رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
النشاط الخارجي للصلاة الصليب المقدس تكريم ورشم الصليب الإنسان بكل طاقاته يشترك في عبادة الله: إذا كانت أجسادنا هي أعضاء المسيح، وهي هيكل الله والروح القدس يسكن فيها (1كو 6: 15؛ 1كو 3: 16)؛ فأجسادنا مع أرواحنا ونفوسنا سوف تتمجَّد معاً في الأبدية. ولذلك، فإن عبادتنا لله لابد أن تشترك فيها أجسادنا مع أرواحنا ونفوسنا، بما فيها العقل والأحاسيس والمشاعر؛ وإلاَّ فكيف تكون أعمال عبادتنا متكاملة؟ فنحن في عبادتنا نستخدم أولاً الكلمات، وهذه الكلمات المنطوقة منا تحمل أول ما تحمل المعنى الحرفي لها، ويستوعبها عقلنا بمعناها في أذهاننا. ولكن هناك ما هو أبعد من المعنى الحرفي في أعمال عبادتنا. ففوق ووراء المعنى الحرفي للكلمات، هناك بعض المقاطع والجُمَل ذات ترابُط وتداعيات، وتحمل في طيَّاتها قوة خاصة، مخفية، وشاعرية. لذلك فنحن في صلواتنا نستخدم كلمات، ليست فقط بحروفها، بل وبجمالها أيضاً من خلال التصوُّر الشعري، حتى ولو كانت بعض التسبحات والصلوات مكتوبة على هيئة إيقاع شعري أكثر من كونها شعراً مُقفًّى، وبذلك نُضفي على الكلمات بُعداً ومعنىً جديدين. لذلك، فنحن حينما نؤدِّي عبادتنا، نؤدِّيها ليس فقط بكلمات منطوقة بحرفيتها فقط، بل وبتنوُّع كبير وبطرق أخرى في إلقائها: من خلال الألحان، ومن خلال جمال الملابس الكهنوتية داخل الهيكل أثناء خدمة الليتورجيا (القداس)، ومن خلال الخطوط والألوان في الأيقونات المقدسة، ومن خلال تصميم البناء المقدس للكنيسة، ومن خلال الحركات الرمزية مثل رشم علامة الصليب، وتقديم البخور، وإيقاد الشموع، وأخيراً من خلال المواد المستعملة في جوانب الحياة البشرية: مثل الماء، وعصير الكرمة، والخبز، والزيت، والنار. فمن خلال استخدام الكلمات حرفياً نحن نصل إلى تعقُّل الذهن البشري؛ فعن طريق الشعر واللحن والفن والأفعال والرموز الطقسية، فإننا نصل إلى كل جوانب الشخصية الإنسانية الأخرى.وكل أسلوب وطريقة نستخدمها في العبادة هي أساسية مثلها مثل باقي الأساليب والطرق. ولنفرض مثلاً أننا جعلنا كلماتنا التي نتلوها في العبادة أو نُرتِّلها بالألحان بلا معنى حرفي أو بلا غرض مفهوم؛ فنكون كأننا نرطن أو كنحاس يطنُّ أو كصنج يرنُّ، ويتحول السر حينئذ إلى سحر لا يليق بخراف المسيح العاقلة الناطقة (كما يُسميهم كتاب: الدسقولية - تعاليم الرسل). وبالتالي فإن اقتصرنا في عبادتنا على الكلمات فقط، وننطقها حرفياً فقط، فستكون عبادتنا عبادة بالذهن فقط، دون أن تكون عبادة بالقلب أيضاً. وفي هذه الحالة ستكون عبادة منطقية فقط تستخدم العقل فقط، وتستبعد كل طاقات الإنسان غير العقلية الأخرى. وهذا ما فعله المُصلحون للكنيسة الغربية حينما أغفلوا قيمة ومعنى السر في عبادتهم لله؛ فبدون معنى السر في العبادة، فنحن لا نكون بشراً عابدين الله بالروح والحق. فالعبادة هي أكثر من مجرد كلمات تُقال، وأكثر من مجرد اجتماع المؤمنين حول منبر وواعظ يعظ، إنها سرٌّ. هل رموز ومحسوسات العبادة، ليست معاصرة؟ وكثيراً ما يُقال بأن الرموز والمحسوسات المستخدمة في عبادتنا التقليدية، ولمسة الجمال التي تُصوِّرها؛ أصبحت وقد عفا عليها الزمن، ولم تَعُد مناسبة لعالمنا المعاصر. وكما يدَّعي أصحاب هذا الادِّعاء أن هذه الرموز والمحسوسات مقتبسة من نمط الحياة في البيئة الزراعية الريفية التي كانت سائدة قديماً، ولم تَعُدْ من جوانب كثيرة صالحة للبيئة الصناعية المعاصرة. ويتساءلون: لماذا يجب أن نعبد الله وفي يدنا شمعة أو مبخرة (شورية)، وليس في يدنا مثلاً سمَّاعة طبيب أو إزميل نجَّار!! وهما غير مناسبَيْن للعبادة. ولهؤلاء نردُّ أن الأفعال والرموز التي نستخدمها في عبادتنا لها مغزى عام لا يتغيَّر بالضرورة مع تغيُّر الأزمان. فبالرغم من أن الليتورجية الإلهية (القداس) قد ترتَّبت بحسب التقاليد الغنية التي كانت سائدة في عصر معيَّن، ولكنها في جوهرها الداخلي تتجاوز هذه الحدود، وتُخاطب الوضع والجوهر الداخلي للإنسان، سواء قديماً أو حديثاً، شرقاً أو غرباً. فالكنيسة الأرثوذكسية تستخدم في صلواتها المواد الأولية التي يستخدمها الإنسان على مر العصور. فالخبز والماء والزيت والنور والنار يستخدمها الناس قديماً وحديثاً، ولا يُغيِّرونها بتوالي الأزمنة. فإن لم يجد الناس في بيئة متحضِّرة تكنولوجية معنىً لهذه المواد، أفليس يعني هذا بأن أصابع الاتهام يجب أن توجَّه للمدنية المعاصرة الموصومة بالتزييف وعدم الواقعية؟ إن ما يحتاج إليه هؤلاء، ليس تغيير هذه الرموز، بل تغيير أنفسهم هم وتنظيف مداخل أذهانهم! + وفي هذا السياق، نجد بادرة أمل وتشجيع من التقدير الذي يُقدِّمه الغرب الآن للأيقونات الكنسية. فهناك أعداد كبيرة مثيرة للدهشة، من مؤيِّدي الحداثة والعصرية، رجالاً ونساءً، الذين بالرغم من عدم انضمامهم لعضوية أي كنيسة في بلادهم؛ أصبحوا مهتمين ومنجذبين بشدة للأيقونات الأرثوذكسية عندنا في الكنيسة القبطية وسائر الكنائس الأرثوذكسية. فلا نتسرَّع ونتهم مثل هؤلاء بأن تقديرهم هذا عاطفي ومصطنع. ألسنا نجد في تصرُّفهم، ونحن في عصر التكنولوجيا والترويج للعلمانية secularism شيئاً من التضاد، إذ كيف يحسُّون بالانجذاب لهذا النوع من الفن الذي هو بلا شك فن روحي ولاهوتي بآنٍ واحد؟ وهل كانوا ينجذبون لو أن فن الأيقونة كان مُعاصراً ومتجدِّداً بحسب مدارس الفن الحديث؟ العبادة تعبير عن فرح وجمال ملكوت الله: والمسيحي الأرثوذكسي يرى أنه من الأهمية بمكان أن تُعبِّر العبادة عن الفرح والجمال اللذين لملكوت السموات. فبدون عامل الجمال، لن يتحقَّق في عبادتنا أن تكون العبادة صلاة، بكل ما في الكلمة من معنى، أي صلاة من القلب كما هي صلاة من العقل. فالجمال والفرح في ملكوت الله لا يمكن التعبير عنهما ببراهين مجرَّدة ولا بشرحٍ منطقي، فهما عنصران يُختبران أو يُعاشان، وليس يُناقشان. لذلك فإنه من خلال أفعال العبادة بالرمز والفعل: بالبخور الذي تتصاعد حلقاته في الهواء، بإشعال الشمعة أو حتى المصابيح أمام أيقونة في الكنيسة؛ فإن اختبار الفرح والجمال يتحقَّقان بالفعل. المسيحي القبطي أو الشرقي يحسُّ جيداً ويمارس هذا الاختبار في كنائسنا بطُرق واضحة للجميع. هذه اللمسات البسيطة تُعبِّر، أفضل ألف مرة من الكلمات، عن أحاسيسنا تجاه الله، وكل محبتنا وتكريمنا وإيماننا بالله. وبدون ذلك تفتقر العبادة إلى الكثير من المقوِّمات. العبادة بالطقوس أمر حتمي للتعبير عن كل أحاسيسنا: وإلاَّ فلماذا نُقدِّم البخور ونُشعل الشموع؟ لماذا نؤدِّي السجود أو الميطانيا أمام الهيكل في الكنيسة؟ ولماذا نرشم علامة الصليب على جباهنا وصدورنا؟ فإن حاولنا أن نُقدِّم شرحاً شفوياً أو مكتوباً، فإن ذلك يُمثِّل فقط جانباً قليلاً من الحق. وهذا بالتأكيد وبالتحديد هو السبب في أداء الأفعال الرمزية في عبادتنا، لأنه إن كان الشاعر يستطيع أن يُعبِّر بكلامه المُرسَل عمَّا قاله بالشعر، وإذا كان الفنان أو الموسيقي يقدر أن يُعبِّر بالكلمات العادية عمَّا يريد أن يقوله بالرسم أو باللحن؛ حينئذٍ لن تكون هناك حاجة لقصيدة أو لوحة فنية أو سيمفونية موسيقية. ولكن كل هذه وُجدت لأنها تُعبِّر عمَّا لم يكن ممكناً التعبير عنه بوسيلة أخرى. هكذا الأمر في العبادة، فإنه لو كان من الممكن أن نقول بالكلمات: لماذا نُشعل الشمعة ونحرق البخور، لكنَّا بقينا مستريحين مكتفين بالشرح بالكلام، ونستغني عن العمل الطقسي بجملته. لكن القيمة المتكاملة للرمز في العبادة هي أنها تُعبِّر عمَّا ليس في إمكاننا أن نقوله بالكلمات المنطوقة وحدها، التي تستخدم جانباً واحداً فقط من كياننا الإنساني لا يمكنه أن يُعبِّر تماماً عن كل ما يعتمل في نفوسنا. والواقع والحقيقة أن الرمز هو الأبسط والأسرع في التعبير من الشرح الكلامي، وفي الوقت نفسه يتغلغل عميقاً في كبد الحقيقة. إن الرمز يستخدمه ويفهمه الفلاح والأُمِّي، الصغير وغير الفاهم، كما المتعلِّم والمثقف، وكلهم يُشبِعون به اشتياقاتهم لعبادة الله بكل كيانهم. هل الطقوس لا منفعة منها، وهل هي غير ضرورية؟ ثم نأتي إلى المستوى النفعي، الذي بـه قد ينظر البعض إلى العبادة الطقسية برموزها ومحسوساتها، فيعتبرون أن كل الجمال والحيوية فيها غير ضرورية وبلا نفع، وأن الله لا يطلبها ولا يُريدها. ولكن الكائن الإنساني ليس بمنتهى البساطة، نفعياً، فيرفض الجمال وحشد طاقاته الإنسانية في عبادة الله، مدَّعياً أنه ليس في حاجة إليها ليعبد الله، وأنه تكفي الكلمات الخارجة من فمه. ولكن هذا غير متحقِّق في عالم الواقع الإنساني اليومي. هل يدَّعي أي إنسان أنه ليس محتاجاً إلى الجمال في حياته اليومية، لأنه غير ضروري فإذا كان أيٌّ منَّا وهو منتظر زيارة مَن يحبه، أفلا يضع على المائدة غطاءً جديداً، ويُحيطه بالورود والزهور وربما بشموع وإكسسوارات أخرى، ليس عن ضرورة ولا عن نفعية؛ بل عن محبة وفرح بالزائر المحبوب؟ أما نحن فحينما نجتمع في الكنيسة، فإنما ندخل إليها بالفرح والتهليل، لأننا ننتظر حلول عمانوئيل إلهنا في وسطنا، إنه المسيح الذي قام من بين الأموات، فكيف لا نفرح به، وندخل إليه كعروس وهي داخلة إلى مخدع عريسها؟ إنه فرح الرجاء، ورجاء الفرح، الذي نُعبِّر عنه باللحن: يا ملك السلام، أعطِنْا سلامك، قرِّر لنا سلامك، واغفر لنا خطايانا، ندخل إليه ونحن لابسون أثواب البر، ونحرق البخور أمامه، ونُشعل الشموع والمصابيح، لتستضيء الكنيسة كلها بنوره الذي تُعبِّر عنه هذه الشموع والمصابيح. هذا هوالجمال الذي كثيراً ما جحده وأنكره علينا البعض أنه غير ضروري وبلا منفعة؛ بل كثيراً ما اتُّهم بأنه خطية! إن القداس الإلهي، كثيراً ما سُمِّي السماء على الأرض، لأننا في بدء القداس، نصرخ ردّاً على سؤال الكاهن خادم المذبح: أين هي قلوبكم أو ارفعوا قلوبكم؛ هي عند الرب. فنحن في الكنيسة واقفون في السماء حول العرش الإلهي وفي وسطه الحَمَل القائم كأنه مذبوح (رؤ 5: 6)، لنأكل فصحنا الذي لا ينفد ولا يتلاشى على مدى الدهور. ويا للفرح حينما نُعبِّر عنه بعد تناولنا من الأسرار بقولنا (على فم الكاهن الخديم): فمنا امتلأ فرحاً، ولساننا تهليلاً، من جهة تناولنا من أسرارك غير المائتة، يا رب. هذه هي طبيعة عبادتنا لله: فأنْ نُصلِّي ونعبد، يعني أن ننظر الجمال الروحي لملكوت السموات؛ وأن نُعبِّر عن هذا الجمال بالكلمات والترتيل واللحن والأيقونة،+ + + ومن خلال حركات أجسادنا: رفع اليدين، النظر إلى فوق، تقبيل اليدين وجهاً وظهراً، رشم الصليب، السجود مراراً وتكراراً حسب نداء الشماس، إحناء الرأس لسماع صلاة الحلِّ ومغفرة الخطايا، إشعال الشموع، حرق البخور، التمسُّح بالأيقونة وتقبيلها، تقبيل سِتر الهيكل... إلخ؛ كل هذا يعني أننا نستخدم كل طاقات كياننا الإنساني، حتى إذا ما خرجنا من الكنيسة يرتسم نور وجهك يا رب على وجوهنا (مز 4: 6). وبهذه الطريقة نمتد بالجمال الإلهي للعالم الذي حولنا، وللأشخاص الذين نقابلهم؛ فينتقل سلام الرب ومحبته للجميع، فنكون حقّاً وإحقاقاً كارزين بإنجيل المسيح. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
لماذا نرشم علامة الصليب؟ |
لم نرسم علامة الصليب؟ |
لماذا نرشم الصليب؟ |
لماذا نرشم الصليب ! |
لماذا نرشم الصليب " |