رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كنيستي... أعشقها
عندما طرح علي الأستاذ موريس آكوب أن أختار موضوعين لمثل هذه الأحاديث اللاهوتية لم أتردد في أن أعرض عليه الكلام على موضوعين هما قطبا حياتي الكنسية والكهنوتية، ألا وهما الكنيسة والكهنوت اللذان يشكلان قطبي المحور في حياتي الذي هو يسوع المسيح، حب الله المتجسد لخلاص الإنسان. لقد اخترت عنوانين للموضوعين عنوانين لكتابين كتبتهما عام 2003 وهما: كنيستي ...أعشقها وحب بلا حدود عنوان الموضوع القادم في 9/12 . كم يلذّ للإنسان أن يتكلم عما يحب. اسألوا أماً عن طفلها تصف لكم حياته بالتفصيل الممل...اسألوا تاجراً بخيلاً عن المال، يحدثكم ساعات طويلة عن الدولار وأسعار البيوت والذهب... ونحن أنملّ من الحديث عن يسوع المسيح الذي نحبه لأنه أحبنا أولاً ومات وقام من أجلنا؟ أنملّ من الحديث عن الكنيسة التي نحن خلايا فيها أو أعضاء حية! أأملّ من الحديث عن الكهنوت الذي دعاني إليه الله عن غير استحقاق مني واخترته برضاي وبفرح وحب كبير!... لذلك أنا مسرور أن أتكلم في هذا المساء عن الكنيسة. وكم أتمنى لكم أن تعشقوها مثلي وأكثر لأنكم من خلالها سوف تعشقون المسيح رأسها ورئيسها. وسوف تتجاوزون عن كل أخطائها وخطاياها بل تحاولون على قدر الإمكان تصحيح أخطائها الحاضرة بالسعي الإيجابي إلى خدمتها. الكنيسة التي أتكلم عنها هي تلك الكنيسة التي أسسها يسوع على الصخرة. صخرة تعليمه وصخرة الرسل الذين امتلأوا من الروح القدس يوم العنصرة فانتشروا في العالم اليهودي أولاً ثم في العالم الوثني لكي يُعلنوا الخلاص، أي حب الله للبشر، في كل مكان، هذا الحب الذي تجسد في شخص يسوع المسيح كلمة الله المتجسد الذي أظهر لنا حب الله وإراداته. الكنيسة التي أتكلم عنها وأعشقها هي كنيسة الشهداء والدياميس الذين بذلوا حياتهم رخيصة في سبيل الشهادة. لذاك الذي أستُشهِد قبلهم حبّاً بهم، فبادلوه الحب بالحب وبالطريقة نفسها. وهم مئات الألوف في الكنيسة الأولى، خصوصاً ما بين عام 64 حين أصدر الإمبراطور الطاغية نيرون مرسومه بأن الدين المسيحي هو خارج القانون. (فيكفي أن يُعرَف عن إنسان أنه مسيحي حتى يُقتل) وعام 313 حين صَدَرَ مرسوم ميلانو للأمبراطور الوثني قسطنطين الكبير الذي يُلغي قانون نيرون الظالم.ولكن الكنيسة بقيت حتى يومنا هذا مضطَهَدة في أنحاء كثيرة في العالم قد يكون الاضطهاد دموياً وتصفيةً للمسيحيين كما جرى على ممر العصور في بقاع شتى من العالم أو قد يكون الاضطهاد معنوياً واجتماعياً من قطع أرزاق وفرض جزية وعدم التساوي مع باقي المواطنين أو تشنيع بالمسيحية أو محاولة نشر الفساد بالموضات الاجتماعية والبدع وتفتيت المسيحيين (شهود يهوه، المورمون، العبادات المشوِهة للديانة المسيحية...)