رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||
|
|||||||||
مظاهر الشهوة فى حياتنا
الراهب القمص كاراس المحرقى ++++++++++++++++++++++++++++ إن الشهوة هي المُحرّك الرئيسيّ الذي يُحرّك البشر، فليس بِدعاً أن يكون لها دور في كل الأفعال التي تصدر عنَّا.. حقاً إنَّ أفعالاً كثيرة ترجع إلى حالات مَرَضيّة، أو عوامل وراثيّة.. إلاَّ أنَّ نسيج معظم الأفعال البشريّة لا يخلو من خيط الشهوة. ولكن نظراً لأنَّ مظاهر الشهوة متعددة ومتشعّبة، فقد اقتصرنا على المظاهر الشائعة مثل: شراهة الأكل، الانحرافات الجنسيّة، الاغتصاب، الخيانة الزوجيّة. شراهة الأكـل إنَّ جميع الشرور والسير وراء الشهوات، هى رذائل مرذولة كما يرى مار فيلوكسينوس، أمَّا شراهة الأكل فهي أردأ جميع الشرور لأنَّها تحط بالبشر فتُساويهم بالحيوانات، إذ تُبعدهم عن المعرفة والتعقّل التي هي سمات الشخص الناضج! فشجرة الأكل إذا امتدت أغصانها وكثُرت أوراقها، ففي الحال يظلم القلب، ويقتم الذهن.. وتمتد الأفرع على كل الحواس فيعُم السواد ويظلم الإنسان الداخليّ، لأنَّ الروح الممتزجة فينا تطلب خفة وسرعة، فإذا تثقّل الإنسان بالطعام ربط أجنحة روحه، فتُصبح عاجزة عن الطيران والتحليق في السمائيّات، ولهذا يقول مار إسحق السريانيّ: " كما أنَّه من عرق الصوم تنبت سُنبلة العفة، هكذا أيضاً من الشبع يتولّد الفسق، ومن الامتلاء النجاسة ". لا نُنكر أنَّ الله قد أعطانا الطعام لنأكل، فننمو ونعمل، " وأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً " (تك2: 16)، لكنَّ الله يريد أن نحيا فقط، لا أن نكون عبيداً لبطوننا! فليس أصعب على الإنسان من أن يكون عبداً لشهوة ما تقوده وتتحكّم في كل سلوكه، ألم يقل سليمان الحكيم: " مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً " (أم16: 32). إنَّ شهوة الطعام أو النَهَم كما يرى القدِّيس يوحنَّا كاسيان، تكشف عن حالة الفراغ الداخليّ الذي يعيش فيه الإنسان! فالنَهَم أشبه بترمومتر غالباً ما يُشير إلى مرض أصاب النفس، فأفقدها فرحها وسلامها وشبعها الروحيّ، فمن المعروف أنَّ النفس البشريّة عندما تُعلن إفلاسها، فإنَّها تفسح المجال للجسد، لَعَلَّه بكثرة الأكل وتنوّع الطعام ـ بغير ضابط يمكن أن يتلهّى الإنسان ويجد سعادته! ولهذا فإنَّ علاج النَهَم ليس مجرّد الامتناع عن الأطعمة فقط، وإنَّما إشباع الأعماق الداخلية بالخبز الحيّ النازل من السماء! ألم يقل السيَّد المسيح: " لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ " (مت4:4)! إن الشهوة هي المُحرّك الرئيسيّ الَّذي يُحرّك البشر، فليس بِدعاً أن يكون لها دور في كل الأفعال التي تصدر عنَّا.. حقاً إنَّ أفعالاً كثيرة ترجع إلى حالات مَرَضيّة أو عوامل وراثيّة إلاَّ أنَّ نسيج معظم الأفعال البشريّة لا يخلو من خيط الشهوة.. ولكن نظراً لأنَّ مظاهر الشهوة متعددة ومتشعّبة، اقتصرنا على المظاهر الشائعة مثل: شراهة الأكل، الانحرافات الجنسيّة، الاغتصاب، الخيانة الزوجيّة. شراهة الأكـل إنَّ جميع الشرور والسير وراء الشهوات، هى رذائل مرذولة كما يرى مار فيلوكسينوس، أمَّا شراهة الأكل فهي أردأ جميع الشرور لأنَّها تحط بالبشر فتُساويهم بالحيوانات، فتُبعدهم عن المعرفة والتعقّل التي هي سمات الشخص الناضج! فشجرة الأكل إذا امتدت أغصانها وكثُرت أوراقها، ففي الحال يظلم القلب، ويقتم الذهن.. وتمتد الأفرع على كل الحواس فيعُم السواد ويظلم الإنسان الداخليّ، لأنَّ الروح الممتزجة فينا تطلب خفة وسرعة، فإذا تثقّل الإنسان بالطعام ربط أجنحة روحه، فتُصبح عاجزة عن الطيران والتحليق في السمائيّات، ولهذا يقول مار إسحق السريانيّ: " كما أنَّه من عرق الصوم تنبت سُنبلة العفة، هكذا أيضاً من الشبع يتولّد الفسق، ومن الامتلاء النجاسة ". لا نُنكر أنَّ الله قد أعطانا الطعام لنأكل، فننمو ونتقوى ونعمل.. " وأَوْصَى الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ قَائِلاً: مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً " (تك2: 16)، لكنَّ الله يُريد أن نحيا فقط لا أن نكون عبيداً لبطوننا! فليس أصعب على الإنسان من أن يكون عبداً لشهوة ما تقوده وتتحكّم في كل سلوكه، ألم يقل سليمان الحكيم: " مَالِكُ رُوحِهِ خَيْرٌ مِمَّنْ يَأْخُذُ مَدِينَةً " (أم16: 32). إنَّ شهوة الطعام أو النَهَم كما يرى القدِّيس يوحنَّا كاسيان، تكشف عن حالة الفراغ الداخليّ الَّذي يعيش فيه الإنسان! فالنَهَم أشبه بترمومتر غالباً ما يُشير إلى مرض أصاب النفس، فأفقدها فرحها وسلامها وشبعها الروحيّ، فمن المعروف أنَّ النفس البشريّة عندما تُعلن إفلاسها، فإنَّها تفسح المجال للجسد، لَعَلَّه بكثرة الأكل وتنوّع الطعام بغير ضابط يمكن أن يتلهّى الإنسان ويجد سعادته! ولهذا فإنَّ علاج النَهَم ليس مجرّد الامتناع عن الأطعمة فقط، وإنَّما إشباع الأعماق الداخليّة بالخبز الحيّ النازل من السماء! ألم يقل السيَّد المسيح: " لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ " (مت4:4)! عندما تمتليء المعـدة بكل ما تشتهيه النفس، فسرعان ما تنمو بذور الشهوة، إلى أن تصير شجرة ذات ثمار مُرَّة، ولهذا كان من الوثنيين القُدماء من يأكل بشراهة، وذلك من أجل إثارة الشهوة الجنسيّة، ومن حيلهم في ذلك وضع إصبعهم في فمهم ليتقيئوا، فيأكلوا مرّة ثانية