رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
تألم دون أن يتألم _ كيرلس السكندري تألم دون أن يتألم القديس كيرلس الإسكندري يحدثنا القديس بولس عن الآلام المخلصة، فيقول: "لكي بنعمة الله يذوق الموت" (عب 2: 9). وأيضاً "سلمت إليكم أولاً ما أستلمته أنا أيضاً، أن المسيح مات عن خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن وقام في اليوم الثالث" (1 كو 15). وكذلك بطرس الحكيم جداً يقول هو أيضاً: "فإذ قد تألم المسيح بالجسد لأجلنا" (1 بط 4: 1). هكذا نؤمن أن ربنا يسوع المسيح الواحد أي الله الكلمة، رأيناه في شكل بشري عندما تجسد وتأنس وثار مثلنا. ولكن كيف ننسب إليه الآلام، وفي نفس الوقت نؤكد أنه كإله لا يتألم؟ الآلام تخص التدبير. والله الكلمة جعل ما يخص جسده يخصه هو نفسه بسبب الاتحاد الفائق الوصف. لكنه ظل فوق الآلام حسب مقتضى طبيعته لأن الله لا يتألم. ولا غرابة فيما نقول، لأن نفس الإنسان تظل فوق الآلام عندما يتألم جسدها. ونحن لا نعتبر النفس بعيدة عن الآلام، أو أن الآلام عندما تحدث للجسد لا تخص النفس، لأن الجسد الذي يتألم هو جسدها. وعندما يتألم الجسد فالنفس المتحدة به وهي من طبيعة بسيطة لا تلمس، لا تظل بعيدة عن الألم، لأن الجسد الذي يتألم ليس غريباً عنها بالمرة. هكذا يمكننا أن نفهم آلام المسيح مخلص الجميع. وسوف أستخدم أمثلة توضح لنا جزئياً، كيف بسبب الاتحاد اشترك الابن الوحيد في الآلام، ومع ذلك ظل حراً من الآلام كإله ... في سفر اللاويين يأمر الله بإبعاد الأبرص عن المحلة لأنه ملوث ونجس، لكن عندما يبرأ فإنه يتطهر. ولذلك يأمر الناموس "الكاهن أن يُؤخذ للمتطهِّر عصفوران حيّان طاهران، وخشب أرز وقرمز وزوفا، ويأمرُ الكاهن أن يُذبح العصفور الواحد في إناءٍ خذفٍ على ماء حيّ. أما العصفور الحيُّ فيأخذه مع خشب الأرز والقرمز والزوفا ويغمسهما مع العصفور الحيّ في دم العصفور المذبوح على الماء الحي، ويَنضحُ على المتطهر من البرص سبع مرات فيطهرهُ، ثم يطلق العصفور الحيّ على وجه الصحراء" (لا 14). هكذا بدم المسيح الكريم وبالمعمودية المقدسة نتطهر ونغتسل من لطخات القذارة العالقة بنا، ومن موت الشهوات الحسية. وعلينا أن نلاحظ كيف تتحدث الأسفار المقدسة بطريقة خفية. فالأسفار تُشبِّه المسيح بعصفورين - دون أن يعني هذا وجود ابنين - بل الواحد من اثنين، أي لاهوت متحد بالناسوت. العصفوران طاهران، وهذا يشير إلى أن ربنا يسوع المسيح لم يخطئ، لأن الكلمة قدوس في لاهوته وناسوته. واستخدم الكتاب المقدس الطيور كإشارة ورمز إليه. لأن إرتفاع الطيور في الهواء هو رمز إلى إرتفاعه، وإلى أنه من فوق، لأن المسيح هو الانسان الذي من السماء (1 كو 15: 47)، رغم أنه ولد من العذراء بالجسد. كيف إذاً هو من فوق ومن السماء؟ الله الكلمة من فوق ومن الآب، الذي أخذ جسداً من العذراء القديسة وجعله جسده الخاص، قال كما لو أنه قد جاء به من فوق ومن السماء: "ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان" (يو 3). لأن الكلمة يعطي جسده من صفاته، حتى أننا يمكننا أن نقول بسبب الاتحاد أنه (الجسد) نزل من السماء، لأنه (الكلمة) عندما اتحد به جعله واحداً معه. ولاحظ أنه عندما يذبح العصفور الأول، يغمس العصفور الثاني في دم الأول دون أن يموت. ما معنى هذا؟ أن الكلمة حيّ وإن مات جسده، وبسبب الاتحاد اشترك هو في الآلام، لأن الجسد الذي تألم هو جسده هو. وهو الواحد بعينه، اقتبل هو نفسه الآلام دون أن تتألم طبيعته. ..... لقد جاع المسيح، وتعب من المشي، ونام، ودخل في القارب، وضربه معذبوه، وجلده بيلاطس، وبصق عليه الجنود، وطعن في جنبه بالحربة، وقُدِّم له الخل الممزوج بالمُر. بل ذاق الموت، وتألم على الصليب، وتحمل إهانات اليهود. كل هذه الأمور يعتقد المخالفون أنها حدثت للإنسان، ويمكن أن تنسب فقط لشخص الابن. لكننا نؤمن كما بإله واحد الآب ضابط الكل - خالق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة - نؤمن أيضاً بالواحد ربنا يسوع المسيح ابنه، ونرفض أن نُقسّم عمانوئيل إلى إنسان مستقل عن الكلمة. ولأننا نعرف أن الكلمة صار إنساناً بالحقيقة مثلنا، نقول أنه هو نفسه إله من إله. وإذ أخذ شكلنا صار إنساناً مثلنا مولوداً من إمرأة. وأنه بسبب اتحاده بالجسد تألم بكل الإهانات لكنه احتفظ بما له من عدم الألم، لأنه ليس إنساناً فقط بل هو نفسه الله. وكما أن الجسد هو جسده، هكذا آلام الجسد ورغباته الطبيعية وكل الإهانات التي وجهها البعض، كل هذا احتمله هو لأنه كان موجهاً إلى جسده الخاص به. لقد تألم دون أن يتألم. ولما وضع ذاته لم يتحوّل إلى بشر، لأنه احتفظ بخواص طبيعته وبكل ما يجعله أسمى من المخلوقات. لأنه إذا افترضنا أنه تغيّر أو تحولت طبيعته الإلهية إلى طبيعة جسدية فإن ذلك يقتضي منا الاعتراف - حتى ولو بغير إرادتنا - أن الطبيعة الإلهية قابلة للتغيير والتألم. لكنه ظل غير متغير رغم تجسده لأن من خواص الطبيعة السمائية عدم التغيير وعدم الألم بينما من خواص الجسد التغيير. وعندما أخذ جسداً وأصبح جسده الخاص به الذي اتحد به، نقول بسبب هذا الاتحاد أنه تألم حينما تألم جسده، لكن صفة عدم الالم هي أيضاً صفة حقيقية تخصه. ... وعندما يقول من خلال الأنبياء: "بذلت ظهري للضاربين. وجهي لم أستر عن العار والبصاق" (إش 50)، وأيضاً "ثقبوا يدي ورجلي أحصوا كل عظامي" (مز 22)، وأيضاً "وضعوا في طعامي علقماً وفي عطشي يسقونني خلاً" (مز 69)، فأننا نخصص كل هذا للابن الوحيد، الذي تألم تدبيرياً في الجسد حسبما تُعلم الكتب المقدسة "لأننا بضرباته شفينا" (إش 53)، ولكننا نعترف أنه غير قابل للألم بالطبيعة. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً |
الموضوع |
تألم دون أن يتألم _ كيرلس السكندري |
تألم دون أن يتألم |
إنسكاب الروح _ كيرلس السكندري |
لماذا تضربني؟ _ كيرلس السكندري |
القديس كيرلس السكندرى |