لا تناقض بين البتولية والأمومة. إنهما حالتان يختار أحداهما الإنسان ليتكرّس لخدمة الرب. وإذا كانت الأمومة خصباً وعطاء فالبتولية إنفتاح على الله والغير وعطاء كامل وليست إنكماشاً على الذات وأنانية عقيمة. في الناصرة كرّست مريم ذاتها للرب في حياة البتولية تجاوباً مع نداء النعمة التي غمرتها بكل بركة. هذا ما أعلنه لها الملاك يوم البشارة مبيناً لها معنى بتوليتها. وبهذه التقدمة نالت بتوليتها ذلك الخصب الذي لم يحلم به أحد. لقد صار ابن الله ابناً لها. وابن البتول هو الذي يحمل الخلاص للعالم والحياة للبشر. وعلى غرار البتول مريم واقتداء بالمسيح تثمر البتولية في الإنسان أعمالاً إنسانية ورسولية وروحية تمجيداً لله. فالذين يتكرسون لتوزيع كلام الرب وأسراره، أو يقضون حياتهم في خدمة الأولاد والمرضى والمساكين، تثمر أعمالهم في حياة الناس حباً وهداية. والذين يكرسون معظم أوقاتهم للتأمل والصلاة والتعبد، يعلنون بدورهم أن البتولية خصبة بحد ذاتها. وجميعهم سواء كانوا عاملين في حقول الرسالة أو متعبدين في الأديار والمناسك، جميعهم شهود للمدينة السماوية، جميعهم شهود أن الله جدير بالمحبة المطلقة التي تشبع جوع الإنسان. إنهم شهود للحياة مع الرب منذ الآن. إن حياة البتولية ضرورية للعالم لأنها تذكر الناس بأن هناك قيماً روحية ثابتة لا تنفي قيم العالم بل تفوقها عظمة وجمالاً. إن خصب حياة البتولية يبقى مع ذلك سراً خفياً لأنه ينبع من علاقة النفس الحميمة بالله. وفي هذا المعنى كتبت القديسة تريزيا الطفل يسوع: "فهمت أن الكنيسة جسد من أعضاء مختلفة. فهمت أن لها قلباً يشتعل حباً. وفهمت أن الحب وحده يحرك أعضاء الكنيسة. فإذا انطفأ هذا الحب تعذّر على الرسل أن يبشروا بالإنجيل وعلى الشهداء أن يسفكوا دماءهم في سبيله... فقلت: لي الكنيسة دور، وهو أن أكون الحب، فأكون به كل شيء". هذه هي البتولية كما عاشتها العذراء. وعلى مثالها يجتهد البتولون والبتولات في أن يكونوا امتداداً لعطاء الله ومحبته في العالم.
صلاة:
في كنيستك يا يسوع كثير من البتولات والبتولين يرمزون إلى محبتك المطلقة للبشر. افهمني إن دعوتهم ليست بحثاً عن راحة، أو تهرباً من مسؤولية، بل تلبية لندائك وعطاء كاملاً نفساً وجسماً، وشهادة حيّة لملكوتك. قوّهم يا رب ليكونوا لنا مثالاً ومشعلاً يهدينا دوماً إليك. وأنت يا مريم مثال البتولات، باركي البتولات والبتولين، لتكون حياتهم كلها خصبة بحب الله آمين.