وتُثار شهواتهم من جديد! نعترف بأنَّ الذهن عندما يُثقّل بكثرة الطعام لا يقوى على ضبط أفكاره أو حفظ حواسه، بل يُصيبه التشتت، فالذهن لا يسكر فقط بالخمر، ولكنَّه يسكر أيضاً بكثرة الأطعمة، التي تُضعفه، وتسلبه قوته، وتحد من نشاطه، فلا يقدر أن يُمارس أيّ نشاط روحيّ... بذهن متّقد وروح نشطة! وقد أوضح لنا الكتاب المُقدَّس أنَّ السبب الرئيسيّ لشهوة الجسد في سدوم، ليس السكر بالخمر وإنَّما الشبع الزائد بالطعام، ولهذا عندما أراد الله أن يوبّخ أورشليم قال: "هَذَا كَانَ إِثْمَ أُخْتِكِ سَدُومَ الكبرياء وَالشَّبَعُ مِنَ الْخُبْزِ" (حز16: 49). إن قلنا: إنَّ السحابة تحجب عنَّا ضوء الشمس، فإنَّ بُخار البطن الناتج عن كثرة الأطعمة يحجب عنَّا حكمة الله، وكما أنَّ النار تتأجج بالحطب اليابس، هكذا أيضاً الجسد يشتعل عندما تتخم البطن بالأطعمة الدسمة، أليست إضافة الحطب إلى الحطب يُزيد لهيب النار اشتعالاً؟ وهكذا أيضاً تنوّع الأطعمة والتلذذ بها، يُزيد شهوات الجسد ويُشعل نيرانها في أعضائه. ويصف مار إسحق السريانيّ رذيلة الشراهة بأنَّها شيمة الخنازير! التي ينجُم عنها: آلام في الرأس، ثقل في الجسم، تعب أثناء العمل، إهمال في الصلاة، تثاقل عند إتمام الميطانيات، ظلام في العقل، غمام كثيف أسود يُخيّم على النفس، ضجر شديد أثناء القراءة، خيالات قبيحة، فيض دنس يتدفّق من الإنسان أثناء الليل.. من هنا كانت أهمية الصوم كوسيلة لضبط الجسد والحد من شهواته، فالصوم في مفهومه الروحانيّ، ليس حرمان الجسد وإذلاله كما يظن البعض، فهذا ليس في حد ذاته فضيلة، فالصوم وسيلة تقود إلى انطلاق الروح، ولهذا فإنَّ الصوم ليس مجرّد علاقة ثنائيّة بين الإنسان والطعام، إنَّما الصوم كما قال قداسة البابا شنودة الثالث: " علاقة ثلاثيّة مركزها الله الَّذي يربط بين الإنسان والطعام وليس علاقة بين اثنين هما الإنسان والطعام "! يقول أحد الآباء: " من مائدة الصوَّامين والساهرين والمجاهدين من أجل الرب، خُذ دواء الحياة ليُنهض نفسك المائتة، لأنَّ يسوع يتكيء معهم ويُقدّسهم، مُحوَّلاً مرارة شقائهم إلى حلاوة، أمَّا خُدّامه الروحيّون فيُظللّونهم مع طعامهم المُقدَّس ". إنَّ الريشة إذا كانت غير مُلتصقة بشيء ترفعها أخف ريح عن وجه الأرض، أمّا إذا كانت مبتلة فإنَّهـا تُصبح ثقيلة، هكذا الإنسان المنهَمك باللذَّات، فلِثقله لا يستطيع أن يرتفع إلى العلاء! والعود المتشبِّع بالرطوبة إذا وضع في النار، لا تؤثّر فيه إلى أن تُنزع منه الرطوبة، والجسد الشبعان لا تؤثّر فيه نار محبّة الله حتى يجف بالصوم! وأيضاً الزرع النابت في مستنقع الماء لا يعيش، لامتناع حرارة الشمس عنه بسبب كثرة الرطوبة، فإن أردت أن ينمو فاقطع الماء عنه مدّة وأسقه عند اللزوم، هكذا الجسد المنغمس في مياه الشراهة قلَّما يعيش! والحق إنَّ الصوم هو أكبر معين على تهذيب الحواس وتسكين الجسد، وكل جهاد ضد الشهوة يجب أن يبدأ أولاً بالصوم الَّذي وصفه القدِّيس باسيليوس الكبير بأنّه " سجن الرذائل "، وكما يقول القديس يوحنَّا القصير: " إذا أراد ملك أن يأخذ مدينة ملك آخر، فإنَّه يُحاصره أولاً حتى لا يجد طريقاً لجلب الطعام والشراب فيُذل ويخضع راغباً، وهكذا أهواء الجسد إذا ضيّق عليها الإنسان بالجوع والعطش، فإنَّها تضعُف وتُذل وتتغلّب عليه ميوله الصالحة ". إنَّ العازف الماهر لا يشد أوتار الجيتار بقوّة لكي لا تنقطع، وعليه أيضاً ألاَّ يرخيها كثيراً، حتى لا تفقد نغمتها وتتوقّف الموسيقى العذبة عن الانسياب منها، كما أنَّ قِلة المياه تُجفف المحصول، ولكن كثرة المياه أيضاً تُفسده، الأمر نفسه بالنسبة للصوم، فإذا زد عن طاقة الإنسان يعيق تركيزه الداخليّ. أمَّا الله فلا يمكن أن يختبر تعزياته أو يتمتع بسلامه.. من يأكل كثيراً أو من لا يأكل أبداً، ولا من ينام كثيراً ولا من هو مستيقظ دائماً.. إذاً فالتقدُّم في الحياة الروحيّة، يكون بالاعتدال في الأكل والنوم والصلاة والقراءة..لأنَّ الله لا يُدرك عبر المجهودات العنيفة التي تفوق طاقتنا، بل نستطيع أن نتلامس معه عبر الحكمة والوعي والانتباه.. وفي التوازن بين العمل واللاعمل، والامتلاك والتجرّد، والخدمة والخُلوة.. تكمن أسرار النجاح الروحيّ. أتعرفون كيف تعلَّم القدِّيس " موسى الأسود " النسك في بداية حياته الرهبانيّة؟ عندما دخل الدير كان يأكل خروفاً أو ما يُساويه يومياً، إلاَّ أنَّ مُعلَّمه الحكيم القدِّيس الأنبا " إيسيذوروس " لم ينزعج لهذه الشراهة المُفرطة، بل أمر أن يُقدم له طعام يزن نفس الكمية يومياً، فقطعوا جذع شجرة يزن خروفاً ليزنوا به الطعام ثمَّ كانوا يتركونه في الهواء وبمرور الأيام تبخّرت المياه من جذع الشجرة حتى صارت بعد (10سنوات) تزن خبزتين، وهكذا وصل القدِّيس موسى الأسود إلى حياته النسكيّة بالتدريج وليس قفزة واحدة! شهوة المال أنَّ المال وسيلة وليس غاية، فإن تحوّل إلى هدف قاد الإنسان لا إلى السعادة بل الشقاء، والواقع أن المال يضمن لصاحبه رفاهيّة الحياة، ويسهّل له اجتياز المتاعب الماديّة، ولكنه لا يُفيده شيئاً في اجتياز المتاعب الأدبيّة والنفسيّة والروحيّة..