لايستطيع أحد أن يخدم سيدين...(مت6:24)
السبت 09 يونيو 2012
بقلم قداسة البابا شنودة الثالث
هكذا قال الرب في العظة الجبل:
لايقدر أحد أن يخدم سيدين.لأنه إما أن يحب الواحد ويبغض الآخر,أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لاتقدرون أن تخدموا الله والمال
هكذا قال الرب في العظة الجبل:
لايقدر أحد أن يخدم سيدين.لأنه إما أن يحب الواحد ويبغض الآخر,أو يلازم الواحد ويحتقر الآخر.لاتقدرون أن تخدموا الله والمال....
وهنا أذكر قاعدة في التفسير تقولحذف المعلوم جائزةفالمقصود...
هنالايقدر أحد أن يخدم سيدين مختلفين في الاتجاه
فإن خدمهما معا,لاتكون خدمته لكل منهما بنفس المساواة وبنفس الأمانة,أو تكون خدمته بالنسبة إلي أحدهما خدمة حقيقية من القلب,وتكون خدمته للآخر بالادعاء أو بالرياء.
أما إن كان الاتجاه واحدا,فمن الممكن للإنسان أن يخدم الجميع.. يمكنه أن يخدم الله ويخدم الكنيسة,ويخدم المجتمع والدولة,ويخدم العلم...
ولكنه لايمكن أن يخدم الله,وسيدا آخر ضده أو ينافسه في طاعته سواء كان هذا السيد شخصا أو شيئا.
ذلك أن خدمة الله,ينبغي أن تكون كاملة وشاملة,ومن كل القلب.
وعن هذا الأمر قال الكتابتحب الرب إلهك من كل قلبك,ومن كل نفسك,ومن كل قوتك(تث6:5),وتكررت نفس العبارة في العهد الجديدتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك.
هذه هي الوصية الأولي والعظمي.والثانية مثلها:تحب قريبك كنفسك.بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء(مت22:37-40).
تحب الرب إلهك وتحب قريبك.لأنهما في نفس الاتجاه
أما إذا تعارضت محبة الله ومحبة القريب,فإن الرب يقولمن أحب أبا أو أما أكثر مني,فلايستحقني.ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر مني,فلا يستحقني...(مت10:37).
ذلك لأنه مادام القلب كله لله,إذن تحب الكل داخل محبة الله,ولاتكون حينئذ تخدم سيدين,بل الله وحده.
فلا تحب القريب محبة ضد محبة الله ولامحبة أكثر من محبة الله.
الله وقيصر
ونفس الوضع بالنسبة إلي الله وقيصرأي الحاكم
يمكن أن تخدم الله وتخدم قيصر,إذا كانت خدمتهما في نفس الاتجاه,لاتعارض إحداهما الأخري.وفي ذلك قال السيد المسيحأعطوا مالقيصر لقيصر,وما لله لله(مت22:21)
أما إذا تدخل قيصر في مالله,وأراد أن يبعد الناس عند الله,فهنا لايقدر إنسان أن يخدم سيدين,بل يقول كما قال الآباء الرسل ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس(أع5:29).
وهكذا حدث اصطدام بين المسيحية وقيصر,وبدأ عصر الاستشهاد,وعصر من الاضطهاد ولكن لما عاد الاتجاه الواحد بين المسيحية والقياصرة القديسين,أمكن للآباء أن يخدموا الله وقيصر معا في ظل الحق بدون تعارض.
الله والعالم
يقول الكتابمحبة العالم عداوة لله(يع4:4)
ويشرح ذلك فيقوللاتحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم.
إن أحب أحد العالم,فليست فيه محبة الآب, لأن كل مافي العالم شهوة الجسد,وشهوة العيون,وتعظم المعيشة...والعالم يمضي وشهوته معه(1يو2:15-17).ومن الأمثال البارزة علي عدم الجمع بين محبة الله ومحبة العالم,ما حدث لديماس تلميذ بولس الرسول إذ قال الرسول عنه:
ديماس تركني,لأنه أحب العالم الحاضر(2تي4:10)
ومثله سليمان الحكيم,حينما استغرق في شهوات العالم المادية:
وقال في ذلك عن نفسهعظمت عملي:بنيت لنفسي بيوتا,غرست لنفسي كروما,عملت لنفسي جنات وفراديس...عملت لنفسي برك مياه لتسقي بها المغارس المنبتة الشجر.. قنيت عبيدا وجواري...وكان لي قنية بقر وغنم...جمعت لنفسي فضة وذهبا وخصوصيات الملوك والبلدان.اتخذت لنفسي مغنين ومغنيات,وتنعمات بني البشر سيدة وسيدات...ومهما اشتهته عيناي لم أمسكه عنهما(جا2:4-10).
الروح والجسد
لايقدر إنسان أن يخدم الروح والجسد معا,مادام الجسد يشتهي ضد الروح,والروح ضد الجسد,وهذان يقاوم أحدهما الآخر(غل5:17).
ويقول الرسول إيضالأن من يزرع لجسده,فمن الجسد يحصد فسادا,ومن يزرع للروح,فمن الروح يحصد حياة أبدية(غل6:8).
العجيب أن سليمان الحكيم,بعد أن نال الكثير جدا من تنعمات الجسد.يقولوبقيت أيضا حكمتي معي(جا2:9).وأنا أعاتبه في ذلك وأقول:ربما بقيت حكمتك معك إلي حين ولكنها لم تستمر!إذ يقول الكتاب:
وكان في زمان شيخوخة سليمان,أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخري.ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود أبيه(1مل11:4).
حقا إنها لكارثة! سليمان الحكيم الذي أخذ الحكمة من فوق,من الله مباشرة(1مل3:11-12) الذي تراءي له الله مرتين(1مل9:2).
سليمان هذا-بسبب النساء-ذهب وراء عشتاروت إلهة الصيدونيين,وملكوم رجس العمونيين وعمل سليمان الشر في عيني الرب...(1مل11:5, 6).وحل عليه غضب الرب فعاقبه,ومزق مملكته(1مل11:11-13).
حقا لايقدر إنسان إن يخدم سيدين:الله وشهوة النساء
ومن الأمثلة البارزة التي أتلفتها شهوة النساء:شمشون الجبار الذي كان نذيرا للرب من بطن أمه(قض13:7).
وقد باركه الرب وابتدأ روح الرب يحركه (قض13:24, 25).وحل عليه روح الرب أكثر من مرة(قض14:6, 19) (قض15:4).وصنع الرب معه عجائب,وصنع به خلاصا,شمشون هذا وقع في شهوة النساء,ولم يقدر أن يخدم الله وهذه الشهوة معا...
وقع في شهوة امرأة في تمنه(قض14:2).وألحت عليه فكشف لها سر الأحجية التي قالها للفتيان(قض14:16, 17) .وعاد فوقع في شهوة امرأة زانية في غزة(قض16:1) ثم أحب امرأة في وادي سورث اسمها دليلة(قض16:4) وكان ضياعه علي يديها,إذ خانته وألحت عليه في كشف سر قوته لها,فضاقت نفسه إلي الموت,وكشف لها كل قلبه(قض16:16, 17).
وكانت النتيجة أنه فقد نذره,وحلقوا شعره,وقلعوا عينيه,وأوثقوه بسلاسل وكان يطحن في بيت السجن(قض16:21).وانطبق عليه المثل القائل:
إن كان وراء كل رجل عظيم امرأة فإن وراء كل رجل فاشل أكثر من امرأة.
وهكذا تحقق قول الكتاب عن شهوة النساء إنهاطرحت كثيرين جرحي,وكل قتلاها أقوياء(أم7:26).
إذ لايقدر أحد أن يخدم الروح والجسد المنحرف معا أما إذا اتحد الاثنان معا وسارا في اتجاه واحد روحي,حينئذ ينطبق عليهما قول الكتابمجدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله(1كو6:20).
الله والشيطان
طبيعي أن لايقدر أن يخدم الله والشيطان معا
وهذا واضح في الخطية الأولي في سقطة أمنا حواء
لم تقدر حواء أن تجمع بين وصية الله وماقالته لها الحية,إذ كان هناك تناقض بينهما.ولما أطاعت الحية عصت الله وسقطت(تك3) .وجرت علي البشرية-من بعدها قضية الموت.
وهكذا فإن إيليا النبي-فيما كان يحذر بني إسرائيل-يحذرنا نحن أيضا بقولهحتي متي تعرجون بين الفرقتين؟إن كان الرب هو الله فاتبعوه وكان البعل (هو الله) فاتبعوه(1مل18:1).
ذلك لأنه لايقدر أحد أن يخدم سيدين
الله والذات
أكبر عدو هو الذات الـEgo ولذلك أمرنا الله بإنكار الذات فقالمن يحب نفسه يهلكها,ومن يبغض نفسه في هذا العالم,يحفظها إلي حياة أبدية(يو12:25) وقالإن كان أحد يأتي إلي ولايبغض أباه وأمه.حتي نفسه إيضا,فلايقدر أن يكون لي تلميذا(لو14:26).
وقال بنفس المعنيمن وجد حياته,يضيعها,ومن أضاع حياته من أجلي,يجدها(مت10:39)...لذلك كثيرون أضاعوا أنفسهم,لأنهم ركزوا كل اهتمام في الذات,أو جعلوا مايختص بذاتهم,أهم مما يختص بالله!
سقطة الشيطان الكبري كانت بسبب الذات
كان ملاكا عظيما من طغمة الكاروبيم.وقال له اللهأنت خاتم الكمال,ملآن حكمة,وكامل الجمال...أنت الكاروب المنبسط المظلل(حز28:12, 14) وقال له أيضاأنت كامل في طرقك من يوم خلقت إلي أن وجد فيك إثم(حز28:15).
وكيف وجد فيه إثم؟كان كذلك يوم فكر في إعلاء ذاته وهكذا وبخه الله قائلا:أنت قلت في قلبك.أصعد إلي السموات أرفع كرسي فوق كواكب الله...أصعد فوق مرتفعات السحاب أصير مثل العلي(إش14:13, 14).
ولم يقدر الشيطان أن يجمع بين شهوة الذات وخدمة الله
فانحدر إلي الهاوية,إلي أسافل الجب(أش14:15)
الذات أيضا أسقطت شاول الملك,حين استقل عن الله وتصرف بذاته وكانت الذات هي التي أشعلت حقده علي داود ولسعيه لقتله. ولم يقدر شاول أن يجمع بين خدمته لله وخدمته لذاته.ولا أن يجمع بين خدمة ذاته ومحبته لدواد فهلك...
الله والمال
إن السيد الرب يقول في صراحةلاتقدرون أن تخدموا الله والمال(مت6:24).ويقول أيضاما أعسر دخول ذوي الأملاك إلي ملكوت الله....مرور جمل من ثقب إبرة,أيسر من أن يدخل غني إلي ملكوت الله(مز10:23, 25).
وكانت هذه هي مشكلة الشاب الغني الذي كان يسعي إلي الملكوت,وقال للسيد الربأي صلاح أعمل لتكون لي الحياة الأبدية؟(مت19:16).
فلما قال له الرب اذهب وبع كل مالك وأعطه للفقراء...مضي حزينا لأنه كان ذا أموال كثيرة(مت19:21, 22).
ولم يقدر الشاب الغني أن يجمع بين سيدين:الله والمال
ومع ذلك فهناك أغنياء كثيرون كانوا أبرارا ومن بني الملكوت
إبراهيم أبو الآباءكان غنيا جدا في المواشي والفضة والذهب(تك13:2) وكان مباركا من الرب(تك12:2) وأيوب الصديق كان في الغنيأعظم كل بني المشرق(أي1:3) وشهد له الله أنه رجل كامل ومستقيم(أي1:8).ويوسف الرامي الذي كفن جسد المسيح ودفنه في مقبرتهكان غنيا..وكان هو أيضا تلميذا ليسوع(مت27:57).وإبراهيم الجوهري في العصر الحديث كان غنيا جدا,وكان من الأبرار محبا للكنيسة وللفقراء...والأمثلة عديدة.
وهنا أحب أن أفرق بين عبارةيخدم المالويخدم بالمال
كل الأغنياء القديسين الذين ذكرناهم,ماكانوا يخدمون المال,بل كانوا يخدمون الله بالمال,ومثلهم النسوة اللائي كن يتبعن الرب وكن يخدمنه من أموالهن(لو8:3) وكذلك فعل المؤمنون في العصر الرسوليفكل الذين كانوا أصحاب حقول أو بيوت,كانوا يبيعونها ويأتون بأثمان المبيعات ويضعونها عند أرجل الرسل فكان يوزع علي كل واحد كما يكون له احتياج(أع4:35,34) وكذلك النسوة اللائي جعلن بيوتهن كنائس(رو16:3-5).
عكس ذلك حنانيا وسفيرا(أع5) لم يقدرا أن يجمعا بين الله ومحبة المال,ماكانا يملكان المال,بل المال كان يملكهما.
دفعهما المال إلي الكذب ليس علي الرسول فقط,بل علي روح الله الذي فيه كذلك فإن الذي يخدم المال,يريد باستمرار أن يزيده وينميه,لا أن ينقص منه وهكذا يصبح من الصعب عليه أن يصرف منه للفقراء كذلك يصعب عليه أن يدفع العشور والبكور وباقي استحقاقات الله من ماله ويكثر عندهمال الظلم(لو16:9).
أي المال الذي ظلموا فيه الفقراء واستبقوه عندهم,أو المال الذي سلبوه من الله نفسه(ملا3:8).
الذي يخدم المال يقع أيضا في خطية الجمع والتكويم
كما قال سليمان في سفر الجامعةأما الخاطئ فيعطيه شغل الجمع والتكويم(جا2:26) هذا الذي كتبت عنه قديما مقالا بعنوان شيطان الرصيد إذ يفرح كلما زاد الرصيد كما لو كان الرصيد هو الهدف,وليس الهدف هو استخدام الرصيد في الخير بتوزيعه علي المحتاجين!
وفي هذه الحالة لايقدر أن يدفع المال علي الحالات التي تتطلب معونات كبيرة مثل عمليات زرع الكبد أو زرع الكلي وما أشبه...
كذلك من أخطر نتائج خدمة المال:الاتكال عليه
فيحدث أن صاحب المال,يتكل عليه وليس علي الله ولذلك فإن السيد الرب عندما قالماأعسر دخول ذوي الأموال إلي ملكوت اللهوتحير التلاميذ من ذلك أجابهم ما أعسر دخول المتكلين علي الأموال إلي ملكوت الله(مر10:23, 24).
والمتكل علي المال,إذا أعوزه المال يقلق ويحمل الهم
لذلك قال الرب لهؤلاء لاتهتموا بما تأكلون وتشربون وتلبسون...لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلي هذه كلها(مت6:25-32).
|