلته يشعر بعدم أهميته ومكانته بين أترابه. فإذا ما تغلغلت روح المنفعيّة في مكان ما، يضحي الإنسان مجرد آلة تستخدم في خدمة الآخرين، ثم تُرمى بعيداً حالما تُستنزف طاقتها. نحن هنا أمام مظهر من أرهب مظاهر "حضارة الموت" التي تتسرّب خصوصاً إلى المجتمعات المترفة المطبوعة بطابع الذهنية المنفعية، ومعها تمسي الحياة بلا معنى إذا أصابها عجز لا شفاء منه. ب - التعنّت العلاجي : في حين ترفض الكنيسة كل شكل من أشكال القتل الرحيم "الاوتنازيا"، تجد في التعنت العلاجي ضرباً من المكابرة وعدم مواجهة الواقع. فهناك حالات مرضيّة مستعصية لا يمكن شفاؤها، كتوقف الدماغ عن العمل، وما الإلحاح في معالجتها سوى محاولات يائسة لا تجدي نفعاً: "التوقف عن الإجراءات الطبيّة المكلفة والخطرة وغير العادية، أو التي لا تتناسب والنتائج المرتقبة، يمكن أن يكون شرعياً. إنه رفض "التعنت العلاجي". فليست النيّة عندئذ التسبب بالموت، وإنما القبول بالعجز عن الحؤول دونه. ويجب أن يتخّذ المريض القرار إذا كانت له الصلاحية والقدرة، وإلا فمن لهم الصلاحية القانونية، على أن تحترم أبداً إرادة المريض المعقولة ومصالحه المشروعة." ولكن ذلك من غير أن توقف العلاجات العادية التي تحق للمريض في مثل هذه الحال: "لا يمكن بوجه شرعي التوقف عن إعطاء المساعدات الواجبة عادة لشخص مريض، وإن حُسب مشرفاً على الموت". واستعمال المسكنّات لتخفيف آلام المُشرف على الموت، يمكن أن يكون متوافقاً مع الكرامة البشرية، إذا لم يكن الموت مقصوداً، وإنما متوقعاً ومحتملاً بكونه لا مهرب منه. العلاجات المسكنّة هي صيغة مميزة للمحبة النزيهة.ولقد شجعت الكنيسة منذ أمد بعيد الأبحاث العلمية في معظم ميادينها، لكنها، في الوقت عينه، كانت متنبّهة لكل انحراف قد يصدر عن هذا العلم أو ذاك. ج - الانتحار: كل إنسان مسؤول عن حياته أمام الله الذي منحه إيّاها، ويبقى هو، الله، سيدها الأعظم. يقبل الإنسان الحياة بالشكر، ويصونها إكراماً لله الحي. فهو وكيل ومؤتمن عليها وليس له الحق بالتصرف بها. والانتحار يتعارض وميل الإنسان إلى الحفاظ على حياته والاستمرار فيها؛ فهو يتعارض بوجه خطير ومحبة الذات ويُسيء أيضاً إلى محبة القريب. الانتحار يتعارض مع محبة الله الحيّ. وتدعونا الكنيسة أن لا نيأس من خلاص الأشخاص الأبدي، إذا ما انتحروا، فالله يستطيع أن يهيء لهم، بالطرق التي يعلمها، الظرف الملائم لندامة تخلصهم. والكنيسة تصلي من أجل الأشخاص الذين اعتدوا على حياتهم الخاصة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|