بالمال تشتري سريراً لكنَّك لا يشترى النوم، بالمال يستطيع الإنسان أن يشتري الكتب، لكنَّه لا يشتري العقل.. ويستطيع المال أن يشتري الطعام لكنَّه لا يشترى الشهيّة، وبالمال تستطيع المرأة أن تشتري الحُلي لكنَّها لا تشتري الجمال.. والمريض يستطيع بالمال شراء الدواء، لكنَّه لا يستطيع شراء الصحة.. لا تتعجَّبوا إن قلت لكم: إن أرخص الأشياء هي التي يمكن الحصول عليها بالمال، وأغلاها هي التي لا تُباع ولا تُشتري! فالسلام، العزاء، السعادة... كلَّها أشياء لا يمكن الحصول عليها بالمال، فهي إذن غالية بل ثمينة.. والفضيلة، هل يقول أحد إنَّها تشترى بالمال؟ هل يقدر أحد أن يشتري الحُب؟ بعدما فقد أوناسيس المليونير ابنه في حادث طائرة، انكسر قلبه وارتخت عضلات عينه اليمنى وفشل الأطباء في علاجها وقيل وقتها: إنَّ أوناسيس تمتّع بكل شيء في الحياة من الثروة والشهرة والنفوذ قبل وبعد مصرع ابنه، ما عدا شيئاً واحداً فقط وهو السعادة! وهنا نتساءل: هل يقدر المال أن يشتري الصحة أو يمنع الموت؟ يرى البعض: إن من يقضى حياته بحثاً عن المال، يُشبه رجلاً ركب مركبة فاخرة محملة بكل ما تشتهيه الأنفس، على الرغم من علمه أنَّها سترمي به في قاع البحر! ألم يقل معلمنا بولس الرسول: " وَأَمَّا الَّذين يُرِيدُونَ انْ يَكُونُوا أغْنِيَاءَ فَيَسْقُطُونَ فِي تَجْرِبَةٍ وَفَخٍّ وَشَهَوَاتٍ كَثِيرَةٍ غَبِيَّةٍ وَمُضِرَّةٍ تُغَرِّقُ النَّاسَ فِي الْعَطَبِ وَالْهَلاَكِ، لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَالِ أصْلٌ لِكُلِّ الشُّرُورِ الَّذي اذِ ابْتَغَاهُ قَوْمٌ ضَلُّوا عَنِ الإِيمَانِ وَطَعَنُوا انْفُسَهُمْ بِأَوْجَاعٍ كَثِيرَةٍ " (1تي6 : 9 ،10). هناك مثل يقول: مال قليل = اهتمام قليل! فالمال كلما زاد، زادت اهتمامات الإنسان وأيضاً التلذذ والانحراف والقلق، فما أكثر الأغنياء الَّذين يحسدون الفقراء على نومهم، ولهذا قال أحد الأثرياء: " إنني عبد محاط بالتعب والضعف من كل ناحية وقد تمضى ليالٍ كثيرة لا أذوق فيها لذة النوم، وغرضي الوحيد أن أجهد نفسي بالشغل والتعب النهار كله، حتى تخور قواي وأستطيع النوم". لا نُنكر أن المال ليس شراً في ذاته ولكنَّه مسئوليّة، لأنَّه يُعطي الإنسان مكانة وقوَّة، والقوَّة سلاح ذو حدين لأنَّها: إمَّا أن تكـون قوَّة في الخير أو قوَّة في الشر.. كما أنَّ الإنسان بالمال يستطيع أن يخدم بأنانيّة رغباته الجامحة، وبالمال يستطيع أن يستجيب بكرم لصرخة جاره المُحتاج، به يستطيع إنسان أن يسير في طريق الخطيّة، وبه يستطيع آخر أن ينتشل نفوس سقطت في بئر الخطيّة، والحق إنَّ المال تذكرة سفر يستطيع كل إنسان أن يُسافر بها إلى أيّ بلد يشاء إلاَّ السماء، بالتوبة أولاً ثم بأعمال الرحمة والمحبة.. نستطيع أن ندخل السماء. إنَّ في حياة المسيح أيها الأحبَّاء أعظم عزاء لكل فقير على الأرض، فقد أعلن في حياته البسيطة، أنَّ السعادة لا تكمن في المال ولا في القصور التي في زواياها يترمّد جمر الحب، لأنّه عاش كل أيامه متجرِّداً، لم يكن له بيت يسكن فيه أو حجر يسند إليه رأسه، إلاَّ أنَّه عاش مسروراً فكان يفرح ليس لأنَّه امتلك أو ربح شيئاً، بل لأنَّ الآخرين يفرحون! وإذا فقد شيء لم يكن يحزن، إنَّما كان حزنه على الضالين والساقطين! لقد عاش المسيح الحياة بعد أن حررها من آلام الغنى، فكانت حياته بسيطة لا يشوبها الطمع، أو يرهقها الجشع، أو تمزِّقها الأنانيَّة، عاش على الكفاف شبعاناً قنوعاً ورضي بالقليل لأنَّه امتلك غنى الروح، ولهذا تمتّع بالحياة كأنه يملكها كلّها، فكان يُصلي في البساتين، ويتأمّل على الجبال وشواطئ البحار، ويجلس تحت أغصان الكروم يتأمّل ذاته الكرمة الحقيقيّة التي ستدخل المعصرة لتخرج ترياقاً يشفى البشريّة من آلامها! نستطيع أن نقول: إن الحياة تتحول إلى سجن كبير، إذا غلف المال جدران بيوتنا، فيكون المال هو السلسلة التى تربطنا، فتحرمنا من الخروج من بيوتنا أو التمتع بجمال الحياة، خوفاً من أن يأتي لصوص ويسرقوا أموالنا! الانحرافات الجنسيّة إنَّ كثيرين إلى الآن رغم التقدّم والانفتاح، وتعدد وسائل الثقافة.. يعتبرون الكلام في الجنس عيباً، وغير مقبول شكلاً وموضوعاً، إلاَّ إذا كان الكلام فيه مستتراً أو يُقال بين اثنين! ولهذا زاد الانحراف بسبب قِلة التوعية، وضعف الإرشاد، حتى إنَّ رجال الدين أنفسهم بسبب قِلة معرفتهم، أصبحوا عاجزين عن مواجهة الحالات المنحرفة التي تواجههم، وقد انحصر دورهم في الإنصات فقط، لِما يرويه هؤلاء المرضى دون أن يصفوا لهم أيّ علاج! وها نحن بهدوء نتساءل: ألم يتحدّث الكتاب المُقدَّس بوضوح عن الجنسيّة المثليّة التي انتشرت في سدوم وعمورة؟ ثمَّ ما هو الضرر لو تحدَّثنا عن الانحرافات الجنسيّة بأُسلوب علميّ؟ إنَّها حقاً مشكلة زادت خطورتها بعد ظهور الكمبيوتر والإنترنت والدش واستخدام عطيّة الحرِّيَّة بصورة خاطئة.. الأمر الَّذي جعل قداسة البابا شنودة الثالث، يطلب في سيمنار للآباء الأساقفة والكهنة ببرمنجهام سنة (2002 م)، أن يُكتب كتاب عن الخطايا الجنسيّة التي يقع فيها الشباب، والآيات الخاصة بالشُذُوذ الجنسيّ.. حتى لا ينجرف الشباب ويُقلِّد الغربيين في سلوكهم! يجب أن نعترف بأنَّ الإنسـان منذ أن وجد على الأرض، وهو يُدرك تلك الحقيقة: إنَّه يحيا ويتكاثر بشيئين ألا وهما: الطعام والجنس، إلاَّ أنَّ الإنسان الَّذي تصوّر قلبه " شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ " (تك21:8)، قد حوّل هذين العنصرين إلى وسائل للذّة أكثر منهما وسائل للحياة وبقاء النوع! فأخذ يُصنّف في طعامه.. وينحرف في