رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
كلمة عزاء إن الله تعالى كثيراً ما يستخدم عصا تأديبية في الشدائد والبلايا والأحزان لنفعنا وخيرنا الروحي، وتكميلنا في النمو وفي النعمة وفي معرفته، كأغصان الأشجار التي كلما قطعت وقلمت ازدادت نمواً، وكالكرمة فإنها كلما شذبت حملت عناقيد أكثر، قال السيد كل غصن في لا يأتي بثمر ينزعه وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر (يو15: 2) وما أداة هذه التنقية إلا التجارب التي ترجع النفس وتلصقها بالله. وكما أن رياح الحريف الفادحة ضرورية لإنضاج النبات كحرارة الصيف، كذلك لابد من التمرين والتدريب في مدرسة المصاعب للبلوغ إلى أرقى درجة في الروحيات حتى تصرخ النفس وتقول "قبل أن أذلل أنا ضللت، أما الآن فحفظت قولك، خير لي أني تذللت لكي أتعلم فرائضك". إننا على الأرض عرضة لبلايا كثيرة، ومحن لا تعد ولا تحصى ولابد من حمل صليب ما، شئنا أو أبينا. وعبثاً التخلص من المصائب والأتعاب التي لابد منها لتعلم الطاعة والصبر والتدريب على الكمال. والمسيح رئيس خلاصنا ومكمله لم يعد لنا السعادة والمجد إلا بعد مروره في طريق الآلام، فقبل المجد الألم، وقبل الراحة التعب، وقبل النصرة الحرب، وقبل الإكليل الجهاد. قال الرسول عن المخلص مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به. عب (5: 8) لأنه فيما هو قد تألم مجرباً يقدر أن يعين المجربين. عب (2: 18) وما أعظم مثال طاعته فقد كانت كل حياته لجة آلام وأحزان من المهد إلى اللحد وقد قال في أهوال الأوقات لآبيه لتكن لا إرادتي بل إرادتك لو (22: 42) فهل يليق بنا أن نتذمر متى شاء الرب اقتيادنا بالتجارب لتهذيب نفوسنا ورجوعها إليه! وهل في يدنا أن نختار نصيبنا، وهل في قدرتنا رفع ما يضعه الرب على أعناقنا. ومن نحن حتى نرفع صوتنا ضد من بيده أمرنا. فعلينا بالخضوع والطاعة وتسليم المشيئة حين دخولنا في إحدى التجارب، سواء بموت أحد أعزائنا، أو خيبة مساعينا أو ضياع أتعابنا عبثاً، أو انقطاع حبل آمالنا، أو إذا سلطت الأمراض على أجسامنا، أو كنا عرضة للتعب والبلاء ليلاً ونهارا. فكل هذه دروس ثمينة لتدريب نفوسنا على الطاعة والاتكال على الله، وماذا نعمل لو تذمرنا وماذا يجدينا الضجر والبكاء سوى زيادة الألم أما الطاعة فتملأ القلب تعزية وفي قدرتها رفع الألم عن نفوسنا. لأن الفاخوري (الفخاري) لا يضع آنيته في النار حتى تحترق، والبستاني إذا نزع بعض أغصان أشجاره فإنه يحافظ على جذوعها وأصلها. طوبى للنفس التي تقول "خيراً صنعت مع عبدك يا رب حسب كلامك" (مز119: 65). من أحسن ما يخفف قوة البلية ويربى روح الطاعة والشكر معرفتنا أن يد الله متداخلة في كل أمورنا. ألم يقل السيد: أليس عصفوران يباعان بفلس واحد وواحد منهما لا يسقط على الأرض بدون أبيكم وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة مت (10: 29، 30) فلا يحدث لنا أمر إلا وقد سمحت به عناية الله. إننا لا نعرف مقاصده السرية والفائقة وطالما نؤمن بحكمته وصلاحه فما بالنا لا نتركه يتصرف فينا كيف شاءت مسرته،أما إذا تركنا الإيمان وابتعدنا عن كتاب الله وأسندنا مصائبنا إلى علل ثانوية، تعبنا جداً وخسرنا فوائد التجارب وعزاء الإيمان. إن هذه كلها تعللات باطلة لا أساس لها سوى الظن الباطل وحكمة الإنسان الواهية وليس وراءها سوى زيادة الندم والإفراط في الحزن والألم. طوبى لمن يسلم أمره لله ويقول في كل حال "كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله". إن إيماننا بأن أعمال الله غامضة وسرية، وأن عنايته صالحة. ومشيئته عادلة، يملأ قلوبنا اطمئنانا، وغموض أعمال الله عنا في غاية المناسبة لطبيعتنا. إذ لا يمكننا أن نفهم مقاصد الله لأنه كما علت السموات عن الأرض هكذا علت أفكاره عن أفكارنا، وطريقه عن طرقنا. وقد تعين لنا أن نسلك بالإيمان لا بالعيان فكلما أحاطت بنا غيوم الحيرة والارتباك في أمورنا ازددنا تعلما بدرس الثقة بالله والاتكال عليه، والخضوع لرسوم عنايته، واختبار الفرح بتسلطه علينا، وليس لنا الحق أن نعرف إيضاح كل تصرفات الله معنا كما لا يستطيع الولد الصغير أن يعرف تأديبات وتصرفات أبيه، غير أن لنا في مواعيده الأمينة أنه لا يتركنا عند الضيق والتجربة ولا يهملنا في أوان الحزن والشدة، بل في أشد الأهوال وأصعب الأحوال يلقي في قلوبنا ملء الإيمان ويهبنا العزاء الوافر، ويصدق علينا قوله لبطرس: ليس تعلم أنت الآن ما أنا أصنع ولكنك ستفهم فيما بعد. هكذا نحن لا نفهم عمله معنا في وقت الافتقاد والبلوى ولكن إذا صبرنا والتصقت قلوبنا بالرب حينئذ تتجلى لنا محبته. |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|