، ترويج الخرافات والأفكار الملحدة، لا ننسَ المبادئ الشيوعية والرأسمالية- بالأفلام المناهضة للدين المسيحي: (محاربة الكهنوت، حياة التكريس (فيلم الراهبة، الإغواء الأخير للمسيح، يسوع سوبر ستار... ) قوى الشر لا تزال تقاوم المسيح واتباعه... وقد تدخل أحياناً من خلال المؤمنين أنفسهم بحجة التحرر، والتطور، والنقد "البنّاء" (وقد يهدم نفوساً كثيرة غير مستعدة) فهو غير بنّاء بل مخرّب. الكنيسة التي أتكلم عنها وأعشقها هي كنيسة القديسين الذين لا عدد لهم الكبار منهم والصغار الذين طوّبتهم الكنيسة وتذكرهم الروزنامات الطقسية والمغمورين الذين لا يذكر اسمهم أحد. القديسون أي الذين عاشوا وعود معموديتهم والتزامات الميرون. فأينعت فيهم ثمار الأسرار المقدسة من حب عاشق لله وللإنسان فكرسوا حياتهم لله في خدمة الإنسان على جميع الأصعدة: فمنهم من أهلك نفسه من أجل البائس والمريض والمتألم (مثل تيريز كالكوتا، داميان دو فوستر رسول البرص وقزما وداميانوس) ومنهم من كرس حياته للتبشير بالمسيح وزرع كلمة الله في النفوس والتعريف عن إله المحبة مثل بولس وبطرس ويوحنا فم الذهب واغسطينوس وكسفاريوس صديق اغناطيوس دو لويولا... وجميع المبشرين. ومنهم من زهد في الدنيا وحتى في الرسالة ولكنه أصبح منارة للقاصي والداني فأصبحت عزلتهم للبعيد والقريب ولعابر السبيل مثل العمودين (سمعان) ومارون وشربل ورفقة ... ومنهم من عاش بصمت وصوم وصلاة ولكن كانت شهادة حياتهم الصامتة أروع حديث لمن يريد أن يصغي ويتأمل: مثل خوري آرس والبادري بيو ومكسميليان كولب الذي قدَّم نفسه ليموت في السجن بدلاً من إنسان آخر متزوج في المعتقلات النازية... وتيريزيا الطفل يسوع التي لم تبرح ديرها والحصن وأثرّت بحياتها الصامتة في روحانية القرن العشرين بكامله بما سمّوه "الطفولة الروحية". الكنيسة التي أتكلم عنها هي الاحتفالات والطقوس. أعتبرها لقاءات إنسانية اجتماعية روحية إلهية. يرتقي بها الإنسان من الذات الفردية ليلتقي بالله وبالجماعة المؤمنة المصلّية. هل أجمل من أسبوع الآلام وكل ما سبقه من أصوام وإماتات وصلوات ورياضات روحية وأحاديث عن موت المسيح وقيامته بما في ذلك رتبة درب الصليب ثم عيد الفصح والهجمة!؟ وكل الأعياد التي تتبع عيد الفصح: أحد توما وحاملات الطيب... والصعود والعنصرة وعيد جميع القديسين وعيد الجسد... ثم يأتي موسم عيد العذراء وانتقالها إلى السماء وصلاة الباراكليسي وصوم السيدة... ثم يليه موسم عيد الصليب والاحتفال به خصوصاً في بعض القرى مثل معلولا وصيدنايا ودمشق وفي جبل لبنان. ونتجه إلى موسم الميلاد بمباهجه للأطفال وللكبار... هذه الاحتفالات والمواسم التي أسميّها عناق الأرض والسماء بكل طقوسها وصلواتها وأناشيدها وفنّها وسمّوها تربط الإنسان بربه من خلال ما تذكّر به من وجوه سر الخلاص. ففي كل عيد ذكرى خاصة: نلحُّ مرةً على سر التجسد ونتعلم حب الله لنا في تواضعه وفقره وعيشه البسيط بين الناس.وفي موسم آخر نتأمل حب الله لنا في عذاباته وصلبه وقيامته. ومرة ثالثة نتذكر مع الكنيسة حب الله لنا في إرساله الروح القدس الذي وَعَدَنا به الابنُ في العشاء السري وتأسيس الكنيسة وانطلاقتها في العالم. أما في أعياد السيدة فإننا نتذكر حب الله لنا في اختياره إحدى بناتنا ورفعِها إلى مستوى الأمومة الإلهية وتمجيدها فوق العالمين وهو في ذلك يرفع من إنسانيتنا الخاطئة. كما نتذكر بنوّتنا الإلهية إذ أصبحنا في مريم أبناء الله بالتبني بدم المسيح المهراق على الصليب والتي شاركته فيه أمُّه، أمُّ الفادي. وأيضاً نعيّد للقديسين، أولئك الإخوة الذين سبقونا في الجهاد وأصبحوا لنا القدوة في عيش النعمة والقداسة وأصبحوا منارة للبشر بما قدموه من صالح الأعمال. ترون أن احتفالاتنا وطقوسنا ليست فولكلوراً موسمياً سنوياً. بل هي محطات روحية تعلّمنا فيها الكنيسة المقدسة ألف درس ودرس. تُعِيد فتربطنا بمحور حياتنا ألا وهو يسوع المسيح مخلصنا. الكنيسة التي أتكلم عنها هي تلك الكرمة التي تكلم عنها يسوع في العشاء السري وذاك الجسد السري الذي وصفه بولس الرسول في أكثر من رسالة من رسائله. هل من صورة أو تشبيه أجمل؟ (إن كانت كرمة أو جسداً؟!) هل من تشبيه أبلغ لوصف ارتباط المسيحيين بيسوع المسيح واتحاد المسيحيين في ما بينهم!؟ كلنا نُسَرُّ أن نسير تحت "عريشة" أو عرائش منتشرة في السهل والعناقيد المتدلية من الأغصان وهي ناضجة للقطاف للأكل أو للعصير والتخمير وجمع الناس حول مائدة محبة يحتسون الخمرة الطيبة التي تُفرح قلب الإنسان (كما يقول الكتاب). وماذا نقول حين يمتد فكرنا إلى مائدة المذبح التي يجتمع حولها المؤمنون ويتناولون الجسد والدم المقدسين تحت شكلي الخبز والخمر. أما كان يسوع يفكر بالمائدة المقدسة حين شبه نفسه بالكرمة هو الجذع فيها ونحن الأغصان ويريدنا أن نكون أغصاناً يانعة شهية مثمرة بالعطاءات المختلفة وبالقداسة، شريطة أن نبقى فيه ثابتين، لأننا من دونه لا يمكننا أن نعطي ولا حبة عنب وبالتالي ولا قطرة خمر. فهو إذاً من يحيي حياتنا بالنسغ الذي يمدنا به، أي الروح القدس الذي يهبنا إياه، وهذا الروح الذي يهبنا بدوره الفكر والعمل. وكنيستي أيضاً هي الجسد السري. أعضاء كثيرة ورأس واحد. أعضاء مترابطة متلازمة مختلفة يؤدي كل عضو دوره أو خدمته المتميزة أو رسالته في هذا الجسم الكبير بتوجيه من الرأس. في هذا الجسد الكبير مواهب كثيرة لبنيان الجماعة أي الجسد كله ولبنيان الفرد ولقداسته، على أن يعمل الجميع بإلهامات من الروح الواحد الذي يعمل نفسه في الجميع مثل الدم الذي يسري في العروق فهو يحمل معه الأوكسجين والغذاء وكل ما يلزم العضو لكي يقوم بدوره وعمله. فاليد تتغذى من الدم نفسه لكي تحسّ وتمسك بما يريد الرأس، والعين تتغذى من ذات الدم والغذاء لكي تبصر وتنقل الرؤية إلى الدماغ، كذلك الأذن لكي يسمع الإنسان ما يأتيه من أصوات. كل ذلك يفعله الروح عينه لبنيان الجسد كله. آه! لو شعر كلّ منا بعضويته هذه في هذا الجسد السري الكبير المتنوع الأعضاء، وعَرَفَ أن عضويته هذه مهمة جداً جداً مهما كان موضعه في الجسد السري. فحين ينشط ويخدم ويقوم بدوره كاملا ويتقدّس تنشط معه وتتقدّس باقي الأعضاء التي هو مرتبط بها ارتباطاً عضوياً. والعكس أيضاً صحيح حين يتقاعس عضوٌ في خدمته أو عمله فإن الأعضاء الأخرى تتأثر سلباً ( بعض الأمثلة الأب في المنزل، الأم) لو شعرنا كلنا بهذه العضوية الهامة فكم تتغيّر صورة الكنيسة! وكم يلتفت بعضنا لبعض فلا يبقى في ما بيننا حزين أو فقير أو محتاج أو خاطئ : الفرد في خدمة الجماعة والجماعة في خدمة الفرد، والجميع في خدمة الجميع، لمجد الله تعالى ومجد ابنه يسوع، رأس الجسد كم يجب أن نتعلم وأن نعلّم الأشخاص الذين نحن مسؤولون عنهم فكرة التضامن والعمل الجماعي ومصلحة الجماعة قبل المصلحة الفردية والأنانية وإني أعشق كنيسة المسيح، أي كنيستي، رغم نواقصها وحدودها وأخطائها وخطاياها، بل رغم بعض الصفحات من تاريخها الملطّخ بالسواد والدم. لأني أعلم أن كنيستي ليست كاملة بل يسوسها بشرٌ من لحم ودم وغرائز وأنانيات ومصالح مهما عَلَت مراتبهم بل سَمَت نواياهم ولكنهم مع ذلك أخطأوا في التمييز والتنفيذ وإدارة الكنيسة. فقد يتخذون قرارات جائرة أو يتصرفون تصرفات مشينة بحق بعض الأشخاص أو الأمم من أبناء الكنيسة أو خارجها. إن هذه الصفحات الملوّثة كانت قد أطاحت بالكنيسة لولا أن تكون جسد المسيح وهيكل الروح القدس ولو لم يكن الله معها، لذلك فأبواب الجحيم لم تقوَ عليها بل بقيت صامدة رغم الفساد الذي عشش في بعض جوانبها. نعم إن بعض الأعضاء في الجسد قد تمرض وقد يضطر الطبيب إلى بترها، وبعض أغصان الكرمة قد تجفّ ولا يعود النسغ يصل إليها ولا بدّ من أن يقطعها الكرّام مع الأغصان اليابسة التي يقضّبها. ولكن الجسد يبقى حياً والكرمة تعود فتعوّض عن تلك الأغصان بأجمل منها وأغزر ثماراً. ثم إني لا أحتقر كنيستي ولا أستحي من عوراتها ما دامت مؤلفة من بشر، كما قلت، ولأني أعلم أن جميع الديانات والمؤسسات والفلسفات قد أصابها ما أصاب كنيستي من ضعف وخطايا، ولا تستطيع أية ديانة أن تتحدّى كنيستي في نقاء تاريخها وصفاء المؤمنين المنتسبين إليها. أين هم أبطال الديانات الأخرى أي القديسون والشهداء كمّاً ونوعاً ؟ أين هم الذين تركوا آثاراً خالدة في التاريخ والحضارة مثل الرهبان ومؤسسي الرهبانيات والقديسين الكبار؟ إني أعشق كنيستي أخيراً وهي عروس المسيح التي فداها بدمه المهراق على الجلجلة. فنبعت من جروح يديه ورجليه وجنبه ينابيع ماء الحياة، ولقد طهّرها بماء العماد بحلول الروح القدس عليها، ويغذّيها باستمرار بالأسرار المقدسة. ففي كل مرحلة من مراحل حياة الإنسان من الولادة إلى الوفاة سر من الأسرار يغذّيه ويقوّيه للمسيرة الخلاصية. وبسرّيْ الزواج والكهنوت ينظّم ويقدّس الجماعة الإنسانية. أما شركة القديسين مع الراقدين فهي تمدّ أبصار المؤمن إلى أن الحياة مع الله ليست لها نهاية، بل الراقدون أيضاً هم مع الأرضيين ينتظرون ساعة الانبعاث في القيامة العامة (ونرجو قيامة الموتى والحياة الأبدية - قانون الإيمان). ليتنا نَعي عظمة وجمال سر الكنيسة، سر انتمائنا وعضويتنا في هذه المؤسسة الإلهية الإنسانية، عروس المسيح المجيدة |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|