سلوكياته... حتى أصبح هناك ما يُعرف بالشُذُوذ الجنسيّ! الَّذي يتم بين طرفين من نفس النوع أو السلوك الَّذي يأخذ مظهراً انحرافيّاً يرفضه الدين والمجتمع.. وقد تصل أشكال هذه الانحرافات إلى أكثر من خمسة عشر نوعاً، أبرزها الآتي: العادة السرية و يُطلق عليها اسم " الاستمناء "، وهي مشتقة من المنيّ أو الحيوان المنويّ، وفيها يلجأ الشخص إلى ما يُعرف في عِلم النفس بـ " التلذذ الذاتيّ Autoerotism " ليحصل على نشوته الجنسيّة، ونستطيع أن نُعرّف العادة السرِّية بأنَّها: نشاط جنسيّ يتَّصل فيه الإنسان عن طريق الخيال بمن يُثير فيه الناحية الجنسيّة. وتزداد مُمارسة هذه العادة في مرحلة المراهقة، التي تُعرف باسم: " النرجسيّة Narcissism " نسـبة للفتى اليونـانيّ " نارسيسوس Narcissus " – نرجس كما يُترجَم اسمه باللغة العربيّة - الَّذي تروي أَسطورته أنَّه كان جميلاً، فلمَّا نظر وجهه في الماء، سقط على سطح ماء البحر وأخذ يُقبّل صورته فغرق ومات! وتروى أُسطورة أُخرى أنَّه من شدِّة افتتانه بنفسه، ضعُفت صحته وذبل جسده، حتى تحوّل إلى زهرة النرجس.. ولهذا يُستخدم مصطلح " النرجسيّة " للدلالة على الاهتمام الشديد بالذات والأنانيّة المُفرطة، التي لا تُراعي وجود آخـر سوى الذات. ومن المعروف أنَّ العادة هي طريقة الفتى في بداية سن المراهقة للتنفيس عن رغباته الجنسيّة، كما أنَّها وسيلة للتخفيف عمَّا يُصادفه في حياته من قلق واضطراب ذهنيّ.. لذلك يشتد إقبال كثيرون من الطلبة على مُمارسة العادة السرّية في نهاية العام الدراسيّ، حينما يشتد الاستذكار وما يُلازمه من مجهود ذهنيّ ونفسيّ وأيضاً قلق.. ولهذه الأسباب لا يمكن اعتبار العادة السرّية مرضاً، بل هي عَرَضْ من أعراض الاضطراب فقط، كما أنَّها لا تُسبب ضـرراً بالغاً كما يُبالغ البعض، إلاَّ في حالة الإدمان الشديد والإفراط الزائد. ويرى البعض أنَّ العادة السرِّية، ما دامت هى عَرَضاً من أعراض الاضطراب، فمن السهل إذن التخلّص منها والإقلاع عنها، وهذا رأى صائب، ولكن يجب ألاَّ يكون ذلك بإشاعة الرعب والفزع في نفس الفتى، بل بالتخلّص من مصدر العِلّة ذاته، أيّ من الأشياء التي تُثيره وتجعله يُمارس العادة، وأيضاً بشغل فكره بكل ما هو روحيّ وإيجابيّ. كما أنَّه من الخطأ أن يلجأ الإنسان إلى مُمارسة العادة، كممارسة يسعى من خلالها أن يتغلّب على قلقه واضطرابه، فيجب أن يُعـوّد الآباء أولادهم منذ الصِغر على مواجهة الصعاب مواجهة صحيحة بكل شجاعة وإيجابيّة، وليس الهرب منها، وألاَّ يُرهقوهم بانفعالات كثيرة لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم على تحمّلها. ويجدر بهم أن يكونوا على حَذَر في معاملتهم حتى لا يجرحوا شعورهم، وأن يُحسنوا فَهم تصرفاتهم ويعملوا على إصلاح المعوج منها، لا بالتهديد بل بالإرشاد والتهذيب.. لأنَّ قمع الرغبات بشدِّة في فترة المراهقة، قد يؤدي إلى المزيد من الاضطراب فيلجأ الفتى إلى مُمارسة العادة، لكي يُخفف من حِدة المشاعر الأليمة وهذا يُزيد النار اشتعالاً، ويُعمّق في نفسه الشعور المرير بالذنب، وذلك يؤدي إلى الشعور بالنقص، وهو أشد ضرراً من العادة نفسها، التي ربَّما يتوقّف عنها الإنسان مع تقدّمه في السن، أو عندما يتزوّج. والحق إنَّ أضرار العادة السرِّية من الناحية النفسيّة، لا تتعدى سوى الإحساس بالذنب والشعور بالنقص، وليس كما يدَّعى البعض أنَّها تُسبب الجنون، أو غير ذلك من الأمراض، فمثل هذه الادعاءات نشأت كنوع من التهديد والتخويف، لكي يكف الفتى عن هذه المُمارسة، التي لن تحل مشاكله ولن تقوده إلى شيء صالح.. فالعادة ليست إلاَّ طـاقة تُستنزف بلا أيّ فائدة، إلاَّ أنَّ خطورتها تزداد لو أنَّها استمرت إلى ما بعد الزواج، فالزواج في أبسط مفاهيمه خروج من الأنا أو حُب الذات وانفتاح نحو الآخر، فلو ظل الإنسان مُتقوقعاً حول ذاته، مُحاولاً إشباعها بطريقة خاطئة، فبكل تأكيد سوف ينهار زواجه، فالاتحاد الجسديّ لابد وأن يُصاحبه اتِّحاد نفسيّ أولاً، وليس أصعب على اثنين من أن يكونا متَّحدين جسديّاً، بينما هوة نفسيّة تفصل بينهما! أعتقد أنَّ الجميع يعرفون خطورة غياب العاطفة في حياة المتزوجين! كما أنَّ للعادة خطراً بالغ الخطورة، إذ أنَّ من يُمارسها لا يجني منها سوى إشباع ناقص، لأنَّ العمل نفسه ناقص، فالطرف الآخر الشرعيّ غير موجود، فيلجأ الإنسان إلى التكرار على ليملأ فراغه ويُشبع عواطفه ولكن دون جدوى! وهكذا يظل يحيا في حلقة مفرغة تتحكّم به، وتُصبح العادة أمراً شبيهاً بالإدمان على المخدَّرات! وقد يترك هذا الإدمان أثراً سيئاً في النفس، فيؤدي إلى عدم اكتمال النضج الجنسيّ والعاطفيّ، لأنَّ النزعة الجنسيّة عند المراهق تتوقّف بالفعل عند حد التمتّع بالذات، فإذا أدمن على هذه المُمارسة قد يستقر عند هذه المرحلة، فلا يعود يملك الرغبــة ولا القوّة لتخطِّيها! قد يسعى فيما بعد إلى تحقيق وصال عن طريق الزواج ولكنَّ على المنوال الانطوائيّ، الَّذي رسّخه فيه إدمانه على العادة السرِّية، فيكون همَّه في هذا الوصال هو أن يجني لذة بواسطة جسد الآخر، لا أن يُقيم علاقة حُب حقيقة تُصبح فيها لذَّته مرتبطة بلذّة الآخر، وقد يؤدي ذلك إلي مشاكل كثيرة، بل إلى فشل الحياة الزوجيّة، لأنَّ الزواج الناجح الَّذي يدوم يتطلّب أن يتخطَّى كل من الشريكين انهماكه الشديد بلذته الذاتيّة، ليُسعد الآخر نفس سعيه إلي سعادته الشخصيّة! أمّا إذا أغلق الإنسان على نفسه وعاش في سُبات العِشق الذاتيّ، وتعامل مع الآخرين لِما يُقترن بهم من منفعة شخصيّة أو مصلحة ماديّة، أو ما يحصل عليه من لذة عابرة أو شهوة جسديّة فانيّة، فإنَّ علاقته بغيره لا يمكن لها أن تدوم، لأنَّ الحُب المريض بدايته هي نهايته ومستقبله مثل ماضيه. وقد لا تتحوّل العادة إلى إدمان، وقد لا يؤدي الإدمان نفسه إلى النتائج التي ذكرتها، بفضل عوامل كثيرة قد تكون نابعة من شخصيّة الفرد، أو من تأثير بيئته، أو ظروف حياته.. ولكنَّ الخطر قائم، لِذا كان ولابد من الإشارة إليه. الجنسيّة المثليّة تُشير إحصائيات أُجريت من عدّة سنوات، إلى أنَّ نسبة الجنسيّة المثليّة، قد تصل في مجتمعنا إلي ما يقرُب من (10%)، وهي نسبة ليست بقليلة، ولهذا يجب الانتباه والتفكير في وسائل العلاج. ماهى الجنسية المثلية؟ هى ميل الإنسان إلى مُمارسة الجنس بصفة دائمة مع نفس نوعه، إذ يشعر الفتى بأنَّه ليس ميَّالاً إلى الجنس الآخر بل يميل إلى نفس جنسه، ولا تقتصر الجنسيّة المثليّة على الرجال بل هى تمتد إلى النساء أيضاً. وتؤكّد بحوث علميّة أنَّ الجنسيّة المثليّة لدى الإناث، لا توجد إلاَّ في مملكة البشر فقط، أمَّا في مملكة الحيوان فالأُنثى وفيَّة إلى أبعد ما نتخيّل، وقد يحدُث في بعض الحيوانات اجتماع الذكور معاً، لكنَّه لم يثبت حتى الآن اجتماع الإناث معاً! وتُعرف الجنسيّة المثليّة بين عامة الناس باسم: الشُذُوذ الجنسيّ، الَّذي يمكن تعريفـه لُغَويَّاً بأنّه: خروج عن المألوف ومخالفة ما هو متَّبع، ويُقال شذَّ عن الجماعة أيّ خرج عن القاعدة.. هذا وقد اشتُق فعل اللواط في اللغة العربيّة من اسم " لوط " رغم بره وتقواه كما ذكر الكتاب المُقدِّس: " وَأَنْقَذَ لُوطاً الْبَارَّ مَغْلُوباً مِنْ سِيرَةِ الأَرْدِيَاءِ فِي الدَّعَارَةِ " (2بط2:7)، ورغم معارضته الشديدة لهذه الخطيّة البشعة! وكونه الوحيد في المدينة الَّذي لم يسقط فيها!! ويتَّضح ذلك من قوله لرجال سدوم الأشرار: " لاَ تَفْعَلُوا شَرّاً يَا إِخْوَتِي " (تك7:19)، قال ذلك عندما ذهبوا إليه وقالوا له: " أَيْنَ الرَّجُلاَنِ اللَّذَانِ دَخَلاَ إِلَيْكَ اللَّيْلَةَ؟ أَخْرِجْهُمَا إِلَيْنَا لِنَعْرِفَهُمَا! " (تك5:19). أمَّا في اللغات الأوروبية فإنَّ كلمة " Sodomy " التي تُطلق على الشاذ جنسيّاً فهى مشتقة من كلمة "Sodom " أيّ سدوم، وهى اسم المدينة التي عاش فيها لوط! ونحن بصدد الحديث عن الشُذُوذ الجنسيّ، يجب أن نُفرّق بين خطيّة عارضة يسقط فيها الإنسان، كعلامة من علامات الضعف البشريّ، أو تذوق ما يُعرف بلذة الخطيّة، أو مُجاراة الوسط السييء في انحرافاته.. وبين سلوك شاذ يُمارسه شخص بإصرار واقتناع كامل لجهله بالوصايا الإلهيّة، أو نتيجة لعُقدة نفسيّة تدفعه إلى عمل أيّ شيء مخالف..!! للجنسية المثلية تاريخ هذا وقد تحدّث الكتاب المُقدَّس عن الجنسيّة المثليّة بكل وضوح، في قصة لوط البار (تكوين19)، وأيضاً في قصة اللاوي المتغرّب (قض19)، إذن فالشُذُوذ الجنسيّ له تاريخ قديم قد بدأ مع سقوط الإنسان، الَّذي صار يتفنن في ابتكار الشرور!! وكل من يقرأ تاريخ اليونان القديم، يعرف أنَّ الشُذُوذ شاع في الحياة اليونانيّة علناً، وانتشر كالسرطان، وكان من خصائص الطبقة الحاكمة وعلامة من علامات النبل وامتيازات التفوّق!! وليس بمفهوم الشُذُوذ المَرّضيّ كما يُنظر إليه اليوم، فمعظم النبلاء كانوا يجمعون بين زوجة وغلام، إلاَّ أنَّ هناك حالات غلب فيها الشُذُوذ مثل حالة " أفلاطون " الَّذي عشق " ألكس أوف ديون "!! ولهذا لم يتزوج حتي مات في سن الثمانين، حتى الحوار الَّذي ألَّفه والمُسمَّى Symposium (الوليمة)، والَّذي يُعد من أعظم المؤلَّفات العالميّة عن الحُب، لم يكن موضوعه الحُب الطبيعيّ بل الشاذ!! وقد وصل وَلَع اليونانيّون بالشُذُوذ الجنسيّ أنَّهم عبدوا " هِرقل " الَّذي سقط في حُب فتى يُدعى " هيلاس "!! وهناك روايات عن شُذُوذ الفيلسوف الشهير " سُقراط "، واضطجاعه على فراش واحد مع أحد تلاميذه!! أمَّا " أرسطو " الفيلسوف فقد عشق تلميذه " هرمياس " الَّذي خلَّده في قصيدة أورفيدس!! وهناك زُهريات وأواني شراب كثيرة موجودة بالمتاحف، عليها رسوم تؤكّد انتشار الشُذُوذ في المجتمع اليونانيّ القديم، ومعظمها بين رجل وفتى مُراهق. أمَّا الرومان فقد مارسوا الشُذُوذ منذ زمن قديم ويُقال: إنَّ (14) إمبراطوراً رومانيّاً، من بين (15) إمبراطوراً الأولين، كانوا يُمارسون هذه الرذيلة!! وذُكِر عن الامبراطور " نيرون " أنَّه قد تزوّج مرتين في احتفال عام، وفي كل مرَّة كان العروس رجلاً! وعندما جلس الإمبراطور " أوثو Otho " بعده على العرش، استولى على الصبي " أسبورس "!! وكان اسم الإمبراطور " هدريان " مرتبطاً دائماً باسم شاب اسمه " أنتينوس "!! وعندما مات ذلك الشاب ألَّهه الإمبراطور وملأ العالم بتماثيل له!! أسباب الجنسية المثلية إنَّ معظم التفسيرات النفسيّة تؤكّد أنَّ مصدر هذا الانحراف، يرجع غالباً إلى حدوث اعتداءات مُبكّرة حدثت للشخص في طفولته أو صباه، أو اضطرابات عاطفيّة مُبكّرة بين الطفل وأُمه، فبعض الأُمَّهات بلا وعى يُكوَّنَّ روابط نفسيّة شديدة مع أطفالهن، فيتشبَّع الطفل بأُمه فيفقد بمرور الوقت سمات الرجولة، وتتحوّل كل ميوله إلى ميول أُنثويّة، ومعروف أنَّ الأُنثى تُمثّل الجانب السلبيّ في الحياة الجنسيّة، فيكبُر الطفل ولدية ميول سلبيّة، فإذا سقط في الخطية، فسرعان ما يتحوّل بعد فترة من ممارسته للجنس إلي شخص " مأبون Effeminate " أي مُخنَّث (1كو9:6)، وهذه الكلمة تُطلق في الأصل على الَّذين تتصف حياتهم بالرخاوة والميوعة، والَّذين أصبحوا يعيشون لملذَّاتهم فقط دون أن تكون لديهم قوّة للمقاومة أو ضبط النفس... هناك حالة شاب جامعيّ، يُعاني من وجود إحساس شديد يدفعه للميل نحو نفس جنسه، كما يُحِب الاحتكاك النظريّ والجسديّ بزملائه في الكُليّة، وخاصة الشُبَّان الَّذين لديهم صفات رجولة واضحة، وفي مواقف كثيرة كانت تفلت منه كلمات غراميّة، تجعل الآخرين يسخرون منه... وأثناء علاجه تبيّن أنَّه في بداية مرحلة البلوغ، قد تعرّض للاعتداء الجنسيّ المتكرر من أحد أصدقائه الأكبر منه سِنَّاً، ونتيجة وجوده في عائلة محافظة، لم يتمكّن من الاختلاط بالجنس الآخر، فكانت كل خيالاته تتجه نحو نفس الجنس, أمَّا مشكلته الكُبرى فكانت إصابته بالاكتئاب وتفكيره في الانتحار، وللأسف الشديد لم يجد ما يُخفف عنه قسوة الاكتئاب، سوى السقوط في العادة السرِّية مما جعله يزداد سوءاً بعد ذلك.. وقيل عن أحد الفنانين العالميين: إنَّه كان ابناً غير شرعيّ، وقد دفعه غياب الأب إلى الارتباط بأُمِّه ارتباطاً زائداً، أدَّى به إلى فشله عندما وصل إلى سن المراهقة، في تكوين علاقة عاطفيّة ناضجة مع الجنس الآخر، وقد ظهرت اتِّجاهاته نحو الجنسيّة المثليّة بوضوح في علاقته بأصحابه، فكان يخلط بين الذُكورة والأُنوثة في بعض لوحاته، وهكذا كان الفن عنده بمثابة منفذ لرغبته الجنسيّة المكبوتة، فجاءت لوحاته الفنيّة تعبيراً عن تركيزه للطاقة الجنسيّة في الحياة الوهميّة الخياليّة، بدلاً من توجيهها نحو عالم الواقع! وعلى العكس من الارتباط الشديد بين الطفل وأُمه، نجد أنَّ قسوة الأُم قد تؤدي إلى انحراف الابن، فقد ذكر أحد الكتَّاب: إنَّه رأى أُمّاً تقسو على ابنها الصغير البالغ من العمر حوالي السنة والنصف!! وفي مرّة أُخرى شاهد سيّدة في منتصف العشرينات، تندفع إلى شباك التذاكر، ولمَّا حاول ابنها أن يتعلّق بها، أزاحته من طريقها بشنطة السفر، وفي النهاية وبغيظ شديد، رفعت قدمها إلى بطنه ودفعته بعيداً عنها!! فظهر الطفل وكأنَّه مسعور، يحاول اللحاق بأُمّه صارخاً كما لو كان قلبه يتحطّم! إنَّ هذه القسوة المفرطة من الأُم، غالباً ما تترك آلاماً نفسيّة شديدة داخل الطفل، أو تتسبب في حدوث خلل نفسيّ ربَّما يقوده إلى الآتي: - إمّا أنَّ يرفض النساء ويقـع ضحيّة للشُذُوذ الجنسيّ. - أو يكون قاسياً مع زوجته وبناته لأنَّه سيكره النساء. ومن المعروف أنَّ العوامل الوراثيّة، تلعب دوراً هاماً في حياة الإنسان، والوراثة في أبسط معانيها هى: انتقال صفات وخصائص الآباء النفسيّة والجسديّة.. إلى الأبناء، كما أنَّ للوراثة دور بالغ الأهمية في تكوين شخصيّة الفرد، حيث أنَّها تُساهم في تهيئة استعداده للانحراف.. وفي عِلم الإجرام عبارة تقول: إنَّ المجرم لا يرث الإجرام بل يرث الميل للإجرام، والشاذ أيضاً استعداده للانحراف الجنسيّ يكون أكثر من غيره، فإذا ما صادف هذا الاستعداد عوامل أُخرى مساعدة على الانحراف، صار ذلك الشخص شاذاً، إلاَّ أنَّ الميل إلى الفعل لا يعني بالضرورة حتميَّة وقوع الفعل! ونحن بصدد الحديث عن العوامل الوراثيّة، يجب ألاَّ نُنكر دور الهُرْمُونات في الحياة النفسيّة بصفة عامة، والجنسيّة بصفة خاصة.. أمَّا كلمة " هُرْمُون Hormone " فمعناها: مُحرّك أو دافع, وفيما يخص الحياة الجنسيّة، فإنَّ كل إنسان يحمل في تكوينه هُرْمُونات أُنثويّة وذَكَريّة معاً، فإذا زادت الهُرْمُونات الأُنثويّة عن معدّلها الطبيعيّ، غلبت على الرجل الصفات الأُنثويّة، وأصبح شبيه بالنساء سواء في شكله أو نبرات صوته.. وقد تزيد هُرْمُونات الذُكورة في المرأة، فتتحوّل - كما يُسمّونها - إلي امرأة مسترجلة، وهذا يدفعها إلي الميل نحو النساء في حياتها الجنسيّة لأنَّها تشعر بأنَّها رجل! ويدخل في نطاق العوامل الوراثيّة، مستوى الذكاء والقُدرات العقليّة، فقد أثبتت البحوث العلميّة، أنَّ كثيراً من الشواذ ومُرتكِبي الجرائم الخُلُقيّة، مثل الاغتصاب وهتك العِرض.. على مستوى منخفض من الذكاء، فمن المعروف أنَّ الضعف العقليّ غالباً ما يصحبه خلل نفسيّ وعاطفيّ واجتماعيّ، وهذا الخلل في جوانبه الثلاثة، يُفسر لنا ظاهرة الزيادة الملحوظة في انحراف أصحاب العقول الضعيفة، فالشخص الأبله الَّذي لا يتعدى ذكائه مستوى ذكاء طفل في الثالثة من عمره، يكون سريع التأثّر لأيّ سبب، ويسهُل خِداعه، كما أنَّه لا يقدر على التحكّم في غرائزه وانفعالاته، وهذا الضعف يدفعه إلى الانحراف الجنسيّ في مواقف كثيرة. ومن الثابت عِلمياً أنَّ للأمراض العضويّة تأثيراً بالغ الخُطورة على الإنسان، فقد تبين أنَّ المُصابين بالتهابات في المخ، يظهر لديهم دوافع نفسيّة إلى ارتكاب جرائم العنف، وأنواع من الشُذُوذ الجنسيّ.. نتيجة لاختلال المراكز العصبيّة، التي تتحكّم في الغرائز الجنسيّة والعاطفيّة للمُصاب بتلك الالتهابات، كذلك أكدت الأبحاث أنَّ هناك علاقة قويّة بين أمراض السل والزُهَري والسيلان.. والانحراف، لِما يترتب عليها من زيادة الخلل النفسيّ والعضويّ، وإثارة الدوافع الجنسيّة إثارة غير طبيعيّة، وهذا يفسر لنا زيادة الجرائم الجنسيّة بين المُصابين بهذه الأمراض. وبجانب العوامل الوراثيّة هناك العوامل الاجتماعيّة، فعدم انسجام الأُسرة وكثرة المشاكل والتشاجر.. يدفع إلى الانحراف لعدم التكيّف الاجتماعيّ، كما أنَّ دخل الأُسرة والسكن في بيت مشترك، أو حي معظم أفراده منحرفين.. يؤديّ إلى الانحراف بكافة أشكاله.. وتنتشر الجنسيّة المثليّة بكثرة في المجتمعات المُغلقة، مثل: االمدارس الداخليّة أو المُخيَّمات أو الملاجيء أو السجون أو المُعسكرات القاصرة على أفراد من جنس واحد.. وليس هذا قاصراً على الإنسان فحسب، فقد ثبت أنَّ الديوك والفئران تُعامل الضعاف من أفراده معاملة الإناث، ويظهر هذا السلوك إذا حُبِست طيور مختلفة في قفص واحد! ويُعد أكثر الَّذين يتعرَّضون للجنسيّة المثليّة، أولئك الَّذين يحتكون بحكم البيئة والظروف بالبالغين، فهم نتيجة لصغر سنَّهم، وشعورهم بالضعف الكامن في نفوسهم، يُعجبون بقوّة البالغين ونضجهم.. فيزداد تعلّقهم بهم، واندفاعهم نحوهم يُنشدون الحماية والأمن والطمأنينة، فيستغلّونهم الكبار أسوأ استغلال! ولهذا يجب على الأُسر أن تُراقب الأولاد وهم في مرحلة الصِغر، ويعرفوا من هم أصدقائهم ومع من يتعاملون.. فقد حدث كثيراً أن جنى بعض البالغين على أطفال صغار، لم يصلوا بعد إلى سن المراهقة! ولعلَّ زيادة الشُذُوذ بين المهنيين، هو التقاء الصبي بأفراد يكبرونه سِنَّاً، ولكي يعمل معهم ويتعلّم منهم.. عليه أن يستجيب لرغباتهم المنحرفة، وهو لا يُدرك عواقبها في المستقبل! يجب أن نعرف أنَّ الحياة الجنسية لها نتائج كثيرة، ولكننا نُشير إلى نتيجتين: الأولى: إزالة توتر جنسيّ، والثانية: إزالة توتر نفسيّ. ولا تحتاج النتيجة الأولى إلى المزيد من التوضيح، أمّا الثانية فظاهر فيها الميل إلى التبعيّة، إذ يميل المراهق الضعيف إلى من هو أقوى منه ويكون له تابعاً، لَعَلَّه يجد الاستقرار النفسيّ الَّذي يبحث عنه! كما يميل الأقوى إلى أن يظل سيِّداً، قويَّاً، متبوعاً.. وقد يذهب الطفل ضحيّة، نتيجة جهل بعض الآباء والأُمَّهات بأساليب الرعاية وفنون التربية وعدم معرفتهم بسيكولوجيّة الأطفال، فمن هؤلاء الآباء من يُلبس طٍفله ملابس الأُنثى حتى لا يتعرّض للحسد!! ومنهم من يضع في يد طفله أُسورة، أو في أُذنه حلقاً، ويُعامله معاملة الفتاة، مما يؤدي بالطفل إلى شعوره بأنَّه أُنثى، فيتّجه نحو الجنس الَّذي ليس بالأُنثى، أيّ نحو نفس جنسه! وبعض الآباء يشتاقون إلى إنجاب أُنثى، فإذا جاء المولود ذكراً تجاهلوا الحقيقة، ولم يرضخوا للواقع، وعاملوا طفلهم معاملة الأُنثى وسمّوه باسمها، وهذا ربَّما يؤثّر في نفسيته عندما يكبر، ويُحوّل اتِّجاه الحُب عنده إلى ناحية غير طبيعيّة! وذكر شاب له ميول جنسيّة مثليّة: إنَّ أباه كان يُعطي كل وقته للعمل، وإذا جلس معه لا يُعطيه وقتاً كافياً، فتولّد داخل الشاب شعوراً بأنَّ أباه يرفض الذكور، فشعر بميل شديد للانتماء إلى الجنس الآخر لَعَلَّه ينال حُب أبيه، وممَّا شجَّعه على ذلك أنَّ أُمَّه كانت ترغب أن يكون لديها ابنة فألبسته ملابس البنات وأطالت شعره، ووضعت فيه الشرائط للتسلية..!! فعندما كبُر الطفل بدأ يغرم بارتداء ملابس أُمَّه فلم تمنعه، بل كانت تُشجّعه على ذلك وتضحك من منظره الهزْليّ! فصار يصارع ميوله الجنسيّة غير الطبيعيّة! وذُكر أنَّ طفلاً كان له أُخت متفوِّقة وجميلة والذكاء.. ورغم أنَّه كان يبذل أقصى جهده في المُذاكرة، إلاَّ أنَّه لم يصل لتفوُّقها، فظن أنَّ أُنوثتها هي التي تدفع أساتذتها إلى محاباتها، وتمنى لو أصبح أُنثى حتى ينال من الرعاية والتفوق... مثلما نالت أُخته، وظل هذا الميل كامناً في نفسه حتى أيقظه سن البلوغ! خطورة الجنسية المثلية في عِلم الإجرام يربطون بين الشُذُوذ والقتل، ومن هنا جاءت العبارة المشهورة التي تتردد كثيراً على ألسنة رجال الأمن: شاذ اليوم قاتل أو قتيل الغد! فالمعروف أنَّ الشُذُوذ الجنسيّ هو مرض يُبتر مشاعر الحُب وكل المشاعر النبيلة الأُخرى من قلب الإنسان، وبالإضافة إلى ذلك فهو يجعل المريض ضعيفاً، يقع فريسة لكل انفعال مهما كان تافهاً، ويتعثّر أمام أيّ منظر بسيط يراه! ويؤكّد العميد عبد الواحد إمام مرسي، أنَّ جرائم القتل تحدُث وبصورة منتشرة بين الشواذ خاصة المزدوجين منهم، أيّ الَّذين لديهم ميول إيجابيّة وسلبيّة معاً، إذ يكونون تحت ضغط الرغبة الجنسيّة عنفاء إلى أبعد ما نتخيّل، وهذا دليل على الخلل النفسيّ الَّذي يُعاني منه الشواذ! ويؤكّد أنَّ جوهر الانحراف الجنسيّ يرجع إلى مشكلة نفسيّة! علاج الجنسية المثلية حقا إنَّ الجنسيَّة المثليّة من الظواهر غير المقبولة، والمرفوضة في المجتمعات الشرقيّة خاصة في سن الكِبر، إلاَّ أنَّ العلاج ممكن مثل أيّ خطيّة، بشرط أن يكون هناك استعداد ليكون هناك شفاء. ولهذا يجب على الآباء والمدرِّسين.. ألاَّ ينظروا إلى هذه المسألة على أنَّها جريمة قد ارتُكبت إذا كان المتورّط فيها طفلاً، بل ينظروا إليها نظرة المرء إلى طفل يسلك مسلكاً غريباً، كأن يُدخّن أو يعبث بالنظام.. كما يجب عليهم أن يُساعدوا الطفل ويُرشدوه لكي يتخلى عن مثل هذه الأفعال، ويُعلّموه كيف يستخدم غرائزه استخداماً إيجابيّاً، هذا بالإضافة إلى مراقبته ومعرفة أصحابه والأماكن التي يذهب إليها، وحثّه الدائم على البعد عن الَّذين نشأوا في بيوت مُمزقة أو تربّوا في الشارع أو لديهم مشاكل نفسيّة.. هذا بالنسبة للطفل أو المراهق، أمّا الرجل فمن الأفضل أن يتولَّى علاجه طبيب نفسانيّ بجانب كاهن روحانيّ، فقد يكون السبب يرجع إلى وجود خللاً في الهُرْمُونات، أو نتيجة عُقدة نفسيّة ترجع إلى أيام الطفولة المُبكرة.. أو غير ذلك من الأسباب التي لا يقدر رجل الدين أن يعرفها بسهولة، خاصة أنَّ مثل هذه الانحرافات والموضوعات الجنسيّة عامة.. لم يكن أحد يتحدّث فيها من سنوات مضت، لأنَّ الحديث فيها كان بمثابة جريمة تستحق العقاب. نؤكّد أيضاً على أهمية الجانب الروحيّ في مثل هذه الانحرافات فالاعتراف يُريح الإنسان، والصلاة تصنع المستحيل.. ولكننا نعترف بأنَّ العلاج ليس بالأمر السهل كما يظن البعض، إلاّ إذا كان المريض لديه استعداد كامل للعلاج، ورغبة صادقة في الشفاء، نقول هذا ليس للإحباط ولكن لزيادة الرعاية والاهتمام لأننا أمام مرض عِضال!! أمَّا وسائل العلاج فهى كثيرة ومتنوعة، فقد استخدم " سولوم وميــلرSolyom and Miller " (1965م) الصدمــات الكــهربائيّة في علاج ستة أشخاص، حيث جلسوا على مقاعد مُريحة في غرف مُظلمة، ثمَّ عُرضت عليهم شرائط لصور رجال ونساء بلا ملابس، وكان المرضى يتعرَّضون لصدمات قويّة عندما تُعرض عليهم صور الرجال وهم عرايا، وتتوقّف الصدمات الكهربائيّة عند عرض صور النساء، وبهذه الطريقة استطاع المرضى أن يتخلَّصوا من الجنسيّة المثليّة، التي صارت مرتبطة في أذهانهم بعقاب الصدمات. وقد عالج " بلاكمور Blakemore " عام (1963م) رجلاً عمره (33 سنة)، كان يعاني من التشبّه الجنسيّ، وكان يستمد اللذّة من ارتداء ملابس النساء، وهو لا يزال في سن الرابعة من عمره.. وعندما كبُر كان يظهر في العلن وأمام الناس بملابس نسائيّة، كما كان يتزيّن بمساحيق النساء، فصار موضع سُخريّة!! ولم يساعده الزواج في شيء. وقد خضع للعلاج النفسيّ ست سنوات، ولم يتم الشفاء.. وأخيراً وضع في حجرة مُغلقة، وكان يقف عارياً على قطعة من القماش يمكن توصيل الكهرباء من خلالها، ثمَّ تُعطى له التعليمات بالبدء في لبس ملابس النساء، فما أن يبدأ في الارتداء حتى توجّه صدمة كهربائيّة شديدة عن طريق حِذاء كان يلبسه، وتُعد الصدمة إنذاراً له ليبدأ في خلع ملابسه، وتستمر الصدمة حتى ينتهي من خلع كل ملابسه، وقد استمر العلاج ستة أيام تم خلالها إجراء ما يقرب من مائة محاولة، وأدت المحاولات إلى الشفاء فلم يظهر لديه رغبة في ارتداء ملابس النساء. إنَّ فكرة العلاج باختصار شـديد هى: ربط الممارسة الشاذة بالألم لا اللذّة! أمَّا إذا كان السبب يرجع إلى العلاقة المضطربة بين الطفل وأُمِّه، فإنَّ خير وسيلة للعلاج هنا هى: التحرر من العلاقة العاطفيّة الأولى التي تكوّنت بينهما، وعلى الأُم أن تتخلى عن أنانيتها الجامحة، فلا تعود تجعل ابنها يدور في محيطها، ويظل متعلِّقاً بها بصورة خاطئة، ولكي يتم هذا يجب عليها أن تشعر بكيان ابنها وشخصيَّته، وتسعى إلى استقلاله بعيداً عنها، وتساعده على معرفة قدراته، وتُشجّعه على القيام بأعمال مُفيدة تُنمّي مواهبه، ليضعف تعلّقه المرضيّ بها، وتجعله ينفتح أكثر على البنات، فيُحِب حُبَّاً طاهراً يقوده إلى زواج ناجح، وتكوين أُسرة مثاليّة. الساديّة والماشوسيَّة في بعض الحالات يأخذ الانحراف الجنسيّ طابع القسوة والشدِّة وإيقاع الألم بالآخرين، فبعض الناس لا تكتمل نشوتهم الجنسيّة، إلاَّ إذا لجأوا مع الشريك الآخر إلى أساليب عنيفة، كالضرب أو السب أو غير ذلك.. مما قد يُسبب آلاماً عضويّة أو نفسيّة! وتُنسب الساديّة "Sadism " إلى المركيز الفرنسيّ " دى ساد Marquis de Sade " (1740-1814م)، الَّذي ألّف كتاباً أسماه " فلسفة المخدع " فيه صب جامات غضبه على المرأة، ونادى إلى استخدام أبشع أساليب العنف وذلك قبل مضاجعتها! إلاّ أنَّ هذا الفكر الشـاذ ليس غريباً على إنسان يُعاني من اضطراب نفسيّ، وقضى سنينَ كثيرة من حياته في سجون باريس، وتُعد عقدته النفسيّة مع أُمِّه التي كان يكرهها بشدِّة، هى السبب الرئيسيّ الَّذي جعله ينتقم من جنس المرأة عامة! فقد ثبت أنَّ الرجال الَّذين يستخدمون أساليب عنيفة مع زوجاتهم من دون سبب، لديهم خلل نفسيّ، والدليل على ذلك: إنَّهم يزدادون هدوءاً كلما زادت عدوانيتهم تِجاه الزوجة أو أيّ امرأة!! أمَّا الماشوسيّة والتي تُترجم أحياناً في بعض المراجع: المازوخيّة " Masochism " فهى تُنسب إلى الروائيّ النمســاويّ " ليبولد زاخر مازوخ Leopold Zacher Masoch " (1836-1895م) الَّذي ألّف رواية " فينوس في الفراء " Venus in Furs التي تُعبّر في بعض أجزائها، عن فترات في حياة المؤلّف وخاصة طفولته، فقد كان يعيش مع عمّته في وقت كانت تربطها علاقة برجـل آخر، فبدافع حُب الاستطلاع اختفي مازوخ وهو لا يزال صغيراً في دولاب الملابس لكي يرى ما يحدُث.. فلمَّا اكتُشف أمره عاقبته عمّته بضرب مؤلم.. وهكذا يُفسر المحلّلون النفسانيّون، قيام ارتباط بين الألم الَّذي وقع عليه، وبين لذّة الإثارة الجنسيّة التي كان يستمتع بها! ولهذا أطلقوا لقب الماشوسيّة أو المازوخيّة على كل من يتلقى أو يتقبّل الألم من أجل أن يُثار جنسيّاً! والحق إنَّ الشخصيّة تُعد لغزاً ليس من السهل فك كل غموضه! إذ كيف يُفهم أنَّ هناك أُناساً لا يكتفون بالتقليل من شأن أنفسهم أو إضعافها أو إيذائها.. وإنَّما يستمتعون بذلك أيضاً